الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

الصليب والأقباط قصة حب لا تنتهي.. لماذا يتخذ المسيحيون الصليب شعارا لهم؟

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يعد الصليب رمزًا وشعارًا يفتخر ويتبرك به مسيحيو العالم جميعًا بأشكال عدة، ففي وطننا يمكننا أن نرى في أغلب بيوت المسيحيين صلبانًا معلقة على الحوائط، أو وشمًا للصليب على معصمهم، وصلبانًا أخرى تعلو قباب الكنائس، وصليبًا يرتديه القساوسة على صدورهم، وحتى بعض الدول الأجنبية تتخذ الصليب شعارًا لأعلامها.

وهذا الافتخار بالصليب لم يأت بين الليلة وضحاها، بل هناك تاريخ عريض ترك أثرًا في قلوب وأذهان المسيحيين.

تاريخ عريق

كان قديمًا الصليب أقسى وأحقر أنواع الإعدام، وإحدى أكثر الطرق المؤلمة للتعذيب والقتل البطيء، وحتى وصفها الكاتب القديم «شيشرون»، إن الصلب أقسى طرق الموت الرومانية وأكثرها ابتكارًا.

وكان المصلوب ملعونا بحكم الشريعة القديمة لأنه مكتوب: «ملعون كل من عُلّق على خشبة، وكان الصلب يطبق علي المتمردين والمجرمين بالإمبراطورية الرومانية، وكان يتم استثناء الرومان من ذلك الحكم».

واستمر ذلك إلى أن تحول بعد مجىء المسيح من مصدر رعب ورهبة إلى مصدر فخر وبركة واعتزاز؛ وذلك في المقام الأول بسبب الأمور الروحية التي دعا لها المسيح المذكورة بالإنجيل، مثل: «ومن لا يأخُذ صليبَهُ ويتبعُني فلا يستحقُّني» (مت 10: 38)، «إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فليُنكِر نفسَهُ ويَحمِل صليبَهُ كل يوم ويتبعني» (لو 9: 23)، وهنا كان يشير المسيح إلي الزهد والتخلي عن ملذات العالم بجانب الاستعداد للموت والانتقال من هذا العالم الفاني في أي وقت.
وبالتأكيد السبب الروحي الأساسي الذي يتخذونه المسيحيون أيضًا للافتخار بالصليب، هو قصة صلب وموت المسيح من أجل فداء البشرية من الخطية الأولي، حسبما ذكر في الأناجيل المقدسة.

حقبة غيرت تاريخ المسيحية
عاشت المسيحية في الثلاثة قرون الأولى بفترة عصيبة، منذ أن انتشرت من الشرق الأوسط إلى العالم بأثره على يد تلاميذ السيد المسيح، فقد واجهت في بدايتها بطش الحكم الروماني، ووحشية أباطرتها، بداية من اضطهاد الإمبراطور نيرون، الذى حكم من 54م إلى 68م إلي الإمبراطور دقلديانوس الذي حكم من 285م إلى 305م، إلي أن استولى الإمبراطور قسطنطين علي حكم الإمبراطورية الرومانية سنة 306م، فبدأت حقبة جديدة للمسيحية علي يد الحاكم قسطنطين ووالدته القديسة هيلانة، حقبة شكلت وجود المسيحية في العالم، حقبة قد تستطيع أن ترى آثارها إلي يومنا هذا.

وكان أحد هذه الآثار اكتشاف الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح في عام 33م وفقًا للمعتقد المسيحي، علي يد القديسة هيلانة، بعد هذا أصبح الصليب علامة ورمزًا للافتخار في الإمبراطورية الرومانية؛ فاتخذ الإمبراطور قسطنطين الكبير علامة الصليب شعارًا لدولته في كل حروبه التي خاضها، وتبعه الحكام الأوروبيون في هذا الأمر فيما بعد، فنجد الحملات الصليبية لقبت بهذا الاسم لكونهم يتخذون الصليب شعارًا لرايات حملتهم، وهكذا تحول الافتخار بالصليب المقتصرعلي المؤمنين بالمسيح فقط، إلي شعار يفتخر به الأباطرة الرومان وإمبراطورية هي القوي في وقتها.

الأقباط والصليب قصة حب لا تنتهى

بدأ ارتباط الأقباط بالصليب مع دخول المسيحية إلي مصر في ستينيات القرن الأول على يد مار مرقس الرسول، فكان قبلها عبادة الأوثان من الإله رع وأمون وأزرويوس وغيرهم هي السائد بمعابدهم في ذلك الوقت، وبعد انتشار المسيحية في ربوع مصر فلم يريد الأقباط أن يهدموا المعابد أو تخريبها لكونها جزءا لا يتجزأ من الحضارة المصرية القديمة العريقة، فكانوا يقومون بعملية تسمي تعميد المعابد، عن طريق نقش الصلبان علي المعابد، وهناك معابد موجودة إلي وقتنا هذا تحمل نقوش الصليب كمعبد الفيلة بأسوان.

ومن أوجه الاحتفالات فلا يكتفي أقباط مصر بالاحتفال بعيد الصليب مرة واحدة كباقي الكنائس، ولكن يحتفلون مرتين من كل عام، مرة في شهر مارس 10- برمهات، وذلك لإحياء ذكري عيد اكتشاف الصليب على يد الملكة هيلانة في القرن الرابع، والمرة الأخرى بشهر سبتمبر 19-توت، وذلك لإحياء ذكري استرجاع الصليب من بلاد فارس على يد الإمبراطور هرقل.

وأما عن فلكور الأقباط حول الصليب، فلا تخلو الموالد الاحتفالية بالقديسين، المقامة بين الحين والآخر من ظاهرة دق الصلبان أو صور القديسيين، فالبعض يختار أن يدق الصليب علي المعصم وهم الأغلب، والبعض الآخر يختار يدق في مناطق أخري بالجسم كالظهر أو الذراع، فتحولت فكرة دق الصليب علي مر العصور إلي عادة مسلم بها عند الذهاب إلي الموالد، فيمكنك أن تجد الدقاق، صانع الوشوم، في كل زاوية من شوارع الموالد وحوله الأقباط متجمهرين من مختلف الأعمار.

ولا سيما الترانيم والمواويل حول الصليب: فيقوم الأقباط بالتلاوة قائلين: «صليبي يا صليبي.. مصنوع من الخشب لكن دي قيمتك عندي.. أغلي من الدهب صليبي يا صليبي.. دومًا أفتخر بيك قدام الناس كلها».

ألقاب لحقت الأقباط بسبب الصليب

أربعة ريشة وعضمة زرقا، ألقاب بالتأكيد مرت على آذانك ولم تفهم معناها، أو سبب تسمية ووصف أقباط مصر بهذا اللقب، ونبدأ بلقب عضمة زرقا:
إذا تجولت في شوارع مصر فمن المستحيل أن تستطيع أن تفرق بين مسيحي ومسلم، فهم نفس الطباع ونفس العادات والتقاليد يتشاركون الاحتفالات سويًا والأحزان والمصائب مع بعضهم البعض، ولكن علي مر التاريخ وهناك من يحاول أن يصنع التفرقة ويكسر روابط المحبة بينهم بأشكال عدة، وكان أحد من اتخذ هذه الطرق هو الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي السادس وحكم مصر من 996م إلى 1021م، وتخللت هذه الفترة الكثير من العنف والمضايقات تجاه المصريين وكان الأقباط بالأخص.

فقام باتخاذ إجراءات تجاه الأقباط: إلزام الأقباط بارتداء صليب بأعناقهم وزنه خمسة أرطال أي ما يعاد 2 كيلو وربع، وأجبرهم علي لبسه في كل وقت وأن تكون سلسلة الصليب من الحبال المصنوعة من ليف النخل، فنتج عن هذا الأمر تورم فقرات العنق باللون الأزرق، فأصبحت علامة تميز الأقباط؛ ولهذا السبب أطلق علي المسيحيين عضمة رزقا.

ولكن هذا اللقب الآن لا يتم تداوله بشكل واسع بين الأجيال الحديثة، والمدهش في الأمر أن الأقباط هم من يتفاخرون الآن بهذا الأمر وحتي وصل الأمر بتدشين صفحات علي مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الاسم، كنوع من أنواع الافتخار والاعتزاز بهذه المرحلة.

وأما عن لقب أربعة الذي أطلق علي الأقباط فهو استعارة عن الصليب لكونه بأربع أطراف «+ - الصليب اللاتيني».

ومرت عشرات القرون وما زال الأقباط متيمين بقول بولس الرسول: «وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ». (غل 6: 14).