تحل اليوم الأربعاء، ذكرى وفاة الفيلسوف زكي نجيب محمود، والذي يعد واحداً من أبرز فلاسفة العرب ومفكريهم فى القرن العشرين، وأحد رواد الفلسفة الوضعية المنطقية، رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم عام 1993.
ولد زكي نجيب محمود في قرية ميت الخولي التابعة لمركز الزرقا بمحافظة دمياط المصرية في 1 من فبراير 1902، ودخل الكتاب ليحفظ القرآن، ثم التحق بمدرسة السلطان مصطفى الأولية بميدان السيدة زينب بالقاهرة وهو في الخامسة عشرة من عمره.
انتقلت أسرته إلى القاهرة، بعد أن عمل والده بمكتب حكومة السودان بالقاهرة وبعد أربع سنوات انتقلت الأسرة إلى السودان، وهناك أكمل تعليمه الابتدائي بكلية غوردون في الخرطوم، وأمضى سنتين في التعليم الثانوي، ثم عاد إلى مصر.
عُين محمود مستشارًا ثقافيًا للسفارة المصرية في واشنطن، وعضوًا في المجلس القومي للثقافة، بعد عودته إلى مصر التحق بهيئة التدريس في قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وعمل بها أستاذًا متفرغًا، وظل بها حتى أحيل على التقاعد عام 1965، ويفخر الأديب أنيس منصور أنه من تلاميذه، ثم سافر إلى الكويت ، حيث عمل أستاذًا للفلسفة بجامعة الكويت لمدة خمس سنوات متصلة.
إلى جانب عمله الأكاديمي انتدب عام 1953 للعمل في وزارة الثقافة وهي الوزارة التي أنشأتها حكومة الثورة، ثم سافر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية في العام نفسه، وعمل أستاذًا زائرًا في جامعة كولومبيا بولاية كارولينا الجنوبية، وبعد أن أمضى بها الفصل الدراسي الأول انتقل إلى التدريس بجامعة بولمان بولاية واشنطن في الفصل الدراسي الثاني، ثم عمل ملحقًا ثقافيًا بالسفارة المصرية بواشنطن بين عامي(1954-1955م).
عهدت إليه وزارة الثقافة في عهد وزيرها محمد عبد القادر حاتم بإنشاء مجلة فكرية رصينة تعنى بالتيارات الفكرية والفلسفية المعاصرة، فأصدر مجلة (الفكر المعاصر) ورأس تحريرها وقام عليها خير قيام، ودعا كبار رجال الفكر في مصر للكتابة فيها، وشارك هو فيها بمقال شهري ثابت تحت عنوان (تيارات فلسفية)، وظل يرأس تحريرها حتى سافر إلى الكويت للعمل في جامعتها، وبعد عودته من الكويت انضم إلى الأسرة الأدبية بجريدة الأهرام، وشارك بمقاله الأسبوعي الذي كان ينشره على صفحاتها كل ثلاثاء، وبلغ من اهتمام الصحافة بهذه المقالة الرصينة أن خمس صحف عربية كانت تنشر هذا المقال في نفس يوم صدوره بالقاهرة.
وصف ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء أبا حيان التوحيدي بأنه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة؛ لأنه كان أديبًا موسوعيًا يحاول مزج الفلسفة بالأدب، وأن يقدم خلاصة ذلك للناس ليكون قريبًا من أفهامهم، والوصف الذي أطلقه ياقوت الحموي يكاد لا ينطبق على أحد من أعلام النهضة الأدبية في مصر إلا على زكي نجيب محمود، فقد نجح في تقديم أعسر الأفكار على الهضم العقلي للقارئ العربي في عبارات أدبية مشرقة، وفكّ أصعب مسائل الفلسفة وجعلها في متناول قارئ الصحيفة اليومية، واستطاع بكتاباته أن يخرج الفلسفة من بطون الكتب وأروقة المعاهد والجامعات لتؤدي دورها في الحياة.
دعا زكي نجيب محمود إلى الاعتزاز بالأسلاف، وأن الأمر لا يقتصر على فقهاء الدين، بل يجب أن نضيف إليهم الأسماء اللامعة لعلماء الرياضة والطب والكيمياء والفلك والمؤرخين والرحالة والشعراء والفلاسفة، فهؤلاء جميعا قد وجهوا جهودهم نحو الكون يقرءون ظواهره ويستخرجون قوانينها، ثم أصابنا الجمود منذ القرن الخامس عشر الميلادي.
كما دعا إلى جعل إسلامنا على النحو الذي كان عليه إسلام الأسبقين فيما يختص بالحياة العلمية، فقد كان عالم الرياضة أو الكيمياء أو الطب مسلما وعالما بإضافة واو العطف بين الصفتين، بمعنى أن اهتمامه بالفرع الذي يهتم به من فروع العلم الرياضي والطبيعي كان جزأ من إسلامه، أو بعبارة أخرى كانت العبادة عنده ذات وجهين يعبد الله بالأركان الخمسة ويبحث في خلق السماوات والأرض وما بينهما كما أمره القرآن الكريم، وبهذه النظرة يكون مخرج المسلمين من مأساتهم الحالية.
كتب العديد من المؤلفات في الفلسفة والمنطق منها "نظرية المعرفة، والمنطق الوضعي، وخرافة الميتافيزيقا (الطبعة الأولى) ثم أعيد تسميته في الطبعات اللاحقة إلى موقف من الميتافيزيقا، ونحو فلسفة علمية، وحياة الفكر في العالم الجديد، وبيرتراند راسل، وديفيد هيوم، والشرق الفنان، وجابر بن حيان" كما ألف العديد من المؤلفات الأدبية منها :" جنة العبيط، وشروق من الغرب، والكوميديا الأرضية، وقصة نفس، وأرض الأحلام، وحصاد السنين".
ونال العديد من الجوائز والأوسمة، فحصل على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1960م عن كتابه نحو فلسفة علمية، وعلى جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1975م، كما منحته جامعة الدول العربية جائزة الثقافة العربية سنة 1985م، وكان أول من نالها في العالم العربي، ومنحته الجامعة الأمريكية بالقاهرة الدكتوراة سنة 1985م، وحصل على جائزة سلطان العويس سنة 1991م من دولة الإمارات العربية المتحدة.