عقد مركز الدراسات الثقافية، بالتعاون مع أتيليه ضى، ندوة بعنوان "حوارات نقدية"، ضمن سلسلة النقد الإبداعى، مساء أمس الخميس، بمقر الأتيليه في المهندسين، بحضور الدكتورة أمل حسن، والدكتور حمدي النورج، أستاذ النقد وتحليل الخطاب بأكاديمية الفنون، والأديب سيد الوكيل، والباحث حسام الضمراني، والكاتب الدكتور خالد عبدالغني، والروائية الدكتورة عطيات أبو العينين، والدكتور عايدي جمعة، أستاذ الأدب العربي بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، وأدارت اللقاء الناقدة الأدبية الدكتورة مروة مختار، والكاتب محمد حربي.
في البداية رحبت الناقدة الأدبية الدكتورة مروة مختار، بالمنصة والحضور قائلة: نناقش اليوم واحدة من أهم الندوات التي تتناول بالبحث والنقاش حول بعض الإصدارات النقدية التى نشرت فى الفترة بين 2019 حتى 2022، لكل من الأدباء والأكاديميين وهم: الدكتور محمود الضبع، والدكتور عادل ضرغام، والأديب سيد الوكيل، والدكتور محمد عامر، د.زهور كرام، والدكتور محمد سلامة وآخرون.
وعن "سيد الوكيل بين سرد النقد والإبداع" قال الدكتور حمدي النورج، أستاذ النقد وتحليل الخطاب بأكاديمية الفنون: لا أعتقد أن هناك ما يمكن أن يكون خفيا في خطاب سيد الوكيل الإبداعي عندما يلتحف بالخطاب النقدي، ثمة ثنائيات لا أقول متضادة لكنها مترافقة في صورة استدعاءات مقصودة في خطاب سيد الوكيل بين الذات والآخر، بين الواقعي والتخييلي،المهمش والرسمي؛ أما القضية الكبرى فتكمن في الذات الموزعة بين حكي النقد وحكي والإبداع، ومصطلح حكي هنا مقصود، فسيد الوكيل يمارس نقده كما يتحدث وتطغى عليه ذاته المبدع ليكون حكاء بارعا في سخرية شريرة كما يصفها إيجلتون.
وتابع النورج: الأخطر في خطاب هذا الرجل هو عدم إيمانه بفكرة النوع وفعل التجنيس، والسمات الفارقة والحادة بين أنواع الإبداع ومثله بين نظريات النقد. لا أعتقد أنا كنا على صواب عندما مضغنا زهوا هذا القول غير الحكيم وهذه الحكمة غير السائرة الناقد مبدعا ضل طريقه ناحية النقد، وهو يقول يعطي للمبدع تميزا على حساب الناقد.
وأضاف النورج: سيد الوكيل يضبط بوصلة الحكي عندما يقول أنا ناقد ثم استفاق على تبة عالية من الشفافية والحضور فسمى نفسه مبدعا، الحق أنه ابن الواقع الذي صالح كبار الحكائين فكتب حكايته هو، أما منطقه في ذلك فهو جوهر تأويلنا.
وتحدث الباحث حسام الضمرانى، عن "إشكاليات الهوية فى الرواية التاريخية" قائلا: لعل الرواية التاريخية كنوع أدبى ينبع حتماً من طبيعة النظرة الى التاريخ فى إطار الرويات التاريخية الكلاسيكية تنظر إليه نظرة إجلال وتقديس بوصفه خطاباً تم الاتفاق على حقيقته بحسب ما اشار إليه عادل ضرغام؛ كما لا يعود الاختلاف فى تعريف الرواية التاريخية إلى التباين الواضح بين البداية التاريخية والبداية الفنية فقط؛ إنما إلى أيديولوجية الكاتب نفسه والتى غالباً ما لا ينظر إليها فى تقييم هذا النوع الأدبى ويتم إهماله رغم كونه أحد عناصر التحليل الجوهرية للعمل التاريخي الأدبى.
وتابع: الكاتب المنتمى لتيار اليسار عندما يكتب رواية تاريخية يرتب احداثها وعناصرها وشخصياتها من منظوره الإيدولوجي، وكذلك المنتمي لتيار اليمين، أو حتي تيار الوسط؛ ولعل إغفال مراعاة إيديولوجية صاحب العمل الروائى التاريخي يفقد النص عنصراً مهماً فى تفكيكه وتحليل بنية خطابه.
وواصل: لعل قضية الهوية فى رواياتنا التاريخية الصادرة فى مصر كقضية مركزية تحولت إلى إشكالية اغتراب بدلاً من البحث عن أسباب تراجعها فى نص الرواية التاريخية وهو ما يحيلنا الى عدد من النصوص الأدبية الجديدة، التى تندرج تحت هذا النوع الأدبى مثل رواية "يعقوب" للمؤرخ محمد عفيفى، ورواية "صباح 19 أغسطس" للروائية ضحى عاصى نموذجاً لتحول قضية الهوية إلى إشكالية فى الرواية التاريخية.
وتحدثت الروائية الدكتورة عطيات أبو العينين، عن "الشخصية الدينية عند نجيب محفوظ" قائلة: إذا نظرنا إلى الأدب من خلال امنهج النقدي ومصطلح البنيوية التوليدية فهنا يبرز دور الناقد القاريء والمفسر، حيث يجب عليه أن يبحث عن النظام أو النسق، إن اكتشاف هذا النظام أو النسق يعني اكتشاف البنية، فنجيب محفوظ يمثل الذات الفردية المبدعة، ويمثل في الوقت نفسه الوعي الجمعي والطبقة الاجتماعية، التي ينتمي إليها وهو بقدرته الفنية باعتباره كاتبًا بارعًا هلى حد تعبير "جولد مان"، حيث استطاع صياغة هذه الرؤية جماليا.
وتابعت: يقول محمود أمين العالم "إن أدب نجيب محفوظ هو أرفع صورة متكاملة ديناميكية نابضة لأديب عربي معاصر، يمتزج فيها المفكر بالعالم بالشاعر بالمناضل امتزاجًا خلاقًا، ويثير الناقد محمد علي سلامة سؤالا لماذا نأخذ نموذج الشخصية الدينية منطلقا للحديث عن رؤية العالم عند نجيب محفوظ ؟ أولا: لأن الجدل ثار حول انتمائه المذهب العقائدي فقد سخرت بعض الدراسات نفسها لإبراز إشتراكيته مثل "المنتمي" غالي شكري، ثانيا: ركزت دراسة محمد حسن عبدالله، على الإسلامية والروحية في أدبه ونجد هنا أن الدراسة الأولى انطلقت من منهج الانعكاس التقليدي الذي ينطلق من سيرة الكاتب وتاريخه لقراءة أعماله، وبالتالي نقع في مأزق فرص تصورات مسبقة على الإبداع الروائي وتسقط عليه توجهات القاريء أو الناقد، أما الدراسة الثانية فقد استفادت من المنهج تفسه وإن انطلقت من تأويلات بعض فقرات سردية يمكن تكريسها تحليلًا وتأويلًا لإبراز فكر القارىء – الناقد أيضا.
ومن جهته قال الدكتور خالد محمد عبدالغني، إن كتاب "السرد بين الروائي.. وفنان الفيلم" للدكتور محمد عامر، يهدف لتوضيح المقارنة بين الخطاب السردي الروائي، وبين الخطاب السينمائي المتمثل في سيناري والفيلم، حيث "إن الرواية ككل، ظاهرة متعددة الأسلوب واللسان والصوت، ويعثر المحلل فيها على بعض الوحدات الأسلوبية اللامتجانسة التي توجد، أحيانا، على مستويات لسانية مختلفة وخاضعة لقواعد لسانية متعددة".
وتابع: الرواية تشتمل على لغات اجتماعية متعددة ولهذا فالرواية هي التنوع الاجتماعي للغات، وأحيانا للغات والأصوات الفردية، تنوعا منظما أدبيا، وتقتضي المسلمات الضرورية بأن تنقسم اللغة القومية إلى لهجات اجتماعية، وتلفظ متصنع عند جماعة ما،ورطانات مهنية، ولغات للأجناس التعبيرية، وطرائق كلام بحسب الأجيال، والأعمار، والمدارس والسلطات والنوادي والموضات العابرة، وإلى لغات للأيام "بل الساعات" الاجتماعية والسياسية "كل يوم له شعاره وقاموسه ونبراته"، ويتحتم على كل لغة أن تنقسم داخليا وعند كل لحظة من وجودها التاريخي.
وواصل: هذا يعني أن الرواية هي المحصلة اللغوية لكل ما يجري في المجتمع الذي كتبت فيه. بينما يأتي السيناريو قصة مصورة، ومن ثم فإن كتابة فيلم هى أشبه برواية قصة، ولذلك عليك أن تحرص في كتابة السيناريو، على إبقاء المتفرج منتبها على الدوام عبر إدخال لحظات من التشويق تتخللها لحظات أخرى من السكينة، أي عبر بناء حبكة لامعة جديرة أن تجعل من فيلمك أفضل فيلم ممكن، وهكذا يغدو العمل على البنية السردية لقصتك مرحلة جوهرية كي تعطي جهودك أكلها.
وأضاف عبدالغني: ولأن الرواية التي تتناول تفاصيل المجتمع تقصد فئة أو فئات قارئة تتناول العمل، فكذا السيناريو يكون له جمهور مستهدف، إن ضمنا أو صراحة مجموعة معينة يريد العميل أن يزودها بالمعلومات وأن يؤثر فيها ويوحي إليها بأشياء، سواء كانوا طلبة في علوم الصف الثامن، أو اتحادات للمدرسين والآباء في الضواحي، أو صيادين للدب القطبي، أو مقاولين للتنقيب في حقول البترول. وقد تجد صعوبة في تحديد نوعية المتفرجين، لأن العميل قد يتصور وهو غارق في غروره أن فيلمه يهم كل فرد أو الجمهور العام.
وعن كتاب "أزمة النقد وانفتاح النص.. نجيب محفوظ والفنون السبعة" للدكتور محمود الضبع الصادر في 2019، قالت الناقدة الدكتورة أمل حسن، إن المؤلف قدم رؤية تحليلية حول كتابه، وذلك انطلاقًا من الاىتمام بالنقد الأدبي من ناحية، و الاىتمام بالنصوص الأدبية لنجيب محفوظ من ناحية أخرى، فإن ىذه الورقة تهدف إلى التعمق في إصدار هام يتناول كتابة "نجيب محفوظ"؛ حيث يرى المؤلف أنها كتابة مُحيرة: "محيرة هي كتابة نجيب محفوظ ، ندخل إليها بمنطق وفكر؛ فتفرض علينا منطقها وفكرها، ونرتكن إلى تأويل لرموزها ودلالاتها؛ فتفتح لنا أبواباً جديدة من التأويلات، نصنفها ونرسم حدودها واتجاهاتها؛ فتعيد علينا طرح طرح رؤى جديدة للتصنيف والمداخل".
وتابعت: من هنا أنطلق بهدف التعمق فيما طرحه المؤلف من قضايا هامة تتعلق بالقراءة الثقافية ووعي النص؛ فالنص الأدبي هو مقولات، تلتقي بمقولات النظريات والفلسفات ومجمل النتاج الفكري الإنساني السابق الذي تم اختزالو في عقل المبدع منتج النص، وهنا يمكن الوقوف – وفقًا لرؤية المؤلف – على تقاطعات الثقافة بين النص وبين فنون العرض، أو بينها وبين نظريات الفيزياء الحديثة، أو بينها وبين منجزات التكنولوجيا والعلوم البينية وغيرها من التأثيرات العالمية في مجال المعرفة مما سوف يؤدي لفهم تأثيرات النص على التلقي وقدرته على إعادة الإنتاج ثقافيًا وجماليًا.
حاولت حسن، أن تقدم رؤية لمناقشة ما أثاره المؤلف في كتابه حول ما يعانيه النقد الأدبي من أزمات داخلية وخارجية، وكذلك القراءة الثقافية والمثاقفة، كما تطرق الكتاب على صفحاته إلى الاستهلال السردي في رواية "نجيب محفوظ"، وتنوع الحضور الثقافي في النص المحفوظي، والفكري والفلسفي في أدب نجيب محفوظ؛ ويتم مناقشة ذلك تحت ظلال تقسيم إبداع "محفوظ" إلى ثلاث مراحل: المرحلة التاريخية، والاجتماعية ، والفكرية والفلسفية.
وأضافت حسن، أن الكتاب يناقش أيضًا الصداقة والأيديولوجيا، حيث تنوعت عوالم "محفوظ" السردية في تحليلها لأنماط المجتمع المصري وشرائح العقلية العربية وفلسفاتها وأيديولوجيتها الفكرية، ويعتقد المؤلف أن "محفوظ" استطاع من خلال نسج عوالمه الحكائية أن يرصد ويحلل أبعاد الحياة الاجتماعية وأنماطها البشرية وعلاقاتها البسيطة والمعقدة، بما يمكن لو أن يعطي تصورًا عن حالة المجتمع الفكرية خلال الحقبة التي عاشها وهي حالة لم تختلف كثيرًا عن واقعنا المعاصر الذي نعيشه الآن.
وأوضحت حسن، أنه من الموضوعات المهمة التي يثيرها المؤلف قصص محفوظ القصيرة، حيث تحظى أعماله الروائية بالاهتمام والتحليل، قياسًا لأعماله القصصية القصيرة "19 مجموعة"، وتتفق مع المؤلف في أن هذه القصص لا تقل أهمية عن أعماله الروائية، بل إن بعض القصص على تكثيف مساحتها السردية، أكثر اتساعًا في الرؤية، وأكثر تعقيدًا، وأكثر عمقًا، وأكثر إغراقًا في الفلسفة.
وهكذا يخلُص المؤلف إلى أنه على الرغم من اقتصار أعمال "محفوظ" على نوع أدبي واحد هو السرد، فإنها متشابكة الأطراف مع الفنون السبعة مثل "المسرح، والسينما، والسيناريو، والآداب، والرسم، والعمارة، والموسيقى"، ومع الحقول المعرفية العديدة التي تجلت عنها الفنون السبعة "الفلسفة، والاجتماع، وتاريخ الأديان، والتراث، والمعاصرة"، ومعنى ذلك أن نصوص "محفوظ" الإبداعية تتقاطع مع هذه الحقول ولا يمكن اعتماد مدخل واحد وحيد لقراءتها، وتفرض الأعمال الإبداعية من داخلها تعدد المداخل وفتح الباب أمام القراءات، وليس فحسب تطبيق أدوات منهج نقدي بعينه، وخصوصًا في ظل ما يشهده الواقع النقدي الآن.