خلق الله آدم وخلق حواء من ضلعه حتى لا يكون وحيدًا فيشقى، فجبلت الدنيا وقسمت نصفين بين الرجل والمرأة وجمع الله بينهما بكلمة منه ليكونا لبعضهما سكنًا وسكينة أي هدوء وراحة وأمان وجعل بينهما مودة ورحمة، ولم يقل جل علاه (حب وعشق)، لأن الحب يتغير والقلوب تتبدل والمحب قد يظلم وقد يقسى، أما الودود فلا يكسر نفسًا ولا يتسبب بأذى، والرحيم قلبه لين، هين، سهل، عشرته يغلفها اللطف والسلاسة كسريان الدم في مجرى الشرايين وتلك هي القاعدة الإلهية الكبرى في مفهوم الزواج التي يجب أن يقوم عليها أساس الحياة الزوجية، فوجود الخلافات ليس خللًا، والشجار بين الزوجين ليس علة وفشل علاقة، طالما يمكن استدراكه في النهاية باللطف والمودة، تلك المودة والرحمة هي التي تجعل المرأة تصحوا باكرًا لتحضر لزوجها وأبنائها فطور الصباح هي التي تجعلها تتحمل ألم الحمل ومشقة الرضاعة وسهر الليل، تلك الرحمة، هي التي تجعل الزوجة تشفق على زوجها من مشقات الحياة، وتحاول أن تخفف عنه أعباءها، تلك الرحمة هي التي تجعل الزوجة تخرج من عملها تشتري لوازم بيتها وتكمل القصة ما بين إحضار طعام واهتمام بأولاد وتنظيف منزل واهتمام بزوج دون كلل ولا ملل ولا شكوى، تلك المودة والرحمة هي التي تجعل الرجل يتغاضى عن مظهر زوجته غير المرتب ولا يكسر خاطرها بكلمات جارحة لأنه يعلم كم تعاني طوال اليوم لتوفر له سبل الراحة، تلك الرحمة التي تجعله يشاركها الأعمال المنزلية متلطفا عن ود ومحبة وليس عن كراهية، تلك المودة التي تجعله يغفر لها زلاتها ونسيانها لأشياء لم يكن يتمنى أن تنساها، تلك الرحمة التي تجعله يجبر خاطرها ودًا وحبًا ولا يتكبر أن يعترف بخطأ أمامها، تلك المودة والرحمة التي تجعله لا تهون عليه دموعها وقت الغضب ويمتص بحكمة أوجاعها، ويدرك ماذا تعني رفقًا بالقوارير، هذه هي القاعدة لزواج ناجح وأشخاص أسوياء.
أما ما يطلقونه مؤخرًا أبواق الشر، فلا أعرف هل هي خطة ممنهجة لخراب البيوت وتكسير أسس المجتمع أكثر مما فيه وتحطيم فطرة الزواج التي فطر الله بها عباده، ألم يكن من الأولى أن تصنعوا قارب للنجاة بدلًا من صنع الكراهية وتحولوا الحياة الزوجية لعلاقة نفعية عفنة وتجعلوا المرأة سلعة رخيصة وتتحدثون وكأنكم مدافعون عن حقوقها، فأي حقوق في ما تدعون؟! تجعلونها ليست ملزمة برضاعة أطفالها وتطالبون لذلك أجرا؟! أي أجر هذا الذي يساوي قطرة الحب التي ترضع بها الأم صغارها، ألا تعلمون أن جزاء الرضاعة وألم الحمل والولادة لا يقدر بكنوز الدنيا وجزاءه عند الله جنات تجري من تحت أقدام الأمهات، ألا تعلموا أن هناك رجلا ذهب لرسول الله فقال له من أحق الناس بحسن صحابته؟ فقال له أمك، فقال له ثم من؟ فقال أمك، فقال له ثم من؟ فقال أمك، فقال له ثم من؟ قال أبيك، والمصاحبة أيضًا ود ورحمة، المصاحبة ألا تجعلها وحيدة في جلستها ولا حتى في مشاعرها، أمهاتنا عند الكبر تكون لهن قصص لا تعنينا وأحاديث لا تهمنا ومن حسن المصاحبة أن تستمع باهتمام لتلك القصص وتشاركها الحديث بشغف مهما كان مملًا أو لا يعنينا، المصاحبة أن تشاركها اهتماماتها مهما كانت غريبة، فهل لتلك الجنات التي يفترشها الله تحت أقدام الأمهات مقابل؟! تقولون المرأة ليست ملزمة بخدمة زوجها؟!
ما هذا الشر الذي يخرج من أفواهكم، أرجوكم لا تمارسوا علينا عقدكم النفسية ولا تطبقوا علينا تجاربكم في الزواج، فشيء غريب وعجيب أيضًا ما قالته الناشطة النسوية والمحامية الشهيرة بأن المرأه ليست ملزمة لتشويح الكبد في منتصف الليل لزوجها مثلًا؟!
ما أستغربه في كلماتها أنها كانت زوجة لرجل تحبه وتقدره وكانت بينهما قصة حب كبيره واستمر زواجهما حتى وفاته وبكته في كل المنصات وكتبت من أجله القصائد، فهل يا أيتها المحامية الزعيمه لم تحضري ذات يوم الطعام في منتصف الليل لشريك عمرك وحبيبك ولو لمرة واحدة؟! لماذا هذا التأليب وبث تلك الأفكار الخبيثة، لماذا قصف المجتمع بقذائفكم الهدامة، ومن المستفيد يا ترى؟ أم أنه هوس الشهرة والترند أنساكم بأن الله يعلم ويرى، وأنكم ستحاسبون على كل بيت سينهار بسبب تلك الأفكار وعلى كل فتاة تقتنع بذلك وتتحدث بما تقولون إنكم تغيرون كلام الله وتتلاعبون في فطرة الكون، ألم يردعكم منظر طوابير المطلقين والمطلقات في محاكم الأسرة، أم أنها شغلتكم ومصدر رزقكم الذي منه ترتزقون فأصبحتم مرتزقة خراب البيوت، أصبحت كلمة المرأة غير ملزمة تتصدر كل وسائل التواصل، فخرج أيضا الرجال بسخرية يقولون والرجل غير ملزم؟! فما هذه الدربكة الأخلاقية التي نعيشها بحق الله، ما هذا العبث يا من تتصدرون المشهد الإعلامي لتتحدثون في أمور العامة وأنتم غير أهل لها، جعلتم الزواج علاقة نفعية بحتة، هذا في مقابل هذا، وتريدون ترسيخ أفكاركم في عقول المجتمع المشتت الممزق الذي يكذب على نفسه كل يوم ألف مرة، هل سألتم أنفسكم لماذا تزداد حالات الانفصال والطلاق كل يوم عن سابقه، ولماذا لم يكن وضعنا هكذا منذ 50 عاما السبب الأساسي من وجهه نظري أن الارتباط برمته أصبح تجربة ولم تعد (للكلمة شرف) فقديمًا كانت نظرة من خلف الشباك وعدًا بالزواج، والآن يحدث الطلاق في ليلة الزفاف.
خرج علينا ثلة من البشر ليعطونا دروسًا في الزواج الصحيح، وهم في حقيقة الأمر يخربونه، فأصبحت الفتاة تضع في نقاط محددة صفات رجل أحلامها، وأصبح الرجل يبحث عن نسخة في عقله ترضي طموحه هو وأفكاره، وبالتأكيد الزواج الحقيقي بعيد كل البعد عن هذا العبث وتلك الاختيارات الأنانية، فالزواج الممتد المستمر الناجح قائم على الود والرحمة والتغافل والكلمات الطيبة، قائم على التقدير والاحترام المتبادل والنيه في الاستمرار، تلك النية التي أصبحت أيضا خبيثة ولا أجد أخبث في النوايا من رجل يفكر قبل الزواج في ماذا سيخسر إذا طلق؟ وكيف سيتخلص من ذلك الزواج إذا أحب أخرى؟ وكيف وكيف؟ يفكر في خيوط الانفصال قبل الارتباط.
ولا أجد أيضا أقبح من فتاة تتزوج رجلا من أجل المادة، فما بني على المادة أبدا لا يدوم أو أخرى تتزوج من أجل منصب أو غيره، فما بني لسبب سيزول بزوال السبب، أما ما بني على الصدق فيدوم ويثمر، فوالله ما استمر أجدادنا في الزواج بسبب ملائكيتهم ولا أخلاقهم الحميدة، وإنما لأنهم عظموا شعيره الله فدام زواجهم واستمر ولأنهم عاهدوا الله وصدقوا وتركوا الشهوات والمغريات خلفهم واقتنعوا بما رزقهم الله فكفاهم الله وعاشوا حياة هادئة في مودة ورحمة وأنجبوا أبناء أطعموهم الحب وسقوهم الاحترام، فأخرجوا أجيالا من العظماء منهم الطبيب والمهندس والمعلم والعالم، ولم يكن لديهم شهاده ولم ينالوا قسطًا من التعليم أو الثقافة.. اصدقوا الله يصدقكم واغلقوا آذانكم عن ألسنة الفتن والخراب تستقيم حياتكم وأصلحوا قلوبكم يُصلحكم.