الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

العراق فى مفترق طرق.. ثنائية الفساد والميليشيات تقود إلى الانفجار

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أحداث متلاحقة داخل بغداد، مع قبض زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر على مفاتيح الصراع والتهدئة داخل العراق، ومحاولة إيران سحب البساط من تحت أقدام الشطر، الذى اصبح يشكل الخطر الأكبر على نفوذها داخل بلاد الرافدين، مع تراجع كبير للقوى السياسية والمجموعات المسلحة الموالية لطهران. ورأى مراقبون أن العراق أمام سيناريوهين، صراع شيعي- شيعى، يؤدى إلى الفوضى أو تحقيق مقتدى الصدر أهدافه، بحل البرلمان، وهو ما يشكل الانتصار الأبرز له، وسيطرة على المشهد السياسى، وخسارة طهران جولة كبيرة أمام الزعيم الشيعى العراقى الذى مثل لكثير من أتباعه رجل المرحلة، والمدافع عن استقلال القرار العراقى.

أرجع خبراء فى الشأن العراقى تصاعد الأوضاع فى البلاد، واقتحام المنطقة الخضراء، لانتشار الفساد، والبطالة والنفوذ الايرانى فى البلاد، والذى اصبح مرفوضا لدى قطاع واسع من الشعب العراقى، الذى يرى فى إيران دولة تستهدف استقرار وامن وثروات العراقيين.

وشهد العراق الإثنين الماضى، اقتحام المنطقة الخضراء، وأسفرت الاشتباكات عن سقوط ٢٥ قتيلًا و٣٨٠ جريحًا، وسط اشتبكات بين انصار التيار الصدرى وعدد من المجموعات المسلحة المقربة من إيران.

يقول إياد العناز الباحث فى مركز الأمّة للدراسات والتطوير أن العراق يمتلك خامس احتياطى للنفط عالميا بواقع ١٤٣مليار برميل وينتج منذ عام ٢٠١٢ ما يعادل ٣.٤ مليون برميل يوميا ويمتلك من الغاز الطبيعى ١٣٢ تريليون قدم مكعب.

ويضيف: هذه الإمكانيات والموارد الطبيعية لم يتم استغلالها بشكل إيجابى يساهم فى تعزيز البنية الاقتصادية بإقامة المشاريع الاستراتيجية التى تعزز ميادين التنمية الاجتماعية بل ابقت البلاد وخاصة بعد الاحتلال الأمريكى للعراق فى التاسع من ابريل عام ٢٠٠٣ فى حالة من التخلف.

وتابع «العناز": وابتعد عن التطور التكنولوجى والصحى والعلمى بسبب الإجراءات التى تم اتخاذها من قبل المحتل الأمريكى الذى أسس لسياسة الاقتصاد الحر واقتصاد السوق وهى التى عمقت أزمة الفقر واتساعه وادت إلى نشوء طبقة طفيلية مستغلة من عدد من الشخوص التى تمتلك علاقات واسعة ضمن الإطار الحكومى المؤسساتى وحتى بين مسئولى أحزاب السلطة الحاكمة فى بغداد وهم الذين شكلوا طبقة اجتماعية من الأغنياء والحواسم مما أدى إلى هبوط المستوى المعيشى للطبقة المتوسطة وتدنى الأحوال المعاشية للطبقة الكادحة.

الفقر فى العراق

لهذه الأسباب والوقائع الاقتصادية والاجتماعية حل العراق فى المرتبة (٧٩) عالميا من أصل (١٩٢) دولة ضمن قائمة أفقر شعوب العالم واحتل المرتبة (الثامنة) عربيا وفقا للدراسة التى قدمتها مجلة (جلوبال فينانس) الأمريكية والتى رأت أن شعب العراق يعيش أقسى فترات التدهور الاقتصادى والوضع الإنسانى المأساوى وسوء الأحوال المعاشية إذ زادت نسبة البطالة والفقر بشكل ملحوظ بسبب غياب الإجراءات اللازمة بالحد من مشكلة الفقر وأصبح ربع سكان العراق ونسبتهم ٢٥٪ تحت خط الفقر.

ووفق آخر دراسة أجرتها وزارة التخطيط العراقية بالتعاون مع البنك الدولى، فإن قرابة (١٠) ملايين مواطن فى البلاد يعيشون باقل من دولارين فى اليوم الواحد حسب الوصف المالى الميدانى للبنك الدولى. واعتمدت الدراسة على تحديد النسبة الخاصة بمعدلات التضخم وحجم الانفاق والدخل الأسرى للعراقيين وأسعار المواد الغذائية وارتفاعها فى الأسواق المحلية الذى أكده برنامج الأمم المتحدة الغذائى باشارته إلى ارتفاع نسبة أسعار السلة الغذائية بنحو ١٤٪ نتيجة تغيير سعر صرف الدولار وعدم وجود إمكانية ميدانية لمعالجة أسباب الارتفاع المالى الذى أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطن العراقى.

ولم تتمكن أى من الحكومات العراقية التى تلت الاحتلال الأمريكى من إيجاد مفاعيل حقيقية ورؤى اقتصادية فعالة فى مواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التى آلت إليها البلاد والتى أدت إلى غياب فرص العمل وانخفاض الناتج المحلى بنحو ٣٠٪. وعدم إقرار الموازنة المالية لعام ٢٠٢٢ لحد الآن وسيطرة الأحزاب والميليشيات والكتل السياسية على الوظائف العامة والأموال الحكومية ومشاريع القطاعين الخاص والعام بحيث وصلت نسبة البطالة فى المجتمع العراقى إلى ٣٦٪ وشكلت أعلى نسبة الفقر فى محافظات (البصرة وميسان والمثنى والناصرية).

وساهمت عدة عوامل فى اتساع ظاهرة الفقر فى العراق كان منها تدهور وتدنى مستوى التعليم فى البلاد الذى أسهم فى ابراز ظاهرة التخلف والجهل وتأثيرها على التنمية وسوء إدارة الموارد المائية وضعف الإمكانيات العلمية والطاقات الشبابية الفاعلة المنتجة وساهمت الظروف القاسية فى انخفاض استهلاك الغذاء وتدنى الصحة العامة وزيادة نسبة الأمراض والوفيات وعدم توفر السكن الصحى الملائم وانعدام الدخل المادى ومحدوديته.

كما أن النتائج التى آلت إليها البلاد بسبب الاحتلال الامريكى والنفوذ والتمدد الإيرانى أدت إلى سوء توزيع الثروة الوطنية وحرمان فئات عديدة منها وظهور الفساد المالى والإدارى الذى أصبح سمة من سمات المؤسسة الاقتصادية والتى مكنت أدوات التبعية السياسية من تثبيت مفهوم المحاصصة الطائفية وعدم الانتباه الى مصالح أبناء الشعب العراقى وأصبح العراق من بين الدول الثلاث الأولى الأكثر فسادا حسب منظمة الشفافية الدولية.

الطائفية والميليشيات

ويرى الباحث جهاد بشير فى حادث مقتل عدد من الأشخاص بعد وقوع انهيارات ترابية فى منطقة تتخذها جهات تجمع بين الطائفية والسياسة «مزارًا دينيًا» فى مدينة كربلاء؛ نموذجا من منهجية الوهم والتجهيل التى تمارسها أحزاب العملية السياسية وتحاول من خلالها تمرير برامجها على حساب حياة الناس وأفهامهم وعواطفهم غير المنضبطة، فى ظل أجواء الأزمة السياسية التى أمست تعج بشعارات فارغة ومواقف متكلفة لا مقصد فيها سوى إطالة أمد الفوضى قدر الإمكان.

ويقول «بشير": منذ أن تأسست العملية السياسية قبل عشرين سنة وهى تقوم على ديمومة الفوضى وعدم الاستقرار، ويسعى المتحكمون بها على إبقاء حالة الاضطراب سارية على الصعيدين الأمنى والسياسى، وعلى مستوى الاقتصاد، علاوة على محاولات غير مستكينة للإضرار العميق بالنظام المجتمعى العراقى وإفساده بطرق شتى.

بحيث يغدو ممزقًا وباليًا لا قبل له فى التصدى للمخاطر التى تواجهه ولا يقوى على اتخاذ خطوات للتغيير أو الثورة على النظام السياسى العقيم الذى لا يولّد غير الأزمات المتفاوتة فى تعقيداتها وأعماقها، وعلى هذا المنوال تتمحور مسالك أحزاب السلطة وحوله تدور أهدافها المرحلية.

الطائفية وثقافة التجهيل التى تنتهجها أحزاب حكومة بغداد عبر قصص واهية ومواقف مؤلفة لا أساس لها فى الواقع أو التأريخ ولا يقبلها عقل أو يقرّها منطق؛ سبل مقصودة تتعكز عليها أدوات العملية السياسة لإنتاج حالة الفوضى المقصودة، وإشغال الناس بما لا يحقق لهم فى المآل مصلحة أو يلبى لهم حاجة، سوى تحصيل مزيد من المكاسب التى تستأثر بها السلطة وميليشياتها، والتغطية على فسادها وسرقاتها واستحواذها على أموال العراقيين ومقدرات بلدهم.

بين الفوضى والطائفية علاقة طردية، فكلما كان المد الطائفى حاضرًا تصاعدت نسبة الفوضى واتسعت مساحات الأرضية الممهدة لها، وما جرى فى حادث «مزار كربلاء» حيث قضى أشخاص وأصيب آخرون؛ انعكاس واضح لذلك، وهو نتيجة لا تقف عندها الرؤى كثيرًا إلا فيما يتعلق بالأوهام. فبعد ابتداع المكان واختلاق قصته، ثم حث الناس على التوجه إليه حينما أعلنت السلطات المحلية قبل سنوات قليلة تبديدها أكثر من مليار دينار على ترميمه وتطويره، وقع الحادث وسقط الضحايا فتبين فورًا أن المكان عارٍ عن الإعمار، ومفتقر للتطوير.

وسرعان ما تنصلت الجهات التى كانت تستدرج الناس وتحثهم على التوجه إليه من مسئوليتها عن الموضوع كلّه، وتبعتها بذلك وسائل الإعلام الحكومية والحزبية التى انصرفت عن المشهد بعدما كسبت جولة طائفية جديدة، لتعود صوب الأزمة الجارية بين أحزاب العملية السياسية، وتستعرض مشهدًا آخر بانتظار ضوء أخضر من المتحكمين بها للانتقال نحو خطوة لاحقة.

وتأتى مسرحية تعطيل عمل السلطة القضائية فى العراق عشية حادث المزار لتكمل مشهد استجلاب الفوضى، ومرة أخرى تقع شريحة من الجماهير التى وُظفت حزبيًا نتيجة تردى حالاتها المادية وتفاقم عوزها وفقرها، ضحية خداع سياسى وتبارٍ بين تيار الصدر وإطار التنسيق وميليشياتهما.

لتأخذ الأحداث منحى أفقيًا آخر هدفه إطالة أمد الأزمة واستمرار حالة اللانظام والتى تعنى بالضرورة تواصل تحقيق المصالح الحزبية والمكاسب المادية التى لا يراها الشعب ولا تقترب منه بحال.

وبالحديث عن الأزمات وامتدادها الأفقى فى إطار العملية السياسية، فإن محاولات التعويل على ما يجرى من خلافات بين طرفى الأزمة بوصفه سببًا لانهيار العملية ونظامها السياسى، وهم لا يختلف كثيرًا عن الوهم الذى يقع فيه سذج الناس المستدرجين طائفيًا والذين لا يجنون من تبعيتهم شيئًا سوى المصائب والأزمات.

إذ إن «ضوابط» و«أصول» العملية السياسية لا تسمح لأزماتها المفتعلة أن تأخذ منحًى عموديًا يقود إلى انهيارها، وكل من فيها من شخصيات وأحزاب وميليشيات لا تستطيع أن تتجاوز السقف الممنوح لها فى تصعيد أو تطوّر أحداث أو تهديد من أى نوع؛ لذلك نجدها تتردد جيئة وذهابًا على خطوط أفقية مكررة غير مسموح لها بالصعود.. والله غالب على أمره.

مقتدى الصدر

«الصدر» يمسك بزمام الأمور وسياسة الاستئثار لن تُجدى نفعًا

تحولات متسارعة فى العراق، مع اقتحام انصار الزعيم العراقى مقتدى الصدر، المنطقة الخضراء، ومن توجيه رسالة لهم بالانسحاب، بعد اتصالات مع رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى.

وجّه زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر، يوم الثلاثاء الماضى، أنصار التيار الصدرى بالانسحاب الكامل من المنطقة الخضراء وسط العاصمة وإنهاء «ثورة عاشوراء» خلال مدة مقدارها ساعة واحدة، منتقدا بشدة الصدام المسلح الذى حدث بين أنصاره والقوات الموالية للفصائل المسلحة، قائلا إن «القاتل والمقتول فى النار».

وقال الصدر فى مؤتمر صحفى عقده الثلاثاء فى مقر إقامته بالحنانة فى مدينة النجف، إنه «بغض النظر عن من بدأ الفتنة فى الأمس فأنا أمشى مطأطأ الرأس، واعتذر للشعب العراقى الذى هو المتضرر الوحيد مما يحدث فالقاتل والمقتول فى النار». وأضاف أن «وطنى أسير للفساد والعنف معا»، مردفا بالقول «كنت آمل أن تكون احتجاجات سلمية وليس بالرصاص والقاذفات بئس الثورة هذه»، مشددا على أنه «مادام الثورة شابها العنف فليست بثورة اصلا، ولا أقول بعد الآن ثورة، وانا انتقد ثورة التيار الصدرى ايضا». وعما يُشاع بين مناصرى التيار الصدرى بأن عشائر الضحايا هم من بادروا إلى القتال، قال الصدر «السُنن العشائرية لا نعترف بها». وشهد العراق الاثنين، اقتحام المنطقة الخضراء، وأسفرت الاشتباكات عن سقوط ٢٥ قتيلا و٣٨٠ جريحًا، وسط اشتباكات بين انصار التيار الصدرى وعدد من المجموعات المسلحة المقربة من إيران.

كما أعلنت خليّة الإعلام الأمنى بالعراق الثلاثاء الماضى، عن تعرّض المنطقة الخضراء لقصف بأربعة صواريخ. وقالت الخلية فى بيان، إنَّ «المنطقة الخضراء فى بغداد تعرضت لقصف بأربعة صواريخ سقطت فى المجمع السكني؛ ما أدَّى إلى حدوث أضرار فيه»، مضيفة أنَّ «مكان انطلاقها كان من منطقتى الحبيبية والبلديات شرقى العاصمة بغداد». ويعيش العراق أزمة سياسية مستمرة منذ ١٠ أشهر لعدم توصل البرلمان الذى كان التيار الصدرى يشكل غالبيته، لتشكيل حكومة جديدة وتعيين رئيس جديد للجمهورية.

الأوضاع تكشف عن أن مقتدى الصدر اليوم بيده مفاتيح الحرب والسلام، التهدئة والصراع، وعلى قوى الإطار التنسيقى أن تقابل خطوته بخطوة للوراء، سياسة الإستئثار وفرض الإرادات لن تجدى نفعًا، خطوة الصدر اليوم تهدئة مؤقتة، ولكنها لن تدوم طويلًا، فمسببات الأزمة لا تزال قائمة. وتأتى أبزر مطالب التيار الصدرى بحلّ البرلمان العراقى وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، تعديل الدستو، مطالبا بتشكيل حكومة قبل إجراء انتخابات مبكرة.

مقتدى الصدر اعتبر، أن مطلبه السابق بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة أقل أهمية حاليا وأضاف مطلبا جديدا، فى تحوّل واضح لموقفه.

وكتب الصدر فى تغريدة أن «هناك ما هو أهمّ من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. الأهم هو عدم اشراك جميع الأحزاب والشخصيات التى اشتركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأمريكى عام ٢٠٠٣ وإلى يومنا هذا بما فيهم التيار الصدري»، الحزب الذى يقوده.

وتابع: «أنا على استعداد وخلال مدة أقصاها ٧٢ ساعة لتوقيع اتفاقية تتضمن ذلك»، مشيرا إلى أن «إذا لم يتحقق ذلك، فلا مجال للإصلاح»، لكن الصدر لم يكشف أسماء الشخصيات التى يعتزم تعيينها لقيادة الحكومة المقبلة.

وفى خطوة لتراجع الإطار التنسيقى، الذى يجمع قوى سياسية ومجموعات مسلحة موالية لإيران، عبر تحالف الفتح بزعامة هادى العامرى، عن تأيده لمطالب الصدر، داعيا «أطراف الإطار التنسيقى الى التعاون مع حكومة تصريف الأعمال والتيار الصدرى لتنفيذ المطالب وفقا للدستور والقانون والتى هى جزء من المطالب المعقولة الصدريين فى حل البرلمان وإنقاذ البلاد من الفتنة الخارجية التى كادت تدخل البلاد فى صراع شيعى – شيعي».

وثمن تحالف الفتح موقف رجل الدين البارز مقتدى الصدر فى انهاء مظاهر العنف وسحب انصاره من المنطقة الخضراء، داعيا الحكومة وقوى الاطار التنسيقى للتعاون مع التيار الصدرى لتنفيذ مطالب الأخير فى شكل قانونى بعيدا عن العنف أو القوة.

الباحث السياسى العراقى فراس إلياس

موقف المراجع الدينية

وحول تطورا الأوضاع يقول الباحث السياسى العراقى فراس إلياس إن ما يجرى اليوم هو أحد الفصول الأخيرة من حياة النظام السياسى فى العراق، مضيفا أن النظام السياسى الذى وضعت فى ٢٠٠٣ لم يعد قابلًا للحياة، ولم تعد القوى التى أسسته قادرة على الإنسجام معه.

واعلن المرجع الشيعى الإيرانى الأصل كاظم الحائرى اعتزال العمل الدينى، ومطالبته للناس بطاعة المرشد الإيرانى، على خامنئى، وهو ما قابله مقتدى الصدر باعلان اعتزال العمل السياسى. ويرتبط مقتدى الصدر بعلاقة دينية مع الحائرى الذى كان تلميذا على يد محمد الصدر، (والد مقتدى)، قال الصدر فى بيانه، إن اعتزال الحائرى «لم يكن بمحض إرادته»، مضيفا: «إننى لم أدعِ يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة)، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر... وما أردت إلا أن أقربهم (القوى السياسية الشيعية) إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته».

 

ويقول «فراس» إن أخطر ما يمكن التفكير به هو إقحام المرجعيات الدينية بالصراع السياسى، بل وجعله سلاحًا يستخدم لتصفير شرعية الآخر، موضحا ان المحاولة الأخيرة بضرب وجود وتأثير الصدر عبر المرجع كاظم الحائرى يشير إلى نقلة نوعية فى طبيعة الصراع السياسى فى العراق، وهو صراع أزلى متمثل بين شرعية كل من قم والنجف، أو حتى شرعية تمثيل خط السيد محمد صادق الصدر. وأوضح الخبير العراقى، لا أعتقد بأن هناك دور منتظر يمكن أن تقدم عليه المرجعية الدينية فى النجف، فهى لا زالت محبطة من دعمها للعملية السياسية والدستورية فى عام ٢٠٠٥، وفتوى الجهاد الكفائى فى عام ٢٠١٤، ومن ثم فهى على ما يبدو غير معنية بالتعامل مع عملية سياسية إعتادت التحايل السياسى عليها، إلا بضمانات وتعهدات واضحة.

المحلل السياسى محمود جابر

من جانبه؛ يقول المحلل السياسى محمود جابر، إن اعتزال الحائرى، كان محاولة ايرانية لضرب التيار الصدرى، فى الشارع العراقى، ولكن مقتدى الصدر تعامل ببذكاء مع هذهالخطة باعلانه الاعتزال السياسى، وهو ما انعكس برد فعلس انصاره باقتحام الالمنطقة الخضراء.

وأضاف «جابر» أن الصدر يدير معركة تحرير القرار العراقى من التلسط الإيرانى بشكل ذكى، ولديهم فريق عمل قادر على صنع التغيير فى بغداد، موضحا ان اصدار الصدر قرار بانسحاب انصار من المنطقة الخضراء يكشف على ان وريث «آل الصدر» أبح ممثك بمفاتيح اللعبة السياسة داخل العراق، وان طهران طوال عاملين تحولت إلى رد فعل لتحركات الزعيم العراقى.

وتابع «جابر» قائلا إن عملية اعتزال الحائرى، كشفت عن ضعف الرؤية الإيرانية لقدرات زعيم التيار الصدرى، والتى حاولت خلال السنوات المضاية صناعة قوى سياسية مناهضة للصدر وازاحته من المشهد السياسى، ولكن كل نقاط الضعف لدى الصدر تحولت إلى قوى، واستفاد من اخطاء وغرور إيران فى التعامل مع المشهد العراقى. ولفت إلى أن ايران حاولت تحويل قيس الخزعلى، الى منافس ووريث لمقتدى الصدر، ولكن الأخير بذكائه وقدراته وإرث عائلته السياسية فى العراق، والتى تفوق تاريخ عائلة المرشد الايرانى على الخامنئى فى ايران، نجح فى انهاء «الخزعلي» فى العراق، وأثبت للعراقيين قدرى آل الصدر على صناعة التغيير داخل البلاد.

واعتبر ان محاولة الزج بالمراجع الدينية الشيعية فى الصراع السياسى، خطأ استراتجى إيرانى،كلفها الكثير فى الشارع العراقى.

وقال «الياس» إن كلا الطرفين الصدر وإيران، بدؤوا يدركون أن دفع الأمور نحو حافة الهاوية قد ينهى الإنسداد الحالى، الصدر عبر التصعيد، وإيران عبر التلويح بالحلول المتطرفة.

الدور الأمريكي

والفاعل الدولى وتحديدًا الامم المتحدة لا زالت لم تتوصل إلى قناعة واضحة بأن ما يجرى فى العراق يشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، وإنما الوضع لا يزال فى طور المتابعة والمراقبة، وفق المواد ٢٤ و٣٤ من الميثاق، وهو ما أكد عليه بيان البعثة الأممية الأخيراليوم. موقف واشنطن

ويقول «إلياس» إن الولايات المتحدة غير معنية بما يجرى حتى الآن، وقد تكون بإنتظار الفائز من الصراع الحالى للتفاهم معه، فهى لم تعد مهتمة كثيرًا بما يجرى، وما حصل فى طرابلس قبل يومين دليل على طريقة التفكير الأمريكى الجديدة فى صراعات المنطقة.

لكن المحلل السياسى محمود جابر يرى أن القوى الدولية وعللا رأسها واشنطن تعتبر ما يجرى فى العراق، هو مرحلة ما بعد الاتفاق النووى، فوجود قوى شيعية عراقية فى مواجهة النفوذ الايرانى، هو أفضل الحلول بمدأ انه » لا يفل الحديد الا الحديد».

ويضيف «جابر": «الصدر اليوم ليس مجرد زعيم دينى او سياسى، بل هو رجل أصبح ينافس مكانة المرشد الأعلى فى طهران، بتحول إلى المرجعية الروحية للشيعة العراقيين، والكثير من الشيعة فى الدول العربية والعالم، الذين لايقلدون ولاية الفقيه، والذين يرون انها اساءت إلى المذهب الشيعى، فى ظل محاولة إيران تحويل شيعة العالم إلى مجرد «عساكر» فى جيشها التوسعى فى المنطقة.

بروفة النهاية

جابر يرى أن التهدئة وتوجيه الصدر لأنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء حقق العديد من الاهداف السياسية والعسكرية فى العراق، ووجه رسائل إلى خصوم فى الداخل من قيادات المجموعات المسلحة الموالية لطهران وفى مقدمتها مجموعة» عصائب أهل الحق » التى يتزعمها قيس الخزعلى، والذى سقط ٨٠٪ من قوته بعد احداث الاثنين. وأضاف «جابر»، ان الصدر حقق هدفا أخر وهو كشف ضباط الحرس الثورى الذين دخلوا ايران خلال «أربعينية الإمام الحسين»، واصبح يعرف كل كبيرة وصغيرة عن هؤلاء الضباط وعملهم فى العراق، وهو بذلك اجهض خطة الحرس الثورى مبكرا فى استهداف أنصاره والشعب العراقى.

بدوره، أعلن مطار «الإمام الخميني» فى إيران، «إلغاء كافة الرحلات إلى العراق حتى إشعار إشعار آخر».

عراق جديد

ويرى مراقبون أن العراق دخل مرحلة حسامة فى تاريخه السياسى منذ اسقاط نظام صدام حسين، فى ظل الصراع الشيعى الشيعى، وتحول مقتدى الصدر لزعيم شعبى كبير فى مواجهة فساد السلطة الحاكمة وتغول المليشيات، الصدام الكبير مع نورى المالى وقيادات الحشد الشعبى المقربة من ايران.

ويرى «الياس»، ان حل البرلمان والذهاب نحو انتخابات مبكرة دون شروط مسبقة هو الحل الوحيد، دون ذلك فنحن ذاهبون لفوضى طويلة الآمد. فيما يرى جابر، ان ما حدث الاثنين هو بروفة قبل الاخيرة، فى مشروع الصدر السياسى، والذى يهدف الى تعديل الدستور، وانهاء نظام ٢٠٠٣، وبناء عراقى جديد يهدف للخروج من الوصاية الايرانية.