كنا قد بدأنا في الحلقات السابقة مع الكاتب الصحفي عبدالرحيم علي، الخبير في شئون الجماعات الإسلامية، فتح الملفات السرية لجماعة الإخوان المسلمين؛ وأكد «علي»، أنه اختار أن يبدأ هذه الحلقات بقضية مقتل رئيس وزراء مصر الأسبق، محمود فهمي النقراشي باشا، لأنها من وجهة نظره تمثل قمة التراجيديا السياسية في العلاقة بين الإخوان والسلطة في مصر.
وبدأ الكاتب الصحفي عبدالرحيم علي، باعترافات الجناة والمنفذين والمخططين ثم مراحل تنفيذ العملية واعترافات المتهمين بتنفيذها كما رووها على ألسنتهم وكما أثبتتها مذكرة نيابة الاستئناف، ثم تناول ملاحظات النائب العام المستشار محمود منصور، المحررة في الحادي عشر من يوليو عام 1949.
وفي هذه الحلقة يستعرض «على» أقوال شهود الإثبات.
شهود الإثبات
ويورد النائب العام في مذكرة تكميلية قائمة لشهود الإثبات، في قضية الجناية العسكرية رقم ٥ سنة ١٩٤٩ عابدين، المعروفة بقضية مقتل النقراشي باشا، وأقوالهم في القضية، يبدأها بمجموعة قوات حرس رئيس الوزراء الأسبق الذين كانوا يرافقونه لحظة الاغتيال:
١- الصاغ عبدالحميد خيرت، ٤٠ سنة، ضابط بحرس الوزارات
يشهد بأنه كان ياورًا للمغفور له دولة محمود فهمي النقراشي باشا، وأنه ذهب إلى منزله بضاحية مصر الجديدة حوالي الساعة ٩.٢٠ من صباح يوم الحادث قبل الميعاد المحدد لخروج دولته من منزله بنحو عشر دقائق.
وفي حوالي الساعة ٩.٤٥ صباحا ركب دولته سيارته ومعه الشاهد، كما ركب باقي رجال الحرس في سيارة أخرى، ولما وصلت السيارتان إلى مبنى وزارة الداخلية نزل المجني عليه من سيارته ودخل بهو الوزارة والشاهد يسير إلى يساره، وبعد نحو أربع خطوات رأى الشاهد المتهم الأول عبدالمجيد أحمد حسن واقفا في البهو إلى اليسار وهو يلبس سترة ضابط برتبة ملازم أول.
واستأنف المجني عليه سيره نحو المصعد، ولما صار على مسافة نحو مترين من بابه سمع الشاهد صوت عيارين ناريين ورأى الشاهدين الثاني والثالث يمسكان بالمتهم فوقع على الأرض والمسدس في يده وقد انطلقت منه رصاصة ثالثة.
٢- الملازم ثاني حباطى على حباطى، ٣٤ سنة، ضابط بحرس الوزارات
يشهد بأنه ركب مع الشاهد الثالث سيارة الحرس خلف السيارة التي كانت تقل دولة النقراشي باشا، ووصلت السيارتان إلى مبنى وزارة الداخلية حوالي الساعة العاشرة صباحا ونزل دولة المجنى عليه من سيارته ودخل بهو الوزارة وعلى يساره ياوره والشاهد من خلفهما.
ومروا بالمتهم الأول الذي كان واقفا في البهو يلبس سترته العسكرية، وسمع الشاهد صوت عيارين ناريين ورأى الشاهد السابق يلطم المتهم بيده فهجم عليه الشاهد وأمسك به بمعاونة الشاهد الثالث، فسقط المتهم على الأرض والمسدس في يده وانطلقت منه عندئذ رصاصة ثالثة.
٣- أحمد عبدالله شكرى، ٣٩ سنة، كونستابل ممتاز بحرس الوزارات
يشهد بأنه عند وصوله بسيارة الحرس إلى وزارة الداخلية دخل خلف المجني عليه بهو الوزارة، ورأى المتهم الأول في سترته العسكرية واقفا إلى اليسار، ثم سمع صوت عيارين ناريين، وشاهد الصاغ عبدالحميد خيرت يدفع المتهم بيده، فهجم عليه هو والشاهد السابق فوقع المتهم على الأرض والمسدس في يده وانطلقت منه عندئذ رصاصة ثالثة.
٤- جمال فهمي الكاشف، ٢٩ سنة، كونستابل بحرس الوزارات
يشهد بأنه عند وصول دولة النقراشي باشا إلى مبنى وزارة الداخلية سار أمامه في البهو متجها إلى المصعد ورأى المتهم الأول واقفا إلى اليسار في سترته العسكرية، ولما وصل الشاهد إلى المصعد وفتح بابه سمع ثلاث طلقات نارية والتفت إلى الخلف فرأى المجني عليه يسقط والشاهدين الثاني والثالث ممسكين بالمتهم وقد وقع أرضًا.
٥- عبدالحميد نصار، ٤٢ سنة، أومباشي بحرس الوزارات
يشهد بأنه رأى المتهم الأول واقفًا في بهو الوزارة بسترته العسكرية قبيل وصول دولة المجني عليه ولما قدم وسار في البهو متجها إلى المصعد، سمع صوت طلقات نارية ورأى دولة المجني عليه طريحًا على الأرض كما شاهد المتهم وقد سقط وأمسك به الشهود الثاني والثالث والرابع.
٦- اليوزباشي مصطفى علواني كريم، ٣٣ سنة، ضابط بإدارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية يشهد بأنه كان موجودا في الوزارة عند قدوم دولة النقراشي باشا ورآه يسير في البهو متجها إلى المصعد كما رأى المتهم الأول بسترته العسكرية وهو يطلق النار على دولته من الخلف.
٧- محمد البهي شرف، ٤١ سنة، صول بإدارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية
يشهد بأنه رأى دولة المجني عليه وهو يدخل بهو الوزارة مع الحرس، كما رأى المتهم الأول وهو يطلق من مسدسه النار على دولته من الخلف فسقط طريحًا على الأرض.
ثلاثة شهود من المدنيين:
ثم تورد المذكرة عددا آخر من شهود الإثبات وهم على الترتيب: ترزي البنطلونات محمد سعيد، ومصطفي المنوفي- ترزي أفرنجي، ومحمد دياب فطاطري:
١- محمد حسين أحمد وشهرته محمد سعيد حسين، سن ٣٩، ترزي بنطلونات ويقيم بشارع باب الوزير رقم ٢٦ قسم الدرب الأحمر
يشهد بأن المتهم السادس عبدالعزيز أحمد البقلى سلمه قبل حادث قتل النقراشي باشا قطعة قماش من الصوف الأسود مفصلة كبنطلون، وطلب منه أن يسرع بحياكته فأنجزه في يوم الأحد وسلمه له، وقد تعرف على بنطلون السترة التي كان يلبسها المتهم الأول عند عرضه عليه بين بنطلونات أخرى، وقرر أنه كتب بالقلم الرصاص مقاساته على جيبه الداخلي وقد وجدت المقاسات مكتوبة بذلك القلم على هذا الجيب.
٢- مصطفى عبدالمنعم محمد المنوفي، سن ١٦، ترزي أفرنجي ويقيم بقلعة الكبش حارة الرحمة رقم ٥ قسم السيدة
يشهد بأنه ساهم مع المتهم الخامس عبدالعزيز أحمد البقلي في حياكة السترة العسكرية التي كان يلبسها المتهم الأول، وأنه قبيل قدوم صاحبها لأخذ مقاسه حضر إلى دكان المتهم الخامس عامل من قبل المتهم الرابع كمال سيد سيد القزاز فخرج المتهم الخامس على إثر ذلك وعاد بعد قليل مع صاحب السترة وكان ذلك في يوم السبت، وأنه في اليوم التالي خرج المتهم الخامس ومعه الجاكتة وعاد بها بعد نحو ساعتين بعد عمل البروفة وقد تم صنع السترة وتسليمها في نفس اليوم.
٣- محمد أحمد دياب، سن ٥٠، فطاطرى ويقيم بشارع على يونس رقم ٢٥ بشبرا
يشهد بأنه في منتصف شهر ديسمبر سنة ١٩٤٨ أجر مسكنا في الطابق الأول من منزله رقم ٢٥ شارع على يونس بشبرا لشخصين قالا إنهما طالبان في الجامعة وقد تعرف على المتهم الثالث عاطف عطية حلمى عند عرضه عليه بين آخرين، وقال إنه واحد ممن رآهم يترددون على هذا المسكن.
مضبوطات السيارة الجيب:
ونمضي في مذكرة النائب العام المستشار محمد منصور لنكتشف عجب العجاب، فقد أورد النائب العام في مذكرته أدوار المتهمين في قضية السيارة الجيب ففي يوم ١٥ نوفمبر سنة ١٩٤٨ ضبطت سيارة جيب بجهة الوايلي.
ووجد بها لغم وكميات كبيرة من المواد الناسفة من أنواع مختلفة كالجاجينايت ومادة الـ P.T.N والقنابل ولفافات من فتيل الإشعال ومدفع ستن وثلاث خزن لمدفع ستن و٢٧ مسدسا من أنواع مختلفة وأربعة خناجر وعدد كبير من الطلقات النارية والمفجرات الكهربائية والطرقية وغيرها وست ساعات زمنية وقناع أسود.
كما وجد بها نسخ عديدة من مذكرات في القانون الجنائي مطبوعة على آلة الجستنر وثلاث كراسات متشابهة في موضوعها تتضمن أسئلة وأجوبة في القانون والفقه والدروس الروحية وحرب العصابات واستعمال الأسلحة والمتفجرات، وكيفية الإجابة في حالة القبض وتعليل الصلة بمن يضبط مع المقبوض عليه وما يوجد معه من أوراق.
وتبين من تقرير خبيري الخطوط أن إحدى هذه الكراسات مكتوبة بخط المتهم الأول عبدالمجيد أحمد حسن، وأن الثانية والثالثة بخط أحمد عادل كمال وطاهر عماد الدين المتهمين في قضية الجناية العسكرية رقم ٢٢٧ سنة ١٩٤٨ الوايلي، وقد اعترف المتهم الأول بأن الكراسة الأولى بخطه، وأن تلك المذكرات المضبوطة في السيارة هي التي درسها وأدى الامتحان بها.
كما وجدت بها أوراق محررة بخط اليد ومعنونة بـ(قانون التكوين) تتضمن بيانات عن كيفية تكوين وتنظيم الجماعة الإرهابية على نظام الخلايا من هيئة قيادة وأركان وجنود تكون في مجموعها جيشا وواجبات كل فريق وكيفية تنظيم القوات واختيار الجنود وما يتعين توافره فيهم من شروط.
وجاء في قانون التكوين أن من أنواع الجنود من يجب أن يكونوا بعيدين عن النشاط الظاهري وأن هذا النوع يجري تدريبه في حرص تام ولا يستخدم إلا وقت الحرب العلنية، كما أن منهم نوعا يجب أن ينقطع انقطاعا تاما ويمكن تكليفه بدراسات أكثر اتساعا وأعمال أكثر خطورة.
وتناول قانون التكوين أيضا بيان كيفية ترشيح أفراد الجيش وإرسال أوراق الترشيح إلى القيادة العليا مرفقا بها تقرير شامل يحوى بيانا عن الحالة الصحية والاجتماعية والثقافية للمرشح والطباع البارزة فيه والميول الحزبية وألا يقبل الترشيح إلا عن طريق شخص درس كل المراحل.
مع ملاحظة أنه يحصل على جميع البيانات دون أن يعرف المرشح داعي ذلك وأنه يكفى الميل إلى أي حزب آخر لرفض الترشيح رفضا باتا، إذ يجب أن يكون المرشح مؤمنا تماما بصلاحية الدعوة كمبدأ، ثم يقرر مجلس القيادة العليا على ضوء هذه البيانات قبول الترشيح أو رفضه.
كما نص القانون على كيفية تكوين الفرد وإعداده بعد قبول الترشيح أو رفضه، كما نص القانون على كيفية تكوين الفرد وإعداده بعد قبول ترشيحه فيعرف بأميره أي رئيس خليته ويقوم الأخير بدوره معه في جلسة روحية وصبغه بالكتمان التام.
وتعريفه بنوع العمل والحديث حول شرعيته وزيادة الأدلة التي عنده إن كان مقتنعا بشرعيته وإقناعه إذا لم يكن مقتنعا وزيادة التوصيات بالكتمان والطاعة والصمت والتوجيهات عن تكييف الأمور وتغطية المواقف والهرب من التورط ودراسة معدات الاختبار وتهيئة الفكر إلى احتمال قيامه بعمل قريب.
وتوصيته بالثبات أثناء تأدية العمل، وأن يكون طبيعيا عندما يحمل شيئًا أو يقوم بعمل شيء مع الحرص على تجهيز إجابات معقولة لكل الأسئلة المنتظرة وتكليفه بكتابة وصية ثم اختباره بتكليف صامت (حمل معدات في الطريق) مع مراقبته والتحدث معه بعد ذلك فيما شعر به في الموقف السابق ثم عرض الخطة وإقناعه بها وتسليمه العدة لاستعمالها ثم تنفيذ الاختبار ومراقبته إلى قبيل الموعد ثم إلغاء التنفيذ.
ووجد مرافقًا لقانون التكوين أوراق عن تكاليف البيعة من تقوى وطاعة وخضوع للقيادة ولأمراء الجماعات، وكذا أوراق عن اللائحة الداخلية تضمنت بيان واجبات أفراد الجماعة وحقوق رؤسائهم والتحقيق مع المقصرين وحق أمير الجماعة في توقيع العقوبات الأدبية والمادية كالصيام وزيادة الطوابير والسير على الأقدام لمسافات طويلة وأنه إذا كان الخطأ مبررًا والإهمال له أثر مهم تشكل هيئة محاكمة من باقي الأعضاء وأميرهم لإجراء التحقيق حضوريًا.
جميع أوراق السيارة الجيب بقلم محمود الصباغ:
وقد تبين من تقرير خبراء الخطوط أن جميع هذه الأوراق محررة بخط محمود السيد خليل الصباغ المتهم في قضية الجناية رقم ٢٢٧ سنة ١٩٤٨ عسكرية الوايلي.
كما وجدت بالسيارة أوراق مطبوعة لقانون التكوين والبيعة واللائحة العامة تتضمن التنظيمات المتقدمة وتزيد عليها أنه في حالة نجاح الاختبار يقدم الشخص للبيعة في القاهرة وفي حالة الرسوب يلحق بأسرة أو ما أشبه ذلك من الأعمال العامة.
وأن رقم ١ يقوم بتوصية الأفراد بحق الطاعة لأميرهم بعد البيعة وأن الأمر إذا كان له خطره تخطر به القيادة للتصرف وذلك عن طريق صاحبه للإعدام أو إخلاء سبيل الجماعة منه مهما كانت منزلته ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة.
وأن ليس لأحد مهما كانت منزلته في الجماعة الحق في رفع الأمر للقيادة إلا عن طريق رقم ١ كما جاء فيها أن التحقيق مع المقصرين يكون بواسطة مجالس تحقيق تشكل حسب الأحوال من أمير الجماعة ومندوب الأقاليم ومدير الأقاليم ومندوب القاهرة في الأقاليم ومدير القاهرة وأن أي خيانة أو إفشاء سر عن حسن قصد أو سوء نية قد تعرض صاحبها للإعدام.
... وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة.