أشادت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، في عددها الصادر اليوم الأحد، بسياسات رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الاقتصادية، والتي أكدت أنه استطاع بالفعل تحويل أزمة الطاقة التي تعاني منها اليابان حاليًا إلى فرصة نووية.
وأصدر رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، يوم الأربعاء الماضي، توجيهات لحكومته بدراسة تطوير مفاعلات نووية أصغر حجما وأكثر أمانا؛ بعد سنوات من إغلاق العديد من محطات الطاقة في البلاد عقب كارثة مفاعل "فوكوشيما دايتشي" التي نجمت عن زلزال قوي وموجات مد عاتية "تسونامي" ضربت البلاد في مارس 2011، رغم اعتراض العديد من ناشطي البيئة والمجتمعات المحلية.
وأوضحت الصحيفة - في سياق تقرير نشرته عبر موقعها الإلكتروني - أن كيشيدا كرر كلمة "أزمة" في وثيقة من 27 صفحة، رافقت خطبة أدلاها يوم الأربعاء الماضي إلى الأمة حول أكبر تحول في السياسات النووية لليابان منذ 11 عامًا، 7 مرات.
واعتبرت الصحيفة أن كيشيدا تمكن من خلال تكرار هذه الكلمة من تلخيص الأسباب التي دفعته إلى المخاطرة برأس ماله السياسي من أجل إنهاء حالة الشلل التي أصابت قطاع الطاقة في البلاد منذ كارثة فوكوشيما دايتشي النووية في عام 2011.
وذكرت الصحيفة "أن هناك أزمة الطاقة العالمية وارتفاع أسعار السلع التي أعقبت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي وجهت بالفعل ضربة قوية لدولة فقيرة بالموارد تستورد معظم طاقتها.. ثم كانت هناك مخاوف من انقطاع التيار الكهربائي في طوكيو هذا العام، والتي أدت إلى جانب ارتفاع فواتير الكهرباء إلى تخفيف حدة المعارضة الشعبية لإعادة تشغيل المفاعلات النووية؛ والتي كانت تولد طاقة نووية تكفي ثلث الكهرباء في البلاد قبل فوكوشيما، ولكن الآن ستة فقط من 33 مفاعلًا قابلًا للتشغيل تعمل على الإنترنت".
كذلك، سلطت الصحيفة الضوء على تنامي الشعور بالإحباط، لا سيما بين قادة الأعمال، من أن أي تعهدات بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050 ستصبح بلا جدوى إذا استمرت الدولة اليابانية في حرق المزيد من الفحم والغاز الطبيعي وزيت الوقود لتعويض الطاقة النووية المفقودة.
وتعليقًا على ذلك، قال جورج بوروفاس رئيس قسم الممارسات النووية في مؤسسة "هنتون أندروز كورت" في طوكيو، في تصريح خاص للصحيفة:" لقد كانت العاصفة مثالية.. وأحيانًا في السياسة تكون أفضل هدية يمكن أن تحصل عليها هي التوقيت المناسب.. وكيشيدا يمر بهذه اللحظة الجيدة من حيث التوقيت اللازم لتنفيذ شيء ما يجب أن يحدث".
وكان رئيس الوزراء قد ألمح بالفعل عدة مرات على مدار العام الجاري إلى أن حكومته ستمضي قدمًا في إعادة تشغيل محطات الطاقة النووية المُتوقفة، لكن إعلانه عن النظر في بناء المزيد من المحطات النووية الجديدة - بعد تجاهل هذه الاحتمالية مرارًا وتكرارًا - كان مفاجأة //بحسب قول الصحيفة//.
وفي هذا، أكدت "فاينانشيال تايمز" أن هذه المغامرة السياسية الكبيرة جاءت أيضًا بالتزامن مع لحظة حرجة تعيشها إدارة كيشيدا؛ حيث انخفضت نسبة التأييد الشعبي للوزارة بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة بعد الكشف عن علاقات مشكوك فيها بين أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم وكنيسة التوحيد، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق شينزو آبي.
وتابعت تقول " أن ملف أمن الطاقة لم يكن نقطة الضعف الوحيدة التي كشفتها الحرب في أوكرانيا داخل اليابان؛ حيث تسببت الأزمة الأوكرانية في أن تُدرك اليابان مدى ضعف استعدادها لو أقدمت الصين على خطوة مماثلة في تايوان.. لذلك، سوف يحتاج كيشيدا إلى ضرورة التوفيق بين التحدي المتمثل في إعادة بناء برنامج الطاقة المتعثر في اليابان مع تجديد استراتيجية الأمن القومي للبلاد لأول مرة منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
وقال محللون - في تصريحات خاصة للصحيفة - إن الفشل في إدارة هاتين الأزمتين قد يكون له تأثير كارثي على كل من إدارة كيشيدا ومستقبل اليابان برمته، حيث أن التحدي الذي تفرضه هذه الأزمات ليس صغيرا، لاسيما وأن معدل المعارضة وانعدام الثقة لايزال يتعمق داخل المجتمعات المحلية فيما يتعلق بإعادة تشغيل الطاقة النووية.
وأكد مجتمع الأعمال، مع ذلك، أنه مهما كانت المخاطر في إحياء الطاقة النووية، إلا أن الأمر يستحق المخاطرة من أجل تعزيز القدرة التنافسية الصناعية لليابان حيث طالما أدت التكاليف المرتفعة لتشغيل المصانع المحلية إلى وضع الشركات المصنعة في البلاد في وضع غير مؤات لمنافسيها الألمان. وفي غضون ذلك، فقدت الصناعة النووية اليابانية المعرفة والمهندسين القيّمين في العقد الذي تلا حادثة فوكوشيما.