الخميس 19 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مات أبي وروحه تعيش بداخلنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في ذكرى وفاة والدي.. الذي كانت روحى متعلقة بروحه، كان الأخ والصاحب والصديق والأستاذ والمعلم، كان المدرسة والسند والروح.

توفى والدي يوم ٧ سبتمبر عام ٢٠١٦، وقبل وفاته بحوالي شهر علمت بأنه سيموت، وكان هناك بعض الدلائل والقرائن بالنسبة لي كإشارته على بعض الأشياء غير الموجودة وندائه على أحبة فارقونا، وهذا ما فعله أعمامى وعماتى قبل وفاتهم، ولأن روحى كانت متعلقة بروحه سألتني شقيقتي الكبرى قبل وفاته بأسبوع ما الوضع؟ فكان الجواب ادعيله بالرحمة، ثم دخل في غيبوبة قبل وفاته بثلاثة أيام، وأثناء الغيبوبة أفاقه الله لمدة ساعة، وهى وقت الزيارة المخصص من قبل المستشفى لأنه كان بالعناية المركزة، وكنت وقتها أستخلص بعض الأوراق من التأمينات وطلبتني والدتي وقالت إن والدك يسأل عليك، فتوجهت إلى المستشفى سريعا وجلست بجواره، وكنت أقول له قل الحمد لله فكان يرددها بطلاقة، وعند انتهاء وقت الزيارة أبلغتني إحدى الممرضات أنه دخل في غيبوبة مرة أخرى ولم يفق منها حتى توفاه الله.

ومنذ لحظة وفاته حتى الآن لم يذهب عن بالي لحظة، أتذكره دائمًا بالدعاء، أعلم نجلى أن يزوره بالمقابر رغم صغر عمره لكن أحرص دائمًا على أن يكون لديه انتماء وتواصل أسري.

ومن يقرأ هذه الكلمات أنصحه بأن يستمتع بحضن والدك.. انهل من تقبيل يديه.. التصق بمجلسه كلما تيسر لك هذا.. سيدرك قيمة هذه النصائح جيدًا كل مَن يستمتع بحياة والده.. ويستشعر قيمتها أيضًا كل مَن أصيب في "أغلى الناس" سواء باختبار المرض أو الانتقال إلى جوار ربه.
وقد تربينا جميعًا على حفظ عبارة واحدة "الأم مدرسة".. في حين يغفل الكثيرون قيمة ودور الأب، وهذا ليس تقليلًا من شأنه أو إنكار دوره لا قدر الله، ولكن ربما ينصب أغلب التركيز في أغلب الأحيان على حنان وتضحية الأم التي في أغلب الأحوال تكون بمثابة ملحمة لا ينكر فضلها إلا جاحد.

لكن هذا لا ينفي كون "الأب" مدرسة كبيرة يحتاج إليها الابن والابنة طوال العمر، لنقل خبرته الحياتية لهم، يقسى على أبنائه لتعليمهم، يرشدهم إلى الطريق الصحيح ليصبحوا أحسن مَن في الوجود بين البشر، ولكن للأسف بعض الأبناء لا يتفهمون ذلك إلا بعد فوات الأوان، يزرع الطموح للدفع إلى مستقبل ناجح، فهو عطاء وهبة من الله "سبحانه وتعالى" للأولاد، فرضاه على فلذة كبده من رضا الرب، ومن لم يكسب رضا أبيه عليه في الدنيا فقد خسر الكثير والكثير في الدنيا والآخرة، يدعو لهم عن ظهر قلب ويتمنى أن تستجاب دعوته، ويدعو عليهم من وراء الدنيا بأكملها حتى لا تصل دعوته ولو لشفتيه، صاحب قلب كبير، ووجه نضر، وصدر حنين، يحرم نفسه من المأكل والملبس من أجل أولاده، هو مَن يلبي طلبات أبنائه مهما كانت، فهو طائع لهم ويعيش من أجلهم.
وعلى الأبناء دور كبير من أجل راحة آبائهم، فليس بعد التربية في الصغر والمحافظة عليهم وتلبية طلباتهم والاهتمام بهم أن يكون جزاؤهم في نهاية المطاف أن يكونوا طَرْحى الفراش ولا يتم السؤال عنهم، فمثلما اهتموا بنا لا بد أن نهتم بهم ونرعاهم ونلبي لهم رغباتهم مهما كانت.
فقد قال الله في كتابه العزيز في سورة الإسراء: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)).

ومن واجبات الابن نحو أبيه، احترامه فلا يتفوه نحوه بكلمة تغضبه أو تسيء إليه، ولا بد من الكلمة الطيبة والألفاظ الحسنة والعبارات الكريمة له، والصبر على كلّ ما يخرج منهما مهما كان الأذى.
كما حذر الإسلام من عقوق الوالدين {أي عدم طاعتهما} وجعله موجبًا لسوء الخاتمة، وتوعد العاق بأن هذا الذنب وحده وهو العقوق لا بد أن يعاقب به فاعله في حياته قبل موته، قال صلى الله عليه وسلم {كُلُّ الذُّنوب يُؤَخِّرُ الله ما شاءَ مِنْها إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِلّا عُقوقَ الْوالِدَيْنِ، فَإِنَّ الله تَعالى يُعَجِّلُهُ لِصاحِبِهِ في الْحياةِ قَبْلَ الْمَماتِ}.
كما لا يتوقف بر الإنسان لوالديه في الإسلام على حياتهما؛ بل جعل الإسلام حقًا للوالدين في البر بهما بعد موتهما قال رجل {هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ وَالِدِيَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا، وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا بَعْدَهُمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا رَحِمَ لَك إلا مِنْ قِبَلِهِمَا} فاللهم ارزقنا البر بآبائنا وأمهاتنا أحياءً وأمواتًًا.