تواجه أوكرانيا إلى جانب حربها التي تدخل شهرها السابع مع روسيا حرب أخرى ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV) – الإيدز - وداء السل الرئوي، حيث بلغت أعداد المصابين بالإيدز بين الأوكرانيين حوالي 240 ألف حالة منذ بداية عام 2021، يعيش منهم 100 ألف شخص في المناطق المتضررة من الحرب.
وحسب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تُعد أوكرانيا من بين الدول التي تشهد أعلى معدل إصابات بداء السل الرئوي الذي حصد أرواح أعدادا كبيرة فاقت أعداد ضحايا أي من الأمراض المعدية الأخرى باستثناء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
وأوضحت المجلة الأمريكية أن داء السل الرئوي من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الوفاة إذا كان المريض مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة؛ وقد أدت العملية العسكرية الخاصة التي بدأت روسيا شنها على أوكرانيا في فبراير الماضي إلى تفاقم الوضع الصحي في أوكرانيا التي سجلت أعلى معدل إصابات بداء الإيدز والسل الرئوي في أوروبا قبل الحرب الروسية.
وأضافت أنه منذ فبراير الماضي، زاد الطلب على العلاج الوقائي ضد الإيدز في أوكرانيا بمعدل 300% في بعض المناطق بغرب أوكرانيا، وكذلك الحال بالنسبة للطلب على أدوية علاج داء السل، في ظل فرار ملايين المواطنين من مناطق الصراع شرق أوكرانيا.
في غضون ذلك، تزداد الضغوط على أنظمة الرعاية الصحية في كلا من بولندا ومولدوفا التي تستقبل المصابين من اللاجئين الأوكرانيين.
وأوضحت "فورين بوليسي" أنه رغم الظروف الصعبة التي تواجه العاملين بالمجال الصحي في أوكرانيا، تمكنت مجموعة من الكوادر الصحية المنتمية لهيئات أوكرانية ودولية من توفير الرعاية اللازمة لمرضى الإيدز والسل الرئوي عبر الموارد المتاحة لديهم، كالإنترنت والعيادات المتنقلة وسيارات القوافل العلاجية.
وترى المجلة الأمريكية أن القدرة على رعاية المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والسل على الصمود تشكل انتصارا ذا مغزى، وتعطي دروسا لأولئك الذين يتطلعون إلى حماية الصحة في أوقات الأزمات في أماكن أخرى.
من جانبها، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير لها إلى جهود "التحالف من أجل الصحة العامة"، وهو إحدى المنظمات الأوكرانية غير الحكومية، لإرسال قوافل المساعدة إلى المناطق المنكوبة بالصراع، رغم استهداف هذه القوافل من قبل القوات الروسية، حيث استطاع التحالف نقل ما يزيد عن 340 طن من المساعدات، منذ بداية الحرب.
ونقل التقرير عن وزارة الصحة الأوكرانية أنه منذ 24 يوليو الماضي، شنت القوات الروسية 869 هجومًا على بعض منشآت الرعاية الصحية، مما أسفر عن تدمير 123 منشأة بالكامل ومقتل 18 فردا من العاملين في مجال الرعاية الصحية، فضلا عن إصابة ما يزيد عن 50 فردا آخرين.
وفيما يخص أمثل نهج لتقديم الرعاية الصحية والمساعدات الأجنبية ذات الصلة خلال أوقات الأزمات، أوضحت مجلة "فورين بوليسي" أن تجربة صمود خدمات الرعاية الصحية التي تستهدف مرضى الإيدز والسل الرئوي في أوكرانيا تقدم ثلاثة دروس مهمة للدول المانحة، أولها ضرورة تبني نهج قائم على المشاركة المجتمعية حيث يكون المنخرطين في العمل الصحي أكثر إحاطة باحتياجات المنطقة التي يعيشون بها.
بينما يتمثل ثاني الدروس المستفادة في أهمية الاستثمارات طويلة المدى في مجال الرعاية الصحية بقيادة المجتمعات المحلية لبناء القدرات اللازمة لتلبية الاحتياجات الصحية في أوقات الأزمات، حيث قدم الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا 15 مليون دولار لجماعات العمل الصحي الأوكرانية عند اندلاع الحرب، إلى جانب أكثر من 850 مليون دولار قدمها الصندوق على مدار العقدين الماضيين للاستثمار في تعزيز قدرات النظام الصحي الأوكراني.
وعن ثالث الدروس المستفادة من التجربة الأوكرانية، أكدت المجلة أهمية إقامة شراكات دائمة بين جهات تقديم الرعاية الصحية والسكان، بالإضافة إلى التركيز على اكتساب خبرات متخصصة في الأمراض التي يتم مجابهتها.
واختتمت بأنه يجب على الحكومات والجهات المانحة الاستمرار في وضع استراتيجية لكيفية الاستعداد لحالات الطوارئ الصحية، سواء كانت ناجمة عن أوبئة أو صراعات بين الدول، مشددة على أنه خلال النزاعات، سيكون الالتزام بالبرامج التي يقودها المجتمع والاستثمارات طويلة الأجل والقدرة على التكيف أمور أساسية لضمان التأهب لمواجهة الأزمات وتقديم الرعاية الصحية سواء اليوم أو غدا، في أوكرانيا أو غيرها.