تحولات متسارعة فى العراق، مع اقتحام أنصار الزعيم العراقى مقتدى الصدر، المنطقة الخضراء، ومن توجيه رسالة لهم بالانسحاب، بعد اتصالات مع رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى.
ووجّه زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر، يوم الثلاثاء الماضى، أنصار التيار الصدرى بالانسحاب الكامل من المنطقة الخضراء وسط العاصمة وإنهاء «ثورة عاشوراء» خلال مدة مقدارها ساعة واحدة، منتقدا بشدة الصدام المسلح الذى حدث بين أنصاره والقوات الموالية للفصائل المسلحة، قائلا إن «القاتل والمقتول فى النار».
وقال الصدر فى مؤتمر صحفى عقده الثلاثاء فى مقر إقامته بالحنانة فى مدينة النجف، إنه «بغض النظر عن من بدأ الفتنة فى الأمس فأنا أمشى مطأطأ الرأس، واعتذر للشعب العراقى المتضرر الوحيد مما يحدث فالقاتل والمقتول فى النار».
وأضاف أن «وطنى أسير للفساد والعنف معا»، مردفا بالقول «كنت آمل أن تكون احتجاجات سلمية وليس بالرصاص والقاذفات بئس الثورة هذه»، مشددا على أنه «ما دام الثورة شابها العنف فليست بثورة أصلا، ولا أقول بعد الآن ثورة، وأنا أنتقد ثورة التيار الصدرى أيضا».
وعما يُشاع بين مناصرى التيار الصدرى بأن عشائر الضحايا هم من بادروا إلى القتال، قال الصدر «السُنن العشائرية لا نعترف بها». وشهد العراق الاثنين، اقتحام المنطقة الخضراء، وأسفرت الاشتباكات عن سقوط ٢٥ قتيلا و٣٨٠ جريحًا، وسط اشتباكات بين أنصار التيار الصدرى وعدد من المجموعات المسلحة المقربة من إيران.
كما أعلنت خليّة الإعلام الأمني بالعراق الثلاثاء الماضي، تعرّض المنطقة الخضراء لقصف بأربعة صواريخ.
وقالت الخلية فى بيان، إنَّ «المنطقة الخضراء فى بغداد تعرضت لقصف بأربعة صواريخ سقطت فى المجمع السكني؛ ما أدَّى إلى حدوث أضرار فيه»، مضيفة أنَّ «مكان انطلاقها كان من منطقتى الحبيبية والبلديات شرقى العاصمة بغداد». ويعيش العراق أزمة سياسية مستمرة منذ ١٠ أشهر لعدم توصل البرلمان الذى كان التيار الصدرى يشكل غالبيته، لتشكيل حكومة جديدة وتعيين رئيس جديد للجمهورية.
الأوضاع تكشف عن أن مقتدى الصدر اليوم بيده مفاتيح الحرب والسلام، التهدئة والصراع، وعلى قوى الإطار التنسيقى أن تقابل خطوته بخطوة للوراء، سياسة الاستئثار وفرض الإرادات لن تجدى نفعًا، خطوة الصدر اليوم تهدئة مؤقتة، ولكنها لن تدوم طويلًا، فمسببات الأزمة لا تزال قائمة.
وتأتى أبرز مطالب التيار الصدرى بحلّ البرلمان العراقى وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، تعديل الدستور، مطالبا بتشكيل حكومة قبل إجراء انتخابات مبكرة.
مقتدى الصدر اعتبر، أن مطلبه السابق بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة أقل أهمية حاليا وأضاف مطلبا جديدا، فى تحوّل واضح لموقفه.
وكتب الصدر فى تغريدة أن «هناك ما هو أهمّ من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. الأهم هو عدم إشراك جميع الأحزاب والشخصيات التى اشتركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأمريكى عام ٢٠٠٣ وإلى يومنا هذا بما فيهم التيار الصدري»، الحزب الذى يقوده.
وتابع: «أنا على استعداد وخلال مدة أقصاها ٧٢ ساعة لتوقيع اتفاقية تتضمن ذلك»، مشيرا إلى أن «إذا لم يتحقق ذلك، فلا مجال للإصلاح»، لكن الصدر لم يكشف أسماء الشخصيات التى يعتزم تعيينها لقيادة الحكومة المقبلة.
وفى خطوة لتراجع الإطار التنسيقى، الذى يجمع قوى سياسية ومجموعات مسلحة موالية لإيران، عبر تحالف الفتح بزعامة هادى العامرى، عن تأييده لمطالب الصدر، داعيا «أطراف الإطار التنسيقى إلى التعاون مع حكومة تصريف الأعمال والتيار الصدرى لتنفيذ المطالب وفقا للدستور والقانون والتى هى جزء من المطالب المعقولة الصدريين فى حل البرلمان وإنقاذ البلاد من الفتنة الخارجية التى كادت تدخل البلاد فى صراع شيعى – شيعي».
وثمن تحالف الفتح موقف رجل الدين البارز مقتدى الصدر فى إنهاء مظاهر العنف وسحب أنصاره من المنطقة الخضراء، داعيا الحكومة وقوى الإطار التنسيقى للتعاون مع التيار الصدرى لتنفيذ مطالب الأخير فى شكل قانونى بعيدا عن العنف أو القوة.
موقف المراجع الدينية
وحول تطور الأوضاع يقول الباحث السياسى العراقى فراس إلياس، إن ما يجرى اليوم هو أحد الفصول الأخيرة من حياة النظام السياسى فى العراق، مضيفا أن النظام السياسى الذى وضعت فى ٢٠٠٣ لم يعد قابلًا للحياة، ولم تعد القوى التى أسسته قادرة على الانسجام معه.
وأعلن المرجع الشيعى الإيرانى الأصل كاظم الحائرى اعتزال العمل الدينى، ومطالبته للناس بطاعة المرشد الإيرانى، على خامنئى، وهو ما قابله مقتدى الصدر بإعلان اعتزال العمل السياسى.
ويرتبط مقتدى الصدر بعلاقة دينية مع الحائرى الذى كان تلميذا على يد محمد الصدر، (والد مقتدى)، قال الصدر فى بيانه، إن اعتزال الحائرى «لم يكن بمحض إرادته»، مضيفا: «إننى لم أدعِ يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة)، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر... وما أردت إلا أن أقربهم (القوى السياسية الشيعية) إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته».
ويقول «فراس» إن أخطر ما يمكن التفكير به هو إقحام المرجعيات الدينية بالصراع السياسى، بل وجعله سلاحًا يستخدم لتصفير شرعية الآخر، موضحا ان المحاولة الأخيرة بضرب وجود وتأثير الصدر عبر المرجع كاظم الحائرى يشير إلى نقلة نوعية فى طبيعة الصراع السياسى فى العراق، وهو صراع أزلى متمثل بين شرعية كل من قم والنجف، أو حتى شرعية تمثيل خط السيد محمد صادق الصدر. وأوضح الخبير العراقى، لا أعتقد بأن هناك دور منتظر يمكن أن تقدم عليه المرجعية الدينية فى النجف، فهى لا زالت محبطة من دعمها للعملية السياسية والدستورية فى عام ٢٠٠٥، وفتوى الجهاد الكفائى فى عام ٢٠١٤، ومن ثم فهى على ما يبدو غير معنية بالتعامل مع عملية سياسية اعتادت التحايل السياسى عليها، إلا بضمانات وتعهدات واضحة.
من جانبه؛ يقول المحلل السياسى محمود جابر، إن اعتزال الحائرى، كان محاولة إيرانية لضرب التيار الصدرى، فى الشارع العراقى، ولكن مقتدى الصدر تعامل بذكاء مع هذه الخطة إعلانه الاعتزال السياسى، وهو ما انعكس برد فعل أنصاره باقتحام المنطقة الخضراء.
وأضاف «جابر» أن الصدر يدير معركة تحرير القرار العراقى من التسلط الإيرانى بشكل ذكى، ولديهم فريق عمل قادر على صنع التغيير فى بغداد، موضحا ان اصدار الصدر قرار بانسحاب أنصار من المنطقة الخضراء يكشف على ان وريث «آل الصدر» أصبح ممسكا بمفاتيح اللعبة السياسية داخل العراق، وأن طهران طوال عاملين تحولت إلى رد فعل لتحركات الزعيم العراقى.
وتابع «جابر» قائلا إن عملية اعتزال الحائرى، كشفت عن ضعف الرؤية الإيرانية لقدرات زعيم التيار الصدرى، والتى حاولت خلال السنوات الماضية صناعة قوى سياسية مناهضة للصدر وإزاحته من المشهد السياسى، ولكن كل نقاط الضعف لدى الصدر تحولت إلى قوى، واستفاد من أخطاء وغرور إيران فى التعامل مع المشهد العراقى.
ولفت إلى أن إيران حاولت تحويل قيس الخزعلى، إلى منافس ووريث لمقتدى الصدر، ولكن الأخير بذكائه وقدراته وإرث عائلته السياسية فى العراق، والتى تفوق تاريخ عائلة المرشد الإيرانى على الخامنئى فى إيران، نجح فى إنهاء «الخزعلي» فى العراق، وأثبت للعراقيين قدرى آل الصدر على صناعة التغيير داخل البلاد.
واعتبر أن محاولة الزج بالمراجع الدينية الشيعية فى الصراع السياسى، خطأ استراتيجى إيرانى، كلفها الكثير فى الشارع العراقى.
وقال «الياس» إن كلا الطرفين الصدر وإيران، بدؤوا يدركون أن دفع الأمور نحو حافة الهاوية قد ينهى الانسداد الحالى، الصدر عبر التصعيد، وإيران عبر التلويح بالحلول المتطرفة.
الدور الأمريكي
والفاعل الدولى وتحديدًا الأمم المتحدة لا زالت لم تتوصل إلى قناعة واضحة بأن ما يجرى فى العراق يشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، وإنما الوضع لا يزال فى طور المتابعة والمراقبة، وفق المواد ٢٤ و٣٤ من الميثاق، وهو ما أكد عليه بيان البعثة الأممية الأخير اليوم. موقف واشنطن
ويقول «إلياس» إن الولايات المتحدة غير معنية بما يجرى حتى الآن، وقد تكون بانتظار الفائز من الصراع الحالى للتفاهم معه، فهى لم تعد مهتمة كثيرًا بما يجرى، وما حصل فى طرابلس قبل يومين دليل على طريقة التفكير الأمريكى الجديدة فى صراعات المنطقة.
لكن المحلل السياسى محمود جابر يرى أن القوى الدولية وعلى رأسها واشنطن تعتبر ما يجرى فى العراق، هو مرحلة ما بعد الاتفاق النووى، فوجود قوى شيعية عراقية فى مواجهة النفوذ الإيراني، هو أفضل الحلول بمبدأ أنه لا يفل الحديد إلا الحديد».
ويضيف «جابر": «الصدر اليوم ليس مجرد زعيم دينى او سياسى، بل هو رجل أصبح ينافس مكانة المرشد الأعلى فى طهران، بتحول إلى المرجعية الروحية للشيعة العراقيين، والكثير من الشيعة فى الدول العربية والعالم، الذين لا يقلدون ولاية الفقيه، والذين يرون أنها أساءت إلى المذهب الشيعى، فى ظل محاولة إيران تحويل شيعة العالم إلى مجرد «عساكر» فى جيشها التوسعى فى المنطقة.
بروفة النهاية
جابر يرى أن التهدئة وتوجيه الصدر لأنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء حقق العديد من الأهداف السياسية والعسكرية فى العراق، ووجه رسائل إلى خصوم فى الداخل من قيادات المجموعات المسلحة الموالية لطهران وفى مقدمتها مجموعة» عصائب أهل الحق » التى يتزعمها قيس الخزعلى، والذى سقط ٨٠٪ من قوته بعد أحداث الاثنين.
وأضاف «جابر»، أن الصدر حقق هدفا أخر وهو كشف ضباط الحرس الثورى الذين دخلوا إيران خلال «أربعينية الإمام الحسين»، واصبح يعرف كل كبيرة وصغيرة عن هؤلاء الضباط وعملهم فى العراق، وهو بذلك أجهض خطة الحرس الثورى مبكرا فى استهداف أنصاره والشعب العراقى.
بدوره، أعلن مطار «الإمام الخميني» فى إيران، «إلغاء كافة الرحلات إلى العراق حتى إشعار إشعار آخر».
عراق جديد
ويرى مراقبون أن العراق دخل مرحلة حاسمة فى تاريخه السياسى منذ اسقاط نظام صدام حسين، فى ظل الصراع الشيعى الشيعى، وتحول مقتدى الصدر لزعيم شعبى كبير فى مواجهة فساد السلطة الحاكمة وتغول الميليشيات، الصدام الكبير مع نورى المالى وقيادات الحشد الشعبى المقربة من إيران.
ويرى «الياس»، أن حل البرلمان والذهاب نحو انتخابات مبكرة دون شروط مسبقة هو الحل الوحيد، دون ذلك فنحن ذاهبون لفوضى طويلة الأمد، فيما يرى جابر، أن ما حدث الاثنين هو بروفة قبل الأخيرة، فى مشروع الصدر السياسى، والذى يهدف إلى تعديل الدستور، وإنهاء نظام ٢٠٠٣، وبناء عراقى جديد يهدف للخروج من الوصاية الإيرانية.