الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حوارات

د. جودة عبدالخالق في حوار الساعة مع رئيس التحرير: نواجه إعصارًا اقتصاديًا.. ومصر كبيرة على الإفلاس .. الحوار الوطني فرصة تاريخية للنهوض بالبلاد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

قال إن الحوار الوطني فرصة تاريخية للنهوض بالبلاد.. د. جودة عبدالخالق فى حوار الساعة مع رئيس التحرير: نواجه إعصارًا اقتصاديًا.. ومصر كبيرة على الإفلاس
الحوار سينجح لو ضمنا مشاركة كل الأطياف السياسية ونريد مساعدة الوطن لا السلطة
يمكن الاستغناء عن 20 % من الموازنة العامة للدولة
الاقتصاد ينهض على قاعدة صلبة من الثقافة تتمثل فى قيم الناس فى المجالات المختلفة
نحتاج إلى إعلان اقتصاد حرب وحالة تقشف قصوى
متفائل بحذر وسأعلن انسحابى من الحوار الوطنى فى حال عدم جديته
اجتماعات الحكومة فى العلمين وسفريات كبار المسئولين تزيد نفقات الميزانية.. وفتح المجال السياسى العام أهم القضايا التى يجب العمل عليها بصورة عاجلة
التضخم أشبه بالسرطان وإذا وصل لنسبة خارج السيطرة سيصبح الوضع صعبًا
كنت أتمنى أن يأتى التعديل الوزارى بصورة أفضل.. وآن الأوان لتغيير قانون الحبس الاحتياطى
الحوار سيبدأ عندما نضع اللمسة الأخيرة لعملية التنظيم.. ومشاركة كل الأطراف إلا من تلوثت أيديهم بدماء المصريين

 

يحمل اسم الدكتور جودة عبدالخالق كثيرًا من الدلالات، والحديث معه يحتاج لإعداد خاص، فنحن أمام أستاذ جامعي، ومفكر سياسي، وخبير اقتصادي، ووزير سابق، فضلًا عن كادر حزبى ينتمى لحزب سياسى معارض هو حزب التجمع، كل ذلك كان سببًا فى اختياره لعضوية مجلس أمناء الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي.
فى هذا الحوار يطرح عبدالخالق رؤيته لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للحوار الوطني، ويعتبرها درجة من الانفتاح السياسي.
وأشار إلى أنه قدم عدة أوراق تتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية، مؤكدا أن هناك عددا من القضايا الملحة التى يجب أن يتصدى لها الحوار، معتبرا أن النتائج التى ستسفر عن الحوار هى التى ستمكننا من القول إنه حقق هدفه.

حوار- داليا عبد الرحيم

■ فى البداية، نحن أمام مفكر اقتصادى، وصاحب موقف سياسى، وقيادى كبير فى حزب يسارى معارض ووزير فى حكومات ما بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، فأى من هذه الصفات كانت الدافع لاختيارك لعضوية مجلس أمناء الحوار الوطنى، وكيف رأيت الدعوة للحوار؟
- أنا رحبت بالدعوة، رغم كل الكلام الذى ذكرتيه، أنا معارض من اليوم الأول حتى الاّن، مع ذلك لى مكان فى مجلس أمناء الحوار، وهذا له دلالته، الأمر الثانى دعينى أقول إننا نمر بمنعطف حساس، يحتاج إلى تكاتف كل الجهود للنهوض بالوطن لمسار أكثر رحابة وطريق أكثر أمنًا وحالة أكثر رخاء، من هذه الزوايا جميعًا أرى الدعوة إلى الحوار الوطنى وعقد الحوار الوطنى إذا نجحنا فى ترتيبه بحيث يتيح لكل رأى أن يعبر عن نفسه، ووصلنا فى نهاية الأمر إلى ما يسمى المساحة المشتركة بين الأطراف المختلفة، فى هذه الحالة أعتقد أنه سيحدث نقلة على مستوى السياسات العامة فى مصر سواء فى المجال السياسى بالمعنى الضيق، كحرية التعبير، وتكوين الأحزاب، والتعبير عن الرأى، والانتخابات بمستوياتها، أوعلى المستوى الاقتصادى، فنحن نتحدث الآن عن مفاوضات جارية مع صندوق النقد الدولى حول ما يسمى البرنامج الجديد للإصلاح الاقتصادى، هذا هو الوقت الذى ينبغى أن نطرح فيه كل الأسئلة ونقدم كل الاجتهادات وأن نستمع إليها بعناية وبجدية للوصول لهذا الفعل، الشيء الثانى فى المجال الاجتماعى، طبعًا وضعنا الأمر سواء وضع الأسرة والأفراد فى المجتمع والشباب والمرأة، كفئات اجتماعية يحتاج إلى أن تتاح الحرية لكل وجهات النظر لتعبرعن نفسها، وبالتالى نصل إلى قاسم مشترك أعظم بين أطياف المجتمع هذه هى الكيفية، ولذلك أود أن أنتهز الفرصة لكى أحذر مما نسمعه أحيانًا من نبرة التقليل من شأن الحوار، بمعنى توقع أن الحوار لا يؤدى إلى نتيجة، أنا لا أرى المسألة بهذا الشكل، أنا قلت من اليوم الأول وأكرر كلامى الآن أننى متفائل، تفاؤل حذر طبعًا، وأنا أراقب الوضع على مدار ٢٤ ساعة عندى مثل العداد، وقلت إنه فى اللحظة التى سأكتشف فيها أن الحوار مسألة غير جدية سأعلن ذلك على الملأ وأنسحب، لكن حتى الآن أرى أن العملية فى أيدينا وأن كل القوى السياسية والأطراف فى الحوار الوطنى وأيضًا الناس التى تتابع من مقاعد المتفرجين عليها مسئولية، لأن الكتابة على فيسبوك وتويتر سهلة جدًا بمجرد أنك تملك هاتفا ذكيا ليس أكثر وتقول ما تريد، ونحن نتكلم عن وطن على المحك وأقول هذا الكلام، نحن نريد مساعدة بلدنا لا نساعد السلطة ولا النظام وأتكلم عن الوطن، الوطن هو البداية والنهاية.

■ هل تقدمت بورقة أو تصور عام بشأن رؤيتك السياسية والاقتصادية للمشاركة فى هذا الحوار؟
- تقدمت بعدة أوراق لأن الفترة التى سبقت تشكيل مجلس الأمناء كانت فترة حافلة بالنشاطات العامة، وبالتالى كان لى ظهور فى الساحة العامة أكثر من المعتاد وتحدثت باستفاضة عن موضوع ماذا نفعل فى الشأن السياسي؟، ماذا نفعل فى الشأن الاقتصادي؟، ماذا نفعل فى الشأن الثقافى العام؟، والاقتصاد ينهض على قاعدة صلبة من الثقافة «قيم الناس فى المجالات المختلفة، وكتبت حوالى ١٠ مقالات على الأقل حول ما أتصور أنه إصلاح سياسى مطلوب، بالإضافة إلى محاضرات حول ما أعتقد أنه الإصلاح الاقتصادى المطلوب، بكل هذه الأشياء هى ليست بورقة معينة قبل الانتهاء، إنما خلاصة كل ذلك توضح أنه كرأى من المفيد أن نستمع إليك، وبالتالى أتصور أن دخولى فى مجلس أمناء الحوار لأننى عندى رؤية وهذه الرؤية يضاف إليها رؤى أطراف كثيرة وهذه قيمة الحوار أن نستمع إلى بعضنا البعض.

■ هل يمكن القول إن دكتور جودة عبدالخالق يمثل المعارضة داخل الحوار الوطني؟
- لا لأنه هناك ناس تطرح نفسها أنها تمثل المعارضة، لكن أنا وضعى غريب بعض الشيء فعليًا أنا معارض كما يدرك الكل، وكان واضح أن اسمى كان يتجاوز هذه المسافات كلها، فهناك توافق عليه من السلطة ومن المعارضة إن جاز التعبير، وهذا شيء يسعدنى لأنه معناه أننى لم أتخل عن وظيفتى كمعارض فى أى وقت من الأوقات، لكن فى نفس الوقت لأنى حريص باستمرار على أن تكون المعارضة أساسها النقد وتقديم البديل باستمرار، لأن عينى على الوطن مصر هى عنوان النشيد إن جاز التعبير، فهذه صفة وأنا أعتقد أنها صفة جيدة لأنها يمكن أن تجمع الفرقاء فى مرحلة من المراحل.

■ كان لك ولحزب التجمع تجارب فيما يتعلق بالحوار فى عهود سابقة، كيف ترى الفارق بين تلك الحوارات وبين الحوار الذى يدور الآن بمبادرة من الرئيس عبد الفتاح السيسى؟
- الحوارات سابقًا لم تؤد إلى شيء إلا تقارير، وعندى منها تقريرين مكتوبين فى مكتبى، لكن اللحظة الحالية وأنا شاهد عيان على كل هذه الحوارات، أن هناك درجة من المتابعة والاهتمام من قبل الرأى العام فى الداخل والخارج للحوار الوطنى فى مصر هذه المرة، وهذا لم يكن موجودا فى السابق، الحوارات تلك تمت فى عهد مبارك كانت بين الأحزاب، كان أولًا أطرافه هى الأحزاب فقط والحكومة والحزب الحاكم، الآن الأطراف أوسع من ذلك، وأود أن أوضح للناس لأن هناك التباسا فى هذه النقطة، الناس تسأل أين الحوار؟، طبعًا الحوار يجرى الإعداد له بدقة وعناية شديدة وهى عملية صعبة، وأنا أتفهم قلق الناس واستعجالهم، لكن الأمر أشبه بالمولود الذى تريد إنزاله قبل ميعاده فذلك يجعلك تواجه مشاكل، لتبسيط المسألة أقول الحوار سيبدأ وشيكًا عندما نضع اللمسة الأخيرة لعملية التنظيم، لأنه من الواضح أن هناك ٣ مجالات أساسية يجرى حولها الحوار، المجال السياسى ماذا نفعل فيه والمجال الاقتصادى والمجال الاجتماعى، نحن نحرص فى مجلس أمناء الحوار أن كل من له رأى وكلمة فى أى من هذه المجالات يكون له وجود ومشارك بشكل فعال، وهنا بداية الحوار الحقيقى يكون عبارة عن مناقشات مفتوحة بمعنى أن متاح للرأى العام أن يتابع ما يحدث فيها وتشمل كل الأطراف دون استبعاد، إلا من تلوثت أيديهم بدماء المصريين.

■ فى أكثر من تصريح لكم أشرت إلى أن حزب التجمع يملك حلولًا عملية للأزمات التى تواجه الاقتصاد المصرى ومنها قضية الديون وعجز الموازنة وغيرها، ما الخطوط العامة لهذه الحلول؟
- هذا سؤال مهم جدًا وأعتقد أننى أعايش هذا الوضع، أنا اقتصادى لكن ليس اقتصاديًا أكاديميًا، وأتابع كل ما ينشر قدر الإمكان، وفى نفس الوقت أباشر الجميع فى الشارع مثل سائقى التاكسى والعاملين، وأقول إن مشكلات مصر الاقتصادية ليست ميئوسا منها، ثانيًا مصر ليست كما يشيع البعض دون معرفة على وشك الإفلاس، الإفلاس عملية غير واردة بالنسبة لدولة بحجم مصر بكل ما تمثله من حيث التاريخ والجغرافيا والوزن مهما كانت التحديات الاقتصادية التى تواجهها، ممكن أن يكون هناك مشكلة إعصار بالمعنى الفنى القانونى للكلمة، هناك فرق بين الإعصار والإفلاس، الإفلاس وارد بالنسبة للشركات ومنشآت الأعمال سواء كانت فردية أو أى كان المستوى لكن غير وارد بالنسبة لدولة.
يوجد ديون واجبة السداد، وهناك أكثر من مسار يمكن ارتياده، مثل عملية إعادة الجدولة، أو تخفيض الديون فى ظروف معينة وهذا استفدنا منه فى التسعينيات؛ أسقطنا نصف الديون العربية والديون العسكرية الامريكية، أريد أن أقول بالعودة لهذا الموضوع بعد هذا التوضيح لوضع النقاط على الحروف، نحتاج أن نعلن اقتصاد حرب وأكرر هذا الكلام بمعنى أن كنا فى حالة الحرب كل الجهود والإجراءات توجه لخدمة المجهود الحربى فقط وكنا نقول لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وطبعًا لا أقصد اقتصاد حرب بمعنى الحرب على الإرهاب، لكن أقول فى اللحظة التى تواجه مصر فيها أزمة اقتصادية صعبة، نحن نحتاج إلى إعلان اقتصاد حرب بمعنى إعلان حالة من التقشف الشديد وهذا التقشف أو بمعنى أصح شد الأحزمة على البطون بالمعنى الشائع، يجب أن يفعله القادرون والناس فى مواقع السلطة لأنهم من يعطوا القدوة للناس، فمثلًا عندما أجد الحكومة تعقد اجتماعات فى العلمين الجديدة هذا فى الواقع عملية مكلفة جدًا وعندنا هنا مواقع يمكن استخدامها هذا مثال، وسفريات كبار المسئولين ذهابًا وإيابًا كل ذلك تكلفة، طبعًا الشعب عندما يرى القيادة تضرب مثلًا للتقشف سيقوم بذلك دون الاحتياج إلى دعوة لذلك، ويجب إجراء تخفيض ممنهج فى النفقات العامة بحيث نستغنى عن الإنفاق غير الضرورى، ويكون التركيز على الإنفاق الضرورى فى مجالات الصحة والتعليم لتعود على المواطنين بالنفع وعلى البلد بالخير فى نهاية المطاف، لكن أنا أعتقد بواقع خبرتى كاقتصادى ووزير ممارس سابقًا أن هناك ما لا يقل عن ٢٠٪ ربما أكثر من ذلك يمكن الاستغناء عنه فى الموازنة العامة للدولة.

■ ما الأولويات التى يجب مناقشتها فى الحوار والإسراع فى تنفيذها؟
- أهم معوق للتقدم فى مصر هو ارتفاع نسبة الأمية، هناك نص دستورى فى إحدى مواد الدستور يلزم الحكومة بوضع خطة زمنية للقضاء على ظاهرة الأمية ومن يقرأ الدستور سيجد هذا النص، حتى الآن معطلا ولم أر من جانب أى من الحكومات التى ظهرت على الساحة من ٢٠١٤ إلى وقت إقرار الدستور حتى يومنا هذا نتكلم عن ٨ سنوات أن لا يوجد خطة ولا نية لمعالجة ذلك، بالرغم من كل المبادرات التى نسمع عنها للقضاء على الأمية وما إلى ذلك.
وهناك أشياء كثيرة للأسف تقلل الاستهلاك المحلى مثل مكافحة الأسعار، وأندهش جدًا عندما أسمع أن الحكومة لا تألو جهدًا فى مكافحة التضخم، لكن أود أن أرى سياسات تطبق ويحس بها الناس، لأن التضخم أشبه بالسرطان وإذا صار بنسبة خارج السيطرة سيصبح الوضع صعبا، وبالعودة لقضية الأمية أود أن أرى جزءا من قضية التعليم مرتبط بالقضايا الخاصة فى المجال الاجتماعى، وفى رأيى النقطة التى يجب أن تحتل رأس الأولويات لأنها حاكمة جدًا فتح المجال السياسى وله عناوين كثيرة منها حرية نشاط الأحزاب وحرية عقد الاجتماعات، وأنا فى حزب التجمع وأقول إننا لا نستطيع عقد أى اجتماع خارج مقرات التجمع فى المحافظات وهذا غير معقول لأننا حزب شرعى وأريد إعلان نفسى فى الساحة، ولا وجود لنا فى الإعلام الرسمى على الإطلاق وذلك وضع غريب، وينبغى أن يقنن حصة للأحزاب والقوة السياسية فى الإعلام لأنه إعلام الوطن وليس إعلام السلطة.
وظاهرة سجناء الرأى يجب أن تختفى من حياتنا تمامًا لأنها ظاهرة غير مريحة وتعوق جهود كثيرة جدًا جدًا وأعتقد إن صدقت النية يمكن حلها بسهولة، وأقول وجهة نظرى الشخصية كمراقب.
وقانون الإجراءات الجنائية يقول الآتى: مدة الحبس الاحتياطى أقصاه سنتان، ومن يقبض عليه ويحتجز احتياطيا للتحقيق، يحقق معه وإذا مرت المدة إما أن يخلى سبيله أو توجه إليه تهمه ويدخل محاكمة، ولجنة العفو الرئاسى مشكورة تقوم بمجهود لكن فى رأى المنظومة لها منظور مختلف لأنه نتحدث عن ناس محجوزين فى حبس احتياطى وبالتالى هم تابعون للنيابة، السؤال هنا هل النيابة جزء من القضاء أم لا؟ هناك اختلاف بين القانونيين فى ذلك، لكن على فرض أنها جزء من القضاء يقولون إنه لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تتدخل فى شئون القضاء، بالتالى مجال عمل لجنة العفو الرئاسى هى الناس التى تمت محاكمتها، وصدر بشأنها أحكام وفى مرحلة تنفيذ الأحكام فقط، لكن من مكث سنة واثنتين وثلاث وبالتالى تجاوز مدة الحبس الاحتياطى وذلك مخالف للدستور فوضعه معقد جدًا ويقولون إنه لا يمكن التدخل، أنا رأيى أن الموضوع يحتاج إلى نوع من الرؤية السياسية التى تتفهم المسألة على أن هناك حقًا دستوريًا للمحتجز أو ما يسمى سجين الرأى للبت فى حالته فى خلال السنتين التى حددها قانون الإجراءات الجنائية ينص عليها أو يخلى سبيله بعيدًا عن لجنة العفو الرئاسى لأنها مقيدة بموضوع أنه لا تستطيع أن تقترح الإفراج عن ناس إلا من تمت محاكمتهم وصدر بشأنهم أحكام فالرئيس يتدخل بصفته ويقول قررنا العفو عن هذه الحالات، وأنا لا أتكلم عن مجرم أتكلم عن شخص صاحب رأى، وتقديرى الشخصى أن التسريع بعملية الإفراج عن سجناء الرأى هى ليست مستحيلة أقول ذلك بناء على محادثاتى مع الكثير من رجال القضاء والقانون، إذا حدثت ليست صعبة ولن تستغرق وقتًا كثيرًا ولكن المردود السياسى عليها سيكون عاليًا وقويًا جدًا وستترجم فى أشياء كثيرة مما يحدث فى هذا المجتمع وسيكون لها مفعول السحر وهذه القضية أضعها فى البداية فهى نقطة مهمة جدًا وأن تقول السلطة إنها تضع حدًا لهذه الظاهرة لكن المدان أمره منتهى فيصدر بشأنه حكم. 

■ تعبير مشهور يُستخدم الآن بكثرة، وهو «التوافق الوطني»، ماذا يعنى هذا التعبير؟، هل مواءمة بين مصالح فئات المجتمع، أم طرح حلول وسط للقضايا الملحة؟
- طبعًا التوافق تعبير نسبى جديد علينا لأننا تعودنا على مسألة هى أن الأعلى يفرض الأمور على من أسفله، فكلمة التوافق هنا تعنى منظورًا سياسيًا مختلفًا تمامًا للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، بمعنى أن الحاكم له رؤيته وله وتطلعاته وله سلطته كحاكم، وفى نفس الوقت هو لا يحكم رعايا بل يحكم مواطنين وبالتالى من حق المواطنين أن يعبروا عن آرائهم، فمثلا آخر قرار موضوع الأمن الغذائى والسياسى مع الفلاحين، كيف يتم تحويل التوريد للقمح من توريد اختيارى إلى توريد إجباري؟، ومن لا يورد يدفع ضريبة هى أعلى معدل ضريبة فى مصر الآن ولكنها ضريبة بلا قانون، بمعنى أن الفلاح الذى يورد حصته يأخذ على الإردب ٨٨٥ جنيهًا، وفى حالة أن أرضه لم تأت بالمطلوب يدفع عن كل إردب ضعف ثمن الإردب وذلك نص قرار من وزارة التموين هذا ظلم بين جدًا.

■ ترأست هذه الوزارة ورأينا طريقتك فى إدارة هذا الملف، حدِّثنا عن هذه السياسة التى تتبناها الآن وزارة التموين؟
- سأبدأ بفكرة استيراد القمح بأكثر مما يطلبه الفلاح المصرى الذى لا يكلفك عملة صعبة وبالرغم من ذلك يتم استيراد القمح بسعر أعلى وبعملة صعبة تحت شعار أن الدولة لا يجب أن ترضخ للابتزاز!
إذا كانت المسألة مسألة ابتزاز، فمن الذى يبتز من؟ هل الفلاح الذى يبتز الحكومة، الفلاح لا حول له ولا قوة، الحكومة هى التى تتبتز الفلاح لأنه لا يملك بديلًا آخر فيدخل السجن أو يدفع الإتاوة، فعندما كنت وزيرا حددنا رسالة وزارة التموين وهى معبر عنها بشعار مازال موجودا حتى يومنا هذا على موقع الوزارة (أمن غذائى عدالة)، فكلمة أمن غذائى هى أن أنتج غذائى الرئيسى داخل حدودى وأقوم بتأمين المواطن أيا كان على غذائه، وذلك معناه أن التوريد يكون إجباريا عن طريق سعر تحفيزى بالإضافة إلى أدوات أخرى، إنما قضية سعر جبرى بالمناسبة لم يعد فى مصر شيء اسمه أسعار جبرية وتعريفة جبرية للسلع وطُلب منى ذلك عندما ترأست الوزارة ورفضت ذلك وقلت إننا سنعمل بالسعر العادل، وبالتالى من هذا الميزان واستدعاء لسياسة وزارة التموين ورسالتها أقول إن ما سيطبق فى مجال توريد القمح لا هو من العدالة ولا الكفاءة فى شيء على الإطلاق ويحسن بالحكومة تعديل هذه السياسة لأنى ما لم يتم تعديل ذلك أخشى أن فى الموسم القادم لن يصدق الفلاح كلمة الحكومة وبالتالى نصبح فى مشكلة كبيرة جدًا من زاوية الأمن الغذائي.

■ الحديث عن فكرة السياسات الاقتصادية هل ترى أن الملف الاقتصادى - بجانب وجوده فى الحوار الوطنى يحتاج إلى حوار خاص؟
- بالطبع لكن الحوار الاقتصادى هو حوار حول السياسات الاقتصادية بالتالى هو حوار سياسى بامتياز بمعنى أن يشارك فيه القوة والأطراف السياسية المختلفة (اليمين، اليسار، الوسط) بحثا عن المساحة المشتركة التى نتحدث عنها أو التوافق الوطنى بخصوص هذه السياسة، وبناء عليه سواء أتكلم عن السياسة بالمعنى الضيق أو الاقتصاد أو الاجتماع، فنحن بصدد حوار سياسى الحوار الوطنى هو حوار سياسى بمعنى حوار بين القوة السياسية حول أولويات العامة هذا ما جاء فى دعوة الرئيس السيسى إلى الحوار، بالتالى هنا نميز بين التفاصيل الفنية وبين التوجهات غير الرئيسية، وعندما نتحدث عن المشكلة الاقتصادية هناك سؤال مهم جدًا كيف يمكن مواجهة العجز فى الموازنة والكل مجمع على أهمية مواجهة العجز لكن كيف يمكن من خلال فرض المزيد من الضرائب ومنها الضرائب على الفلاحين؟ أم تخفيض النفقات العامة غير الضرورية؟ ويمكن فرض ضرائب لكن على فئات لا تخضع لها، وبخصوص تخفيض الدعم أقول نعم نخفضه لكن نخفض الدعم المسكوت عنه بمعنى الدعم للأغنياء، فهناك حوالى ١٥ شركة اسمها شركات صناعة السيارات فى مصر وهى فى الواقع تجميع سيارات، تكلمنا منذ عام ١٩٨٢ حتى الآن وهى مدة ٤٠ عاما هذه الشركات تستورد مكونات السيارات فى حاويات وتدفع عليها حوالى ١٠ أو ١٥٪ ضريبة جمركية وبعد ذلك تدخلها المعامل الخاصة بها لتجميعها فتخرج السيارة تحت مسمى السيارة تمت الصنع فهى لو استوردت من الخارج مجمعة سيدفع عليها ضريبة ١٠٠٪ فيما فوق وبالتالى أنت تضعين حماية لمنتجى السيارات بنسبة الفرق بين الـ١٠٠٪ وأكثر والـ١٥٪ فذلك دعم وهذه الشركات جميعًا مقيدة فى ظل قانون الاستثمار وبالتالى عندها امتيازات ضريبية وغيرها هذا مثال لدعم الأغنياء.

■ متى يمكن أن نقول إن الحوار الوطنى قد أثمر وحقق أهدافه؟
- يمكننا أن نقول إن الحوار الوطنى قد أتى بثماره إذا أنجزنا الآتى:
١- انفراجة كبيرة فى مسألة الإفراج عن سجناء الرأى وهذه كعربون قبل أن يبدأ الحوار، وأنا لا أدافع عن مجرم إنما أدافع عن صاحب رأي.
٢- ضمنا مساهمة ومشاركة فعالة من جانب كل أطياف اللون السياسى (يمين، يسار، وسط) باستثناء الفئة الذى تحدثنا عنها، لأنه إذا كان هناك مشاركة فعالة من كل الأطياف ومن كل الآراء المتعارضة والحوار معناه أخذ أو عطاء بعيدًا عن لهجة الغالب والمغلوب.
٣- فى الواقع الحوار الوطنى فرصة كبيرة جدًا للتربية السياسية فى المجتمع لأننا تربينا على أن نأخذ التوجيهات من الأعلى ولم ننشأ على أن نعمل أفقيًا وأن نسمع بعضنا البعض ونتحاور ونخرج بشيء جديد، علينا اعتبار الحوار فرصة ذهبية وهذا أحد الدوافع للمشاركة فى هذا الحوار.

■ لم نر تغييرًا فى حقائب وزارية اقتصادية فهل هذا يعنى أن المسار الاقتصادى لن يطرأ عليه أى تغيير؟
- كنت أتمنى لو كان التعديل الوزارى قد خرج بصورة أفضل مما تم، سواء من جانب الإعلام والإعلان عنه، ثانيًا لماذا خرج من خرج وبقى من بقى، ثالثًا أن المجتمع تحت وطأة مشكلة اقتصادية كبيرة كنت أتصور أن الحقائب الاقتصادية تطالها تغيير وهذا ليس من منطلق تغيير أشخاص بآخرين، لكن أقصد أننا نواجه مشكلة كبيرة فى إدارة الاقتصاد المصرى وأنا أشرت إليها أكثر من مرة أنه لا يوجد جهة معينة مسئولة عن إدارة الاقتصاد، بالتالى يتفرق الدم بين القبائل والأداء الاقتصادى يتراجع ولا يوجد أحد يحاسب ولا مسئول، وهذا أمر كنت أحب أن يتم معالجته بدمج وزارات مع بعضها وتعلية نفوذ وزارة بحيث إنها تقود فلا يوجد وزارة اقتصاد فهناك وزارة التخطيط والاستثمار والمالية إنما فى النهاية قانون الطبيعة يقول قوة السلسلة محكومة بقوة أضعف الحلقات فيها فيكفى أن تكون هناك وزارة واحدة ضعيفة فيتأثر الباقى، فيجب إعادة هيكلة الوزارات.

■ هل تغيير طارق عامر كان ضروريًا ولماذا فى هذا التوقيت، وهل ترى أن هذا التغيير سيحل المشكلة، أم أن الأمر يعود لسياسات اقتصادية ليس لها علاقة بما حدث فى البنك المركزى؟
- للبنك المركزى قانون صدر عام ٢٠٠٣ وتم تعديله ونصه أن يعين محافظ البنك المركزى بقرار من رئيس الجمهورية، وهذا معناه أنه لا يمكن إقالة محافظ البنك المركزى، وهذا جزء من فلسفة ضمان استقلالية البنك المركزى فى مواجهة الحكومة، وبالتالى على خلفية تأزم الأوضاع وتراجع الوضع الاقتصادى كان لا بد أن محافظ البنك المركزى استجاب للضغوط والانتقادات وهى كثيرة ويقدم استقالته ويغادر لأنه لا يمكن إقالته، وهذه وجهة نظر علمية فهذا محافظ تواجهه انتقادات والكل يعلم ذلك ليس تخمينا منى فقط، والوضع الاقتصادى وتراجعه الكل يعلم ذلك، فهل ننتظر حين انتهاء مدته العام القادم! أو يقدم استقالته أو يطلب منه أن يقدم استقالته، إنما نحن أمام نص قانون يجب أن نحترمه وأن محافظ البنك المركزى لا يمكن أن يقال بقرار من السلطة، وأقول إن تعيين طارق عامر كان خطأ، وتعيين حسن عبدالله خطأ آخر، لأن محافظ البنك المركزى فى كل بلاد العالم منصب لا يحتله إلا شخصية اقتصادية بمعنى أن يكون عنده تأهيل اقتصادى على الأقل ماجستير اقتصاد. طارق عامر كان حاصلا على بكالوريوس إدارة أعمال، ونفس الشيء مع حسن عبدالله، الناس تتصور أنهم لهم خبرة فى مجال البنوك فهذا يؤهلهم لقيادة البنك المركزى، فالبنك المركزى هو بنك بالاسم فقط على خلاف كل البنوك، فهو بنك البنوك لإشرافه ومتابعته لكل البنك وبنك الحكومة لأنه المسئول عن حسابات الحكومة من الداخل والخارج وهو أيضا السلطة النقدية التى تشرف على إصدار البنكنوت وبالتالى مسئول عن قيمة العملة الوطنية، فى المجال الاقتصادى العملة الوطنية تعادل فى المجال السياسى علم البلاد، فتنكيس العلم أو خلعه من مكانه شيء رهيب ونفس الشيء مع عملة البلد فنحن نتوجع عندما نجدها هى علم البلاد فيتنكس، والمسئول هنا هو البنك المركزى، ودائما مانسمع نفس الكلام، فرفع نسبة الفائدة لمحاربة التضخم خطأ فادح مين يقول إن ذلك صحيح! التضخم فى مصر ليس ناتجا عن زيادة الطلب إنما ناتج عن زيادة التكاليف وعربدة الاحتكارات، وأنا أعنى ما أقول، فيترك كل ذلك ويرفع نسبة الفائدة! الديون هتزيد لأن الحكومة مدينة حتى النخاع كل رفع فى سعر الفائدة يترجم لعدة مئات المليارات فى الإنفاق لأنه أكبر بند فى الموازنة العامة الحالية هو الدين (أقساط وفوائد) وهذا سيؤدى إلى أن مدفوعات الفوائد ستزيد فهذه سياسة غشيمة لكن لأنه من يأخذ القرار لا يملك تكوين اقتصادى من الأساس ولا تقويم مصرفى، وأقول إننا نحتاج إلى شخصية اقتصادية على أعلى مستوى لتكون مسئولة عن هذه الحقيبة الحساسة فى الواقع منصب محافظ البنك المركزى أكثر أهمية من منصب أى وزير فى الحكومة والدليل على ذلك أنه من الجانب الوظيفى يعادل منصب نائب رئيس وزراء.