حذر أحدث تقرير للأمم المتحدة حول التنمية البشرية، والذي صدر اليوم الخميس، من أن الأزمات المتعددة تعيق تقدم التنمية البشرية، والتي تتراجع في الغالبية العظمى من بلدان العالم (90 % من الدول).
ورسم تقرير التنمية البشرية لعام 2021/ 2022، الذي يحمل عنوان "أوقات غير مؤكدة، وحياة غير مستقرة: تشكيل مستقبلنا في عالم متحول"، ونشره موقع الأمم المتحدة على الانترنت، صورة لمجتمع عالمي يترنح من أزمة إلى أخرى، ويخاطر بالتوجه نحو الحرمان المتزايد.
وتتصدر جائحة كوفيد-19، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قائمة الأحداث التي تسببت في حدوث اضطراب عالمي كبير، وجاءت على رأس التحولات الاجتماعية والاقتصادية الكاسحة، والتغيرات الخطيرة والزيادات الهائلة في الاستقطاب، مشيرا إلى أن ما يحدث هو أول تراجع متتالي في ثلاثة عقود، حيث إنه وللمرة الأولى منذ 32 عاما التي ينخفض فيها مؤشر التنمية البشرية، والذي يقيس الصحة والتعليم ومستوى المعيشة للأمة، على مستوى العالم لمدة عامين متتاليين، ما يشير إلى تفاقم الأزمة في العديد من المناطق، التي تضررت وبشكل خاص أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا.
ودعا أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى وجود إحساس متجدد بالتضامن العالمي لمواجهة "التحديات المشتركة والمترابطة"، لكنه أقر بأن المجتمع الدولي "مشلول حاليا في إجراء هذه التغييرات".
ووصف التقرير جائحة كورونا بأنها "نافذة على واقع جديد"، ورحب بتطوير لقاحات فعالة باعتبار ذلك إنجازا هائلا، ينسب إليه الفضل في إنقاذ حوالي 20 مليون شخص، وإظهار القوة الهائلة للابتكار المقترن بالإرادة السياسية.
وفي الوقت ذاته، كشف إطلاق اللقاحات عن التفاوت الهائل في الاقتصاد العالمي، حيث كانت إمكانية الحصول على اللقاحات ضئيلة جدا في العديد من الدول منخفضة الدخل، وكانت النساء والفتيات أكثر معاناة، حيث يتحملن المزيد من المسؤوليات المنزلية ومسؤوليات تقديم الرعاية، ويواجهن عنفا متزايدا.
وأشار التقرير إلى أن الناس يعيشون "عقدة عدم يقين" جديدة، وأن الموجات المتتالية من متحورات كوفيد-19 الجديدة ساعدت على ذلك، والتحذيرات من احتمال حدوث أوبئة مستقبلية شكل جوا عاما من عدم اليقين الذي كان يتزايد استجابة للوتيرة المذهلة للتغير التكنولوجي، وتأثيره على مكان العمل، والنمو المطرد للمخاوف المحيطة بأزمة المناخ.
وحذر التقرير من أن الاضطراب العالمي الناتج عن الجائحة لا يعد شيئا مقارنة بما سيشهده العالم إذا حدث انهيار في التنوع البيولوجي، ووجدت المجتمعات نفسها مضطرة إلى حل التحدي المتمثل في زراعة الغذاء على نطاق واسع، مضيفا: "لأول مرة في تاريخ البشرية، فإن التهديدات الوجودية البشرية (التي هي من صنع الإنسان) تلوح في الأفق أكبر من تلك الناجمة عن الأخطار الطبيعية".
وذكر التقرير: "لا يقتصر الأمر على أن الأعاصير تزداد حجما وأكثر فتكا من خلال التأثير البشري على البيئة، ولكن أيضا كما لو أنه من خلال خياراتنا الاجتماعية، يتم توجيه المسارات المدمرة لتلك الأعاصير نحو الفئات الأكثر ضعفا بيننا".
وأوضح أنه على الرغم من وجود العديد من المخاوف المبررة حول الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك العديد من الجوانب الإيجابية التي يمكن إثباتها للتكنولوجيا، والتي تساعد، من بين أمور أخرى، على عمل نماذج لآثار تغير المناخ، وتحسين التعلم الفردي، والمساعدة في تطوير الأدوية.
وقال التقرير إن إحدى النتائج التي توصلنا إليها في عالم ما بعد كوفيد-19 هو إنشاء "تقنية الحمض النووي الريبوزي" في صنع اللقاح، والتي تُبشر بإحداث تقدم في طريقة علاج الأمراض الأخرى.
وأكد التقرير أنه يمكن للبشرية رسم مسار جديد، وأن السنوات الثلاث الماضية يمكن أن تُفيد في إظهار ما نحن قادرون عليه، عندما نتجاوز الطرق التقليدية للقيام بالأشياء، وتقودنا إلى تحويل مؤسساتنا بحيث تكون أكثر ملاءمة لعالم اليوم.
وقال رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "لدينا إطار محدود لإعادة تشغيل أنظمتنا وتأمين مستقبل مبنى على إجراءات مناخية حاسمة وفرص جديدة للجميع".
وقال بيدرو كونسيساو من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمعد الرئيسي للتقرير: "للتغلب على حالة عدم اليقين، نحتاج إلى مضاعفة التنمية البشرية والنظر إلى ما هو أبعد من تحسين ثروة الناس أو صحتهم"، مضيفا:"هذا الأمر يظل مهما، لكننا نحتاج أيضا إلى حماية الكوكب وتزويد الناس بالأدوات التي يحتاجونها للشعور بمزيد من الأمان، واستعادة الشعور بالسيطرة على حياتهم والأمل في المستقبل".