شهدت مصر خلال الأيام القليلة الماضية فاجعة أحزنت قلوب الجميع، في الداخل، والخارج، حيث وقع حريق يوم الأحد 14 أغسطس الماضي، بكنيسة أبي سيفين الأرثوذكسية، بمنطقة إمبابة، أثناء القداس الإلهى، وأسفر الحريق عن وفاة 41 شخصًا، من بينهم 18 طفلا، فيما أصيب 14 آخرين، كما راح ضحية هذا الحريق القس عبدالمسيح نجيب، كاهن الكنيسة.
وتوالت بعدها سلسلة من الحرائق، في أماكن متفرقة في بعض محافظات البلاد، معظمها كانت بالكنائس، أو بالقرب منها، نذكر منها حريق في كنيسة الأنبا موسي بالهرم يوم 15 أغسطس، وحريق في كنيسة الأنبا بيشوي بالمنيا الجديدة يوم 16 أغسطس، وحريق محدود في كنيسة السيدة العذراء، والشهيد أبانوب، بمنطقة أوسيم، بمحافظة الجيزة، وحريق محدود أخر بدير العذراء مريم بدرنكة، أسيوط.
وقد أثارت هذه الحرائق شكوك البعض، وحفيظة البعض الآخر، وفتح الباب واسعًا أمام الشائعات التي من شأنها زعزعة أمن، وسلامة، واستقرار البلد.. "البوابة نيوز" استطلعت آراء بعض المصادر في هذه الحرائق المتوالية، في محاولة للوقوف على أسبابها، ومكامن الخطر المؤدية لها، ومناقشة إمكانية منعها، أو تجنبها، مع طرح خطط، وحلول مستقبلية.
بدأنا مع كمال زاخر، الناشط والباحث في الشأن القبطي، وعن خطورة التكدس في حال التعرض لمثل هذه الكوارث، وإن كان ثمة نظام معين للتعداد يشترط الاعتماد عليه في تنظيم الحضور، قال إن التكدس له أسباب مختلفة، ومتعددة، قد يكون بسبب المساحة الصغيرة لبعض الكنائس، أو موسم دينى متميز، ومقدس عند الكل، غير أن الاعتياد على التكدس تحول إلى نسق حياة فى كل تفاصيل اليوم.
وعن الشموع، التي تسببت، بحسب التحقيقات الأمنية، في حريق كنيسة الأنبا بيشوي بالمنيا الجديدة، وهل يمكن منع مثل هذا الطقس من الكنائس فيما بعد، أوضح 'زاخر' أن الشموع موجودة فى كل الكنائس، فى جميع دول العالم، وبامتداد قرون، ولها دلالات كنسية، وروحية، ولا يمكن القياس بعلة استثنائية؛ مشددًا على ضرورة الفحص مرة أخرى وراء سبب الحريق، مرجحًا أن الإهمال، والتراخي يأتيان فى مقدمة الأسباب.
وعن البخور وإشعاله، وهل تحمل هذه الممارسة الطقسية مخاطر مواجهة حرائق قال "زاخر": "إشعال البخور لا يتم بشكل موسع، أو فى أى مكان، بل له نظام بسيط، ومحجم، وبطرق آمنة، ولم يكن يوماً مصدر للحرائق".
أما أفران خبز القربان، واحتمالية وجود زجاجات تحوي مواد سريعة الاشتعال، والتي من الممكن استخدامها في بعض الأغراض، فقد نفى "زاخر" وجود مثل هذه الزجاجات داخل الكنائس، مشيرًا إلى أن أفران القربان الحالية حديثة وآمنة تمامًا.
ونأتي إلى المولدات الكهربائية، والتي تسببت في كارثة كنيسة أبي سيفين بمنطقة إمبابة، وعن الخطر الذي تشكله هذه المولدات؛ أكد "زاخر" أن استخدامها مرتبط بتكرار انقطاع التيار الكهربائى، والذى تم علاجه على مستوى الجمهورية، مضيفًا أن المشكلة ليست فى استخدام المولدات، إنما فى قصور الخبرة فى التوافق بينها، وبين شبكة الكهرباء العمومية، وعدم توفر القواطع الكهربائية الأوتوماتيكية اللازمة لهذه الازدواجية.
وفي مواجهة مع المشكلة الأكبر، والأهم، ألا وهي لجوء الأقباط للتحايل، لقلب منزل، أو أبنية غير مخصصة لتصبح كنائس؛ قال الناشط القبطي كمال زاخر، إن هذا الأمر كان نتيجة تعنت الأجهزة الحكومية قبل صدور قانون بناء الكنائس، ولكن الكنيسة لن تلجأ للتحايل لغياب الاضطرار، مطالبا بتوفير أراضٍ مناسبة بمساحات تسمح بتوفر عناصر الأمان الهندسية بحسب كود البناء المعتمد.
وفي ختام حوارنا معه؛ نَظرنا إلي مستقبل الكنائس، وما هي الخطة الفعالة، والفعلية، التي من شأنها تأمين الكنائس من أي مخاطر محتملة، قال "زاخر" إن الحديث عن المستقبل مرهون بموقف كل الأطراف، وفى مقدمتها الأجهزة الحكومية ذات الصلة، سواء فى الإدارة المحلية أو الأجهزة الأمنية أو أصحاب القرار، فضلاً عن الموقف الشعبي، والذهنية السائدة، وشيوع التشدد، وتوظيفه سياسيًا من قبل الجماعات الدينية السياسية.
ويتابع "زاخر" حديثه قائلا: "يشترط توافر أنظمة إطفاء حرائق مناسبة، والأجهزة الحكومية ذات الصلة تقوم بالتفتيش الدورى عليها، وظني أن عيوب الأداء فى الدولاب الحكومى يمكن أن يحول هذا التفتيش إلى إجراء ورقى.
ويختم "زاخر" تصريحاته بقوله: "لا بد من توفير تدريب للشعب الكنسي على التعامل مع مثل هذه الحوادث الخطيرة، عبر برامج توعوية مبسطة، مع وضع لوحات إرشادية داخل الكنائس".
وقد كان للقمص ملاك بشارة عزيز، كاهن كنيسة العذراء السنارية، ببني مزار، رأي فيما يخص طقس إشعال البخور، والمخاطر المحتملة، حيث قال: "البخور فى الكنيسة أمر جوهري، وإلهي، حيث أمر الرب بصنع مذبح البخور لتُرفَع عليه، كما جاء في نص (الخروج ١:٣٠) قال الرب لموسى: "وتصنع مذبحًا لإيقاد البخور".
ويتابع الكاهن ملاك: "نحن الآن فى الكنيسة عندما نستخدم البخور، يتم وضعها فى المجمرة، ولا يتسبب هذا فى إشعال نار، أو تطاير شرار".
وينوه الأب ملاك إلي أن ما قد يؤدي إلي حرائق هو الفحم المشتعل قائلا: "يجب أن يكون الشماس، والكاهن، حريصًا جدًا ألا يسقط فحم مشتعل من المجمرة، وأن يتم إشعالها خارج الكنيسة".
كما يؤكد أن طقس الكنيسة يرفض أن يكون الفحم له ألسنة نيران أثناء الصلاة، أو الدورة بالمذبح، أو الكنيسة، فضلا عن أن كثيرًا من الكنائس تستخدم الفحم سريع الاشتعال، فهو أكثر أمانًا من العادي.
ولمزيد من آراء الخبراء، وأصحاب الرؤى تواصلت "البوابة" مع ماهر عزيز، وكيل أول وزارة سابق للدراسات البيئية بكهرباء مصر، فيقول: "يمكن للتكدس أن يكون له دور في زيادة عدد الضحايا، لكن بالتأكيد ليس له دور مطلقا في استثارة الحادثة ذاتها وإشعالها، ولكن بصفة عامة يفضل تخفيف التكدس، وتنظيمه، تحسبًا للحوادث الخطيرة ومنها الحرائق".
ويتابع "عزيز": "لابد أن تراعي الكنائس كلها تعدد المخارج، والكنائس التي ستجد صعوبة في ذلك، عليها بالبحث عن بدائل لتأمين الخروج، وعلى الكنائس الجديدة أن تضع في حساباتها تعدد المخارج في التصميم، والتشييد منذ البداية".
ويرفض "عزيز" بشدة اعتبار الشموع الكنسية مصدرا للخطر قائلا: "منذ مطلع الكنائس وهي تستخدم الشموع، دون أن يسجل التاريخ المكتوب كله احتراق إحداها في الشرق، أو في الغرب بسببها".
ويتابع: "الشموع أحد الرموز الروحية الجميلة التي يتعين الحفاظ عليها، وأعتقد فيما يبلغ حد اليقين أن الشموع بريئة من أي حريق".
وبالمثل يتحدث الخبير البيئي ماهر عزيز عن "الشورية" المستخدمة في إشعال البخور، قائلا: "لم نسمع أبدًا عن حدوث أي حرائق من استخدام الشورية في إيقاد الفحم، وهذا علي مدي ألفي عام حتي الآن، لكن للزيادة في الحرص يتعين أن تكون هنالك إرشادات تصدر عن لجنة عليا للهندسة، والأمان، وتوزع علي جميع الكنائس، وتتم متابعة تنفيذها".
ويستمر ماهر عزيز ،استشاري الطاقة والبيئة، قائلا: "أستبعد أن تكون مولدات الكهرباء الاحتياطية في الكنائس سببًا مباشرًا للحريق، لأن تشغيلها يقتضي أن تعمل حال انقطاع الكهرباء من الشبكة، وتُفصَل عن التشغيل بمجرد عودة التيار، ويتم ذلك أوتوماتيكيا دون أي تدخل بشري".
ومن أجل إجراءات أمان أكثر يشدد "عزيز" على تجنب وجود أي مواد قابلة للاشتعال داخل الكنائس، محذرًا: "هنالك إجراءات مشددة ينص عليها قانون حماية البيئة لتداول المواد الخطرة، ومنها المواد سريعة الاشتعال، هي تشمل التخزين، والاستخدام، وطرق التخلص منها، وقد آن الأوان أن تطبق هذه الإجراءات بمنتهي الصرامة، تحت تفتيش دوري من البطريركية، وأجهزة البيئة".
وعن وسائل مكافحة الحرائق يقول "عزيز": "أعتقد أن نظم بناء الكنائس لم تضع في حسبانها حتي الآن إرفاق أنظمة مكافحة الحرائق، إلا في بعض الكنائس الحديثة".
ويكمل بقوله: "قد أصبح لزامًا على كل كنيسة، أن تكلف مكتبًا هندسيًا لتزويدها بنظام تأمين ضد الحرائق، وأن تتشكل لجنة هندسية بطريركية، للإشراف علي إنجاز هذه المهمة في أسرع وقت ممكن".
وأخيرًا يشير ماهر عزيز إلي صعوبة تحويل أي مبنى، أو مسكن إلي كنيسة، فيقول: "إن إجراءات الترخيص للكنائس الجديدة يتعين أن تسير في مسارها بإشراف البطريركية دون الحاجة لأي إجراء استثنائي خاص، كما أن صدور القانون الجديد لبناء الكنائس، جعل من الصعب السماح مستقبلا بتحويل أي مبنى إلى كنيسة".
ويختتم "عزيز"حديثه لــ"البوابة نيوز" موجهًا نصحه للكنائس بضرورة التوعية، والتثقيف فيما يخص أساليب الأمان، والتأمين، مؤكدًا أن مسؤولية الكنائس خطيرة في التوعية بالالتزام بإجراءات السلامة، وتطبيقها بكل اهتمام، وأمانة.