الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حوادث وقضايا

هوس التنقيب عن الآثار.. طريق يبدأ بحلم زائف وينتهي بكارثة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يلجأ بعض ضعاف النفوس إلى"التنقيب عن الآثار والحفر في باطن الأرض والتضحية بأنفسهم وأرواحهم طمعا في الثراء السريع والبحث عن "الكنز الوهمي"، تخدعهم أكاذيب "نصّابين" يدّعون قدرتهم على استخراج هذه الآثار من باطن الأرض وتحديد أماكن تلك الكنوز الوهمية، مقابل استيلائهم على أموال ضحاياهم الذين قد يضطرون للاقتراض وبيع ممتلكاتهم البسيطة لتنفيذ متطلبات هؤلاء النصابين.

وشهد عدد من المحافظات عدة مآسٍ بشعة راح ضحيتها العديد من الأرواح انهارت عليهم قبورهم التي حفروها بأيديهم ظناً منهم أنهم سيجدون "الكنز الأثري"، إلي جانب وقائع أخرى للتنقيب عن الآثار تمكنت خلالها قوات الأمن من رصد وإلقاء القبض على القائمين عليها وتم إيداعهم خلف القضبان.

تمكنت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الجيزة من ضبط 4 أشخاص لقيامهم بالتنقيب خلسة داخل قطعة أرض بإحدى القرى بمركز البدرشين وتوصلوا إلى مبنى أثرى مهم يعود للعصور الفرعونية القديمة ويُعد اكتشافا أثريا.

وأكدت معلومات وتحريات إدارة شرطة السياحة والآثار بمديرية أمن الجيزة بقطاع شرطة السياحة والآثار قيام 4 أشخاص بالحفر بقطعة أرض بإحدى القرى بمركز البدرشين بالجيزة بقصد البحث والتنقيب عن الآثار.

وفي محافظه الجيزة، صرحت النيابة العامة بدفن فكهاني وزوجته توفيا داخل غرفة أثناء التنقيب عن الآثار بحفرة داخل منزلهما، وبالفحص  تبين للمباحث وجود جثتي فكهاني في العقد الخامس من عمره وزوجته أربعينية توفيا داخل حفرة أثناء تنقيبهما عن الآثار، وجرى انتشال الجثتين ونقلهما إلى ثلاجة المستشفي تحت تصرف النيابة العامة.

وفي واقعه أخري بمحافظه الجيزة انتشلت قوات الإنقاذ البري بالحماية المدنية بالجيزة أحد الأشخاص "عامل" احتجز داخل حفرة أثناء التنقيب عن الآثار رفقة آخرين، حيث تلقي المقدم محمد الجوهري، رئيس مباحث مركز شرطة منشأة القناطر بمديرية أمن الجيزة، إشارة مفادها احتجاز شخص داخل حفرة رمال علي أحد الأشخاص داخل مزرعة كائنة بدائرة المركز، وبالفحص تبين أنه أثناء قيام 4 أشخاص بالتنقيب عن الآثار خلسة احتجز أحدهم داخل الحفرة بينما لاذ الثلاثة الباقون بالهروب.
وفي محافظة قنا لقي ثلاثة أشقاء مصرعهم أثتاء تنقيبهم عن الآثار داخل منزل جدهم من ناحية الأم، بقرية العركي بفرشوط، بحثا عن الثراء الفاحش، وأثناء الحفر انهارت عليهم الحفرة، مما أسفر ذلك عن إصابتهم بحالة اختناق.

وأوضحت التحريات  أن السبب وفاة ربة منزل وشقيقيها وأبنائها الثلاثة، هو التنقيب عن الآثار، في منزل والد المتوفية وشقيقيها وجد الأبناء الثلاثة، ما أسفر ذلك عن مصرعهم بعد إصابتهم بحالات اختناق.

ومن جانبه قالت سما نصار دكتورة علم النفس، إنه في ظل ظروف الحياة الحالية والغلاء وصعوبة المعيشة أصبح التفكير في الحصول على المال هو الشغل الشاغل لأذهان الجميع، وخاصة لو ارتبط الحصول على المال بوجود ثروة ضخمة يتم الحصول عليها بشكل سريع  وبأقل مجهود. 
وهنا حب المال والرغبة في الثراء المفاجئ مع ضغوط الحياة الاجتماعية ومتطلباتها يمكن أن يكون محفزا لبعض الشخصيات التي لديها استعداد وراثي للإصابة باضطرابات عقلية بظهور أفكار مثل التنقيب عن الآثار.

وأضافت "نصار" أنه هنا يظهر لدينا اضطراب التفكير بشكل واضح الذي يحفزه الأفكار المجتمعية المحيطة بالفرد، فيبدأ بالتنقيب عن الآثار حتى لو ترتب على ذلك هدم المنزل الذي يعيش فيه للحصول على الثروة المتخيلة، فهو يغامر ويفقد ثروة موجودة بالفعل مثل السكن الذي يحتويه ولا يوجد لديه مأوى آخر للحصول على ثروة متخيلة افتراضية قد لا يكون لها أساس في الواقع.

وأكدت "نصار" علي أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية  تلعب دورا أساسيا في تفجير اضطراب نفسي كامن لدى الفرد، أما بالنسبة للدراما والأعمال السينمائية يكون لها دور ثانوي يأتي بعد ضغوط المجتمع والاستعداد للاضطراب في دعم الفكرة وتحفيزها.

وفي نفس السياق قال الخبير الأثري والمتخصص في علم المصريات الدكتور أحمد عامر، إن هوس التنقيب عن الآثار أصاب الكثير من الناس، ونجد أن بعض المرضى وضعاف النفوس تجردوا من كل معاني الإنسانية في سبيل تحقيق حلم الثراء السريع دون سعيهم للحصول عليه بطريقة شرعية وقانونية، كما نجد أن العديد من الأشخاص من ضعاف النفوس الذين يلجأون إلى التنقيب عن الآثار، وينفقون مبالغ طائلة لتحقيق أعلى فائدة بعيداً عن مخالفة الشرع والقانون.
وتابع "عامر" أن عمليات التنقيب والتهريب لا تزال مستمرة، ولابد من تغليظ العقوبة القانونية مع زيادة الوعي الأثري وتغيير النظرة النمطية عن الآثار المصرية باعتبارها كنوزاً تساوي أموالاً باهظة، من دون النظر إلى قيمتها التاريخية والحضارية، كما أن تغليظ مدة حبس المهربين والمنقبين لن تكون كافية لردع هؤلاء، لأن المتهم قد يخرج من السجن بعد عدة سنوات، ويستمتع بما جناه من أموال جراء التهريب، ويكرر المخالفات ذاتها مرة أخرى.

وأشار "عامر" إلى أن حلم الثراء السريع أصبح يراود الكثير من الناس، فنجد العديد من الحوادث تكتشف صدفة سواء عن طريق الخلاف علي توزيع الآثار المكتشفة أو الموت عند الحفر الخلسة، لذلك نجد أن الكثيرين يقومون بالحفر أسفل منازلهم على أمل اكتشاف الآثار وبيعها وتهريبها إلي الخارج، وتكتشف الدولة ذلك عقب عرضها في صالات المزادات العلنية.
قال الدكتور فتحي القناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن جريمة التنقيب عن الآثار ليست وليدة هذه الايام فقط، ولكنها موجودة من مئات السنين، ولكنها في زيادة ملحوظة نظرا لكثرة اكنشاف المقابر الملكية مؤخرا مما جعل فكرة التنقيب هوس لدي الكثير من الناس.

وأضاف "القناوي" أن كل ما في باطن الأرض هو ملك للدولة المصرية بحكم القانون وبحكم كل شيء، فحق الانتفاع يأتي لما هو علي سطح الأرض مثل البيوت والأراضي، ولكن ما في باطنها هو ملك للدولة المصرية، والعقوبة هنا تأتي علي حسب هل تواجد تتقيب أم لا وهل تسبب في وفاة أحد أم لا، ولذلك أطالب بتغليظ العقوبة لمن يفكر مجرد التفكير في التنقيب وليس للقبض علي كل من عمل هذه الجريمة فقط. 
وكان القانون رقم 117 لسنة 1983 نص في المادة مادة 1 على ما يعتبر أثرا كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ، مشيرًا أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد علي سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد علي خمسين ألف جنيه.
كما يعاقب القانون كل من سرق أثرا أو جزءا من أثر مملوك للدولة أو قام بإخفائه أو اشترك في شيء من ذلك ويحكم في هذه الحالة بمصادرة الأثر والأجهزة والأدوات والسيارات المستخدمة في الجريمة لصالح الهيئة، وكل من  هدم أو أتلف عمدا أثرا أو مبني تاريخيا أو شوهه أو غير معالمه أو فصل جزءا منه أو اشترك في ذلك وأجري أعمال الحفر الأثري دون ترخيص أو اشترك في ذلك  بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد علي خمسين ألف جنيه إذا كان الفاعل من العاملين بالدولة المشرفين أو المشتغلين بالآثار أو موظفي أو عمال بعثات الحفائر أو من المقاولين المتعاقدين مع الهيئة أو من عمالهم.