هذا خبر مهم للشباب الراغبين في الهجرة، لكن الأولوية كالعادة للمدربين والمهرة.
لن أكتب قصيدة مدح في الوطن وجمال العيش في أحضانه واستنشاق هوائه والأكل من ثمار أرضه والسكن بين أضلعه؛ حب الأوطان لا يحتاج التحفيز فإما أن يكون في أضلاعك ويكفيك عاطفة وإما لا يكون.. وقد تحتاج للعودة لسن الطفولة الأولى حتى ترضعه لأنه يسري في الجسم كحليب الأم. لكن أدرك أن هذا الحب لا يحتاج بالضرورة إلى أدلة، منها البقاء في أرض الوطن وعدم مغادرته؛ فمن يحبون أوطانهم قد يحبون أيضًا المغامرة وتجربة السفر! ولن يعتبرون هذه المقدمة إلا من قبيل الكلمات الركيكة في عشق الأوطان لأن غالبية الشباب يحبون أوطانهم والحياة فيها، ويقدمون أيضًا على تجربة السفر عند توفر الفرصة للبحث عن ظروف أفضل أو حتى عن معنى التجربة في حد ذاتها.
ستكون أستراليا في مقدمة الوجهات للباحثين عن السفر للهجرة والعمل خلال الفترة المقبلة، حيث أدى الإغلاق بسبب جائحة كورونا إلى نقص كبير في عدد التأشيرات المسندة للأجانب من طالبي الهجرة والطلبة للدراسة هناك، مما خلف فجوة كبيرة بين العرض والطلب في سوق الشغل. كما اضطر حوالي 250 ألف طالب و400 ألف مقيم مؤقت للمغادرة في بداية الجائحة. لذلك عانت الشركات من هذا النقص الفترة الماضية. وكافحت للعثور على موظفين للحفاظ على استمرار مشروعاتهم. انخفض معدل البطالة عند أدنى مستوى له منذ 50 عامًا، عند 3.4 % في بلد مساحته 7.7 مليون كيلومتر مربع- يعني بحجم قارة- ولديه موارد غنية ويعيش فيه 24 مليون نسمة فقط ويتمتع باقتصاد من أقوى اقتصادات العالم.
حثت الشركات الحكومة على رفع الحد الأقصى للهجرة السنوية، مما دفع حكومة حزب العمال المنتخبة مؤخرا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لسد فجوة العمالة.عقدت قمة الوظائف والمهارات استمرت يومين في العاصمة كانبيرا مطلع هذا الشهر، ودعت مجتمع الأعمال والنقابات لمساعدة القادة السياسيين في إيجاد حلول للتحديات الاقتصادية الرئيسية. تابعتُ على مدى الأيام الماضية هذا الحدث في عدة وسائل إعلام محلية وعالمية. والمعلومات تشير إلى أن أهم القرارات التي خرجت بها القمة زيادة أعداد الهجرة الدائمة وإضافة 35 ألف ليصل العدد إلى 195 ألف مهاجر في السنة المالية الحالية. هذا كفيل بتحقيق انفراجة للشركات التي تعاني نقص العمالة على نطاق واسع. وسوف يتم إنفاق مليار دولار أسترالي يعني ما يعادل 679 مليون دولار أمريكي للتدريب على المهارات. كما سيسمح للطلبة الذين يحملون تأشيرة الدراسة بالعمل ساعات معينة خلال الأسبوع.
وفقًا للتوقعات، قد يعني هذا جذب الآلاف من الممرضات والممرضين والمهندسين والفنيين والزراعيين والعمالة المدربة. واتجاه أستراليا إلى تخفيف قواعد الهجرة جاء بعد الاعتراف بالأزمة التي تعانيها في إدارة طلبات التأشيرات ومنحها منذ الجائحة والذي ترك حوالي مليون طلب تأشيرة محتمل في طي النسيان، مما أدى إلى تفاقم أزمة نقص الموظفين. وزير الهجرة أندرو جايلز قال إننا نتفهم أنه عندما ينتظر الناس طويلًا يمكن أن تصبح حالة تكدس الطلبات أزمة غير قابلة للإدارة. أضاف: "هذا ليس جيدًا ويعكس أن نظام التأشيرات كان في أزمة." هكذا اعترف الوزير الأسترالي. والحقيقة أنه يملك من الشجاعة للاعتراف بهذا القصور والفشل في إدارة الأزمة. ولا يمتلك الكثيرون في سفارات الدول الغربية نفس هذه الشجاعة. وأفتح قوسين هنا لأشير إلى أن أن هناك أزمة في طلبات التأشيرة للعديد من تلك الدول، وقد تنتظر الطلبات شهورًا للحصول على ردّ - وهي بالمناسبة تأشيرات زيارة وليست هجرة- وعلى سبيل المثال وليس الحصر، تتجاوز مدد انتظار تحديد مواعيد التأشيرات إلى الولايات المتحدة العام. وحتى من يأخذ موعدا قد يرفض طلبه دون أسباب.. حتى للطلبة المقيدين في الجامعات الأمريكية؛ كما تُرفض مئات التأشيرات إلى فرنسا دون إبداء أسباب مقنعة، حتى للذين يترددون عليها ومن لديهم أيضًا "فيزا شينجن".
وأغلق القوسين بالإشارة إلى أن هذه المعاملة لو صدرت من مصر أو أي دولة نامية تجاه شخص من هذه الدول فسوف تصبح خبرًا في صحفهم وبرامجهم وتتصدر التعليقات. المهم أن حكومة أستراليا، في محاولة لتسريع معالجة تأخر التأشيرات، قررت إنفاق نحو 36 مليون دولار لتعزيز قدرة موظفيها بـ 500 شخص إضافي خلال الأشهر المقبلة.
ولست على دراية بالإجراءات المتبعة لتلقي طلبات التأشيرة لزيارة أستراليا للدراسة أو الهجرة لكنْ الخبر المؤكد هو أن أبوابها فُتحت مجددا على مصراعيها أمام الشباب وبأعداد هي الأكبر، ناهيك عن الطلبات التي تنتظر الردود لما يزيد عن عامين بسبب إغلاق جائحة كورونا. لا نملك إلاّ أن نتمنى أن يحالفهم الحظ الوفير كما حالف من قبل المصرية آن علي محمود السروجي التي تتولى منصب وزيرة الشباب وتعليم الطفولة المبكرة في الحكومة الاتحادية منذ يونيو الماضي!