السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

عيد «النيرو» وليس «النيروز».. والأخير هو عيد الربيع عند الإيرانيين.. والعرب هم سبب الخلط

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

احتفلت الكنائس الأرثوذكسية المصرية، الأحد الماضي، 11 سبتمبر، بعيد النيروز، وكعادتنا، تشارك «البوابة نيوز» كل المصريين عامة، والمسيحيين خاصة، بهذه المناسبة، حيث يعتبر «النيروز » رأس السنة المصرية الفرعونية، هو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة، فهو إرث يخص كل المصريين، ومن جانب آخر يعتبره المسيحيون تذكارًا لشهداء المسيحية، خلال عصور الاضطهاد الروماني للكنيسة المصرية، ولشعبها، ولهذا نحاول اليوم اقتناص معلومات أكثر عمقا عن هذه المناسبة المتأصلة في حضارتنا، والمستديمة باستدامتنا.

(علاقة الدماء بهذه المناسبة)


ويقول أمجد سمير شفيق، باحث في التاريخ القبطي، وحاصل فيه على الدبلوم، مع رتبة دياكون بالكنيسة الأرثوذكسية، إن في هذا اليوم تحتفل الكنيسة المصرية بالشهداء، حيث استشهد عدد كبير جدًا ، يقدر بالآلاف، مع أول شهور السنة القبطية، بالتزامن مع بداية حكم الطاغية ديقلديانوس لعام ٢٨٤م، ولكن بقيت الكنيسة، وانتهى الأخير، ودماء الشهداء كانت بمثابة شهادة حية عن صلابة، وقوة إيمان أقباط مصر، وما قدموه من تضحيات على مر العصور.

ويتابع “شفيق” بشأن علاقة المناسبة بالدماء فيقول: "يحرص الأقباط في هذه المناسبة على توزيع البلح الأحمر، وهو يرمز للدماء، والنواة بداخلها ترمز لصلابة الإيمان، وقلبها الأبيض من الداخل يرمز إلى نقاء، وطهارة الشهداء". 

الباحث القبطي/ أمجد شفيق


(مظاهر الاحتفال)


وعن كواليس الاحتفال في هذا اليوم، يكشفها الباحث القبطي أمجد شفيق، قائلا: "ترفع الصلوات، مع ترتيل ترانيم تخص الشهداء، فنقول مثلا 'نتهنىٰ ونفرح، دم الشهداء حقيقي يفرح'، كما يتم عرض أعمال درامية مسرحية تبين ما حدث خلال حقبة الاضطهاد، وما لاقوه الشهداء من عذابات، وآلام لأجل إيمانهم".

ويكمل 'شفيق': "كما ترفع الكنائس طقوس صلوات الفرح، ابتهاجًا بعظمة، وقوة شهدائها، وذلك من عشية ١ توت بداية السنة القبطية، وحتى عشية يوم ١٦ من نفس الشهر".


(دماء الشهداء ومياه النيل)


ويستمر «شفيق » في الحديث عن مناسبة عيد النيروز، فيشير إلي مياه النيل التي كانت تفيض لسقي الأرض مع بداية كل عام قبطي، وتزامن هذا ،في عصر ديقلديانوس، مع دماء الشهداء التي سقت الكنيسة، فيقول: "كان النيل يروي الأرض لتثمر محاصيلها، وهكذا أيضا الكنيسة ارتوت من دماء الشهداء فكانت ثمارها مزيدًا من الشهداء، وأبطال الإيمان، الذين هم نموذج يُقتَدىٰ به في الصمود، والجهاد الروحي، كما حافظوا على الإيمان المُسلَّم به، وكانوا الصخرة التي بنيت عليها الكنيسة، ولازالت الكنيسة تقدم شهداء جدد إلي يومنا هذا". 


(الانعكاس الروحي لهذا الاحتفال)


ولهذا الاحتفال السنوي تأثيرًا روحيًا، وحتى حياتيًا على الأقباط في مصر، فيؤكد 'شفيق' أن اسم ناروز، أو نيروز، وهي أسماء ذكور قبطية، كان سبب وجودها هو عيد النيروز، وبالأخص حينما يتزامن ولادة طفل مع هذه المناسبة. 
ويستمر 'شفيق' في حواره: "أبرز من تسموا بهذا الاسم، والد المعلم غالي بك ناروز، وجد بطرس غالي باشا ،رئيس وزراء مصر الأسبق، وأيضا ناروز بانوب إبراهيم ،عضو المجلس الملي للأقباط في الشرقية". 
ولما له من تأثير روحي يقول شفيق: "في هذا العيد من كل عام نجدد العهد مع الله، ونراجع أنفسنا فيما فعلناه، ونترك الرذائل، ونحاول أن نكتسب الفضائل". 


(قومية هذا العيد)


وعن مصرية هذا العيد يقول الباحث القبطي أمجد شفيق: "رغم مصرية هذا العيد، وارتباطه بالفلاح المصري القديم، إلا أن الكثير من المصريين حاليا يعتبره احتفالا يخص الأقباط فقط، وهذا خطأ، فرغم اهتمام الكنيسة المصرية به اهتماما كبيرا، حيث يمثل بداية السنة الليتورجية، أي السنة التعبدية، والطقسية الكنسية، نجد أنه في العصر الفاطمي حظى عيد النيروز باهتمام الخلفاء، حيث جعلوا على رأس احتفالاته أميرًا يدعىٰ أمير النيروز، كما اهتموا بأعياد النيل، وإنشاء مقاييسه، وتصويره على الأحجار". 
ويضيف «شفيق »، أن ابن إياس عدد مظاهر الاحتفال بالنيروز في سياق تأريخه لتلك الفترة، كما حاول مرقس حنا جعل هذا العيد قوميًا، وأيضًا المرحوم تادرس شنودة المنقبادي، وهو صاحب جريدة مصر، ومؤسس جمعية حفظ التاريخ القبطي، حيث جاهد الأخير لجعل هذا العيد يخص كل المصريين، وليس المسيحيون فقط، ولكن كل هذا قوبل بالتجاهل.


(نظرة الكاثوليك والبروتستانت لعيد النيروز)


وفي ختام حوارنا مع أمجد سمير شفيق ،الباحث القبطي، صرح بأن الكنائس البروتستانتية لا تلتفت لهذا الاحتفال، قائلا: "لا تؤمن به، وربما لا يتذكروه". 

ويتابع عن الكاثوليك: "تحتفل الكنيسة الكاثوليكية، ككنيسة تقليدية، تحترم الطقوس، وتمارسها، وتتقرب لموروث الأقباط الثقافي، برأس السنة القبطية، عيد النيروز، يوم ٢٩ أغسطس، بإقامة القداس اﻹلهي، كبداية لعهد جديد، وعام جديد، وليس لديهم أي مظاهر أخري للاحتفال سوى ذلك".

 

(النيروز في سجلات التاريخ)


يقول القس غبريال محب نجيب ،كاهن كنيسة العذراء مريم، والقديسين يواقيم، وحنة، بدماريس، أن عيد النيروز كان يتم الاحتفال به قديما ،فقد كان يخرج المصريون القدماء على ضفاف النيل، ومع بداية القرن الأول، بدأت المسيحية تدخل مصر، ومع بداية القرن الثالث، أصبح 90% من المصريين أقباط، فأصبحت معظم الملامح الاحتفالية مصبوغة بالصبغة القبطية، وظل الاحتفال بالعيد على ضفاف النيل حتى عصر الدولة الفاطمية.
وتابع القس غبريال: "وبدأت الشهور تتحول إلى قبطية، واختاروا عام 284 م، وهي سنة تولي دقلديانوس الحكم، كبداية لتقويم الشهداء في الكنيسة، لأن هذا الإمبراطور كان أكثر من اضطهد المسيحيين،".

ويكمل: "في عهد الفاطميين، أضافوا مظاهر احتفالات كبيرة، ففي عيد النيروز كانوا حريصين على إقامة المواكب، وتوزيع الحلوى، والنقود في الشوارع"، مشيرًا إلى أنه فى العهد الفاطمي أيضًا كان النيروز أحد أهم 4 أعياد يحتفل بها الأقباط، وهم أعياد الميلاد، والغطاس، وخميس العهد، ومعهم عيد النيروز".

ومن الأمور التي كانت تضيف البهجة، والمرح لدى الأسر المصرية، يقول الكاهن غبريال: "وعادة أخرى كانت تتمثل في شخص يسموه النيروز، يرتدي 'طرطور'، ويدهن وجهه باللون الأزرق، ويمر على البيوت لتوزيع الهدايا".

ويستمر الأب غبريال في سرد سجلات التاريخ قائلا: "تم إيقاف الاحتفال بعيد النيروز في عهد الظاهر بيبرس، في عصر الدولة المملوكية، حتى جاء شخص يسمى شنودة بك المنقبادي، وهو الذي أعاد الاحتفال به مرة أخرى".

وينوه القس إلي عادة مسيحية مستمرة حتى الآن، تعرف ب 'الطلعة'، يخرجون فيها إلي الأماكن التي دفنوا فيها أجساد الشهداء، ليذكروهم.

القس/ غبريال محب نجيب
 


(النيروز من منظور شعبي، وعلاقته بالأرثوذكسية المصرية)


وأضاف القس غبريال: "كان النيروز ،سابقا، احتفالا شعبيًا يتشارك فيه المسيحيون، والمسلمون، حيث الخروج إلى الطرقات، والمأكولات، والأشربة الخاصة به، فكان عيدًا، مصريًا، خالصًا، مثله مثل شم النسيم، ومنذ قرون اختفت الاحتفالات الشعبية، وبدأت مظاهر الاحتفال برأس السنة القبطية تنحصر شيئًا فشىء، ولم يعد سوى مجرد عيد كنسي، تحتفل به الكنيسة الأرثوذكسية المصرية وحدها".
ويتابع: "وفيما بعد تشكلت فى أسيوط جمعية قبطية باسم 'حفظ التاريخ الوطنى القبطى'، وكان هدفها هو تدوين تاريخنا الذى أهمل، ومؤسسها هو تادرس شنودة المنقبادى، في عام 1600 للشهداء، الذى هو 1883م، ودعت الجمعية إلى الاحتفال بعيد النيروز، وإعادة إحيائه، قائلة أنه أقدم عيد، لأقدم أمة، وبالفعل، وفى عام 1602 للشهداء، الموافق 1885م، أقامت الجمعية بأسيوط أول احتفال فى عصرنا الحديث، بعيد النيروز، وحضره الأسقف، وقناصل الدول، وكبراء البلد، وأُلقيَت الكلمات المناسبة للعيد المتجدد، وبعدها تم توزيع اللحوم، والدقيق على الفقراء، دون تفرقة بين مسيحي، ومسلم".
ويختتم الأب غبريال حواره فيقول: "في عام ١٩٥٢م، كانت جمعية 'التوفيق' قد استطاعت أن تجعل عيد النيروز، عيدًا وطنيًا تحتفل به مصر، وكان يحضره الكبار في البلد". 
مشددًا على دور الزعيم سعد زغلول قائلا: "على يد سعد زغلول صار النيروز عيدًا قوميًا لمصر كلها، وكان يحضره بنفسه، وبعد ثورة ٥٢، حرص محمد نجيب علي حضور أول عيد نيروز في سبتمبر من نفس العام، وحضره عدد من الضباط الأحرار، والسياسي السابق علي ماهر، وألوف من أقباط مصر، ومسلميها، وألقى عباس محمود العقاد قصيدة للتهنئة بالعيد، والثورة، وكانت لمحمد نجيب وقتها مقولة شهيرة وهي 'عيد النيروز، وعيد التحرير، كلاهما عيد تضحية، وفداء'، وفي نهاية الحفل غنت السيدة أم كلثوم". 


وينهي القس حواره بحزن قائلا: "ولكن الثورة قامت بعد ذلك بإلغاء الاحتفال بعيد النيروز، وألغت إجازة الأقباط في هذا اليوم، ولم نعد نرى صورة الاحتفال الوطني بالنيروز في حضور رموز الدولة، ليتم حصر هذه المناسبة بين جدران الكنائس فقط".

(النيرو وليس النيروز)


ونتابع معكم استنادا على مصادر تاريخية فنجد أن النيروز كلمة فارسية تعنى السنة الجديدة، وقد عرفها الأقباط منذ الاحتلال الفارسى لمصر فى القرن الخامس قبل الميلاد، ولايزال يُسمى عيد رأس السنة فى إيران باسم النيروز حتى الآن. 
كما أن البعض يقول أنها عبارة مصرية قديمة، وهى مختصرة عن دعاء مصرى قديم لزيادة مياه فيضان النيل ( نيارو - ازمو ) أى بارك النهر، وكان يردده المصريون القدماء فى الاحتفال بعيد وفاء النيل فى أول شهر توت، بدء السنة المصرية القديمة.
ثم دخل اليونانيون مصر فأضافوا حرف السين كعادتهم مثل (أنطوني/أنطونيوس)، فأصبحت نيروس، ومع دخول العرب لفظوها "نيروز"، وهي كلمة فارسية تخص عيد الربيع عندهم، ومن هنا جاء اللبس بين العيد المصري نيرو، والعيد الفارسي "نيروز" لبلاد فارس، أو أصحاب المذهب الشيعي. 
وعيد 'النيرو' في مصر هو رأس السنة المصرية أو القبطية، أما عيد النيروز فارسي، وتحتفل به إيران، ودول وسط أسيا، مع بداية فصل الربيع، بمناسبة السنة الفارسية الجديدة، ولهذا كانوا العرب سبب الخلط بين العيدين.

وعن قومية العيد نجد أن احتفالات عيد النيروز مستمرة حتى يومنا هذا، حيث تحتفل وزارة الثقافة بالعيد، الذي تضعه ضمن إرث مصر الفرعوني، والمعمول به حتى الآن.

بالإضافة إلي استخدام الأقباط فى التقويم القبطي نفس الشهور المصرية القديمة التى وضعها العلامة المصرى ( تحوتى ) وهى : توت - بابه - هاتور - كيهك - طوبة - أمشير - برمودة - برمهات - بشنس - بؤونة - أبيب - مسرى - والشهر الصغير؛ ومن الطريف أن موظفى الدولة المصرية كانوا يتقاضون مرتباً عن الشهر الصغير (5 أو 6 أيام ) وكان يعتبر بمثابة مكافأة سنوية لهم. 

وأخيرًا تشير المصادر إلي أن هذه الشهور القبطية ظلت مستخدمة فى التقويم المصرى الحديث الرسمى حتى عام 1875م، ومع ضغط الأوروبيون على الخديوى إسماعيل جُعل التقويم الميلادى هو التقويم الرسمى لمصر، ولكن ظل التقويم القبطى مستخدماً فى الزراعة إلي الآن.