بعد ستين عامًا على استقلال الجزائر، وبروح إعلاني الجزائر لعامي 2003 و 2012 ، تجدد فرنسا والجزائر الروابط الإنسانية الاستثنائية التي توحدهما، وعزمهما علي تعزيز صداقتهما وترسيخ إنجازاتهما في مجال التعاون والشراكة، بالإضافة إلي التزامهم بوضع علاقاتهم في دينامية تقدم لا رجعة فيه يتناسب مع عمق روابطهم التاريخية وكثافة تعاونهم.
في بيان مشترك لقصر الاليزيه وقصر الرئاسة الجزائرية ، حصلت "البوابة نيوز" على نسخة منه، أكدت الدولتان أن الوقت قد حان لتفضيل قراءة موضوعية وصادقة لجزء من تاريخهما المشترك، مع مراعاة جميع مراحلها من أجل فهم المستقبل في استرضاء واحترام وتقدير انتمائهم إلى نفس المنطقة الجغرافية المتوسطية.
تتفقت الدولتان على تعزيز انتمائهما إلى نفس المنطقة الجغرافية المتوسطية، وتقاربهما السياسي وتكاملهما الاقتصادي لبناء علاقة استراتيجية تقوم على الثقة المتبادلة والحوار المتجدد.
وقررت فرنسا والجزائر تدشين حقبة جديدة في علاقاتهما ككل من خلال إرساء أسس شراكة متجددة، يتم التعبير عنها من خلال نهج ملموس وبناء، موجه نحو المشاريع المستقبلية والشباب القادر على إطلاق العنان لإمكانات تعاونهما، وتمشيا مع تطلعات شعوبها.
هذه الشراكة المميزة الجديدة، التي أصبحت مطلبًا تمليه تصاعد الشكوك وتفاقم التوترات الإقليمية والدولية، توفر إطارًا لتصميم رؤية مشتركة ونهجًا متضافرًا بشكل وثيق لمواجهة التحديات العالمية الجديدة (الأزمات العالمية والإقليمية، تغيير المناخ، والحفاظ على التنوع البيولوجي، والثورة الرقمية، والصحة، وما إلى ذلك، في خدمة السلام والاستقرار والتنمية، بما يتوافق مع القانون الدولي وبروح التعددية.
في هذا السياق، تعتزم فرنسا والجزائر لعب دور مركزي في تعزيز الشراكة بين أوروبا وأفريقيا، وبناء منطقة متوسطية للسلام والتنمية والازدهار المشترك. ولهذه الغاية، أعربا عن رغبتهما في تحديد أجندة مشتركة للمستقبل بحلول عام 2030 وإبرام ميثاق شبابي جديد.
الحوار السياسي
تعتبر فرنسا والجزائر أن الوقت قد حان لتقييم الأطر القائمة للتعاون الثنائي. وتحقيقا لهذه الغاية، قررت الدولتان تعزيز المشاورات السياسية التقليدية بينهما من خلال إنشاء "المجلس الأعلى للتعاون" على مستوى رؤساء الدول، والعمل معًا بروح من الثقة والاحترام المتبادلين على تعميق وتصميم الاستجابات المناسبة للقضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وسيشرف المجلس الأعلى للتعاون على أنشطة مختلفة وآليات التعاون الثنائي وسيقدم إرشادات عامة حول المحاور الرئيسية للتعاون والإجراءات الملموسة للشراكة وتقييم تنفيذها.
وستجرى زيارات وزارية ثنائية في جميع المجالات المعنية على أساس منتظم لضمان المتابعة.
بالنسبة لقضايا الدفاع والأمن، سيجتمع رئيسا الدولتين ومسؤولي البلدين على غرار اجتماع زرالدة في 26 أغسطس 2022، كلما لزم الأمر. وسينعقد هذا المجلس الأعلى كل عامين بالتناوب في باريس والجزائر حسب الإجراءات التي سيتم تحديدها فيما بعد.
التاريخ والذاكرة
يلتزم الطرفان بضمان إدارة ذكية وشجاعة للقضايا المتعلقة بالذاكرة بهدف فهم المستقبل المشترك بهدوء والاستجابة للتطلعات المشروعة لشباب البلدين.
من هذا المنظور، وافقت الدولتان على إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين تكون مسؤولة عن العمل على جميع أرشيفاتهم من الفترة الاستعمارية وحرب الاستقلال. ويهدف هذا العمل العلمي إلى معالجة جميع القضايا، بما في ذلك تلك المتعلقة بفتح وإعادة المحفوظات والممتلكات والجثث لمقاتلي المقاومة الجزائريين، وكذلك التجارب النووية والمفقودين، وفقًا لجميع المذكرات. وسيخضع عملها للتقييمات المنتظمة على أساس نصف سنوي.
كما يتفق الطرفان على إنشاء، في فرنسا والجزائر، أماكن ستكون مساحة متحف وكذلك مكانًا للإبداع والحوار وتبادل الشباب الفرنسي الجزائري. وستستقبل هذه الأماكن الباحثين والفنانين والشباب من فرنسا والجزائر الذين سينفذون مشاريع مشتركة.
وسيتم تعزيز العمل على صيانة المقابر الأوروبية وتعزيز تراثها الجنائزي الاستثنائي.
البعد الإنساني والتنقل
إدراكًا من البلدين بأن الروابط الإنسانية تشكل بامتياز ناقل للتنشيط الفعال للشراكة الثنائية، يتفق الطرفان على الانخراط في التفكير لبناء حلول ملموسة وعملية قادرة على تلبية توقعات كل منهما بحيث يمكن تنقل الأشخاص بين البلدين. ويتم تنظيمه والإشراف عليه ليحترم بالكامل قوانين ومصالح وقيود الدولة المضيفة مع تعزيز التبادلات البشرية المرتبطة بالديناميات الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية والسياحية بين دولتين ومجتمعين يشتركان في روابط متعددة.
يتفق الطرفان على تحديد ملامح تعاون أكبر في هذا المجال، بهدف تشجيع التنقل بين البلدين، ولا سيما للطلاب ورجال الأعمال والعلماء والأكاديميين والفنانين ورؤساء الجمعيات والرياضيين. وتنفيذ المزيد من المشاريع المشتركة.
كما يتعهدان بتعزيز الإمكانات التي يمثلها الجالية الجزائرية في فرنسا والمواطنون ثنائيو الجنسية في تطوير العلاقات الثنائية ودعم المشاريع التي تنفذها هذه الجهات الفاعلة في هذا الاتجاه في فرنسا والجزائر.
الشراكة الاقتصادية وانتقال الطاقة
تقرر أن تعطي فرنسا والجزائر زخما جديدا لعلاقاتهما الاقتصادية لتعزيز شراكة متوازنة لصالح البلدين، مع وضع ذلك في الاعتبار، يعتزمون تعزيز إحياء التبادلات الاقتصادية الخاصة بهم وتشجيع تطوير الشراكات بين شركاتهم وكذلك البحث من أجل الابتكار. وستركز هذه الجهود على قطاعات المستقبل كأولوية، بما في ذلك الطاقات الرقمية والمتجددة والمعادن النادرة والصحة والزراعة والسياحة.
واتفق الطرفان على التعاون معًا في مجال نقل الطاقة - لا سيما من خلال التعاون في مجالات الغاز والهيدروجين. كما اتفقا على إطلاق برنامج بحث ابتكاري تقني حول استعادة غاز الشعلة ومعالجته.
وينبغي أن يؤدي هذا الانتعاش إلى زيادة الاستثمار والحفاظ على الوظائف وخلقها في البلدين، لا سيما للشباب، من خلال المشاركة الوثيقة للمشغلين الاقتصاديين من كلا البلدين. ومن هذا المنظور، سيضمن الطرفان التشغيل السريع لصندوق الاستثمار المشترك المصمم لدعم جهود الإنتاج والاستثمار المشترك.
كما اتفق الطرفان على العمل على تطوير البنية التحتية اللوجستية على ضفتي البحر الأبيض المتوسط.
التعاون التربوي والعلمي والثقافي والرياضي
أعاد الطرفان التأكيد على رغبتهما في متابعة وتكثيف التعاون الثنائي في المجالات التربوية والعلمية من خلال التحديد المشترك لأولوياتهما وتطلعاتهما، بروح بناءة دفعتهما دائمًا.
واتفقت الدولتان على إعطاء دفعة جديدة لتعاونهما الثقافي، لا سيما في مجال الإبداع السينمائي والإنتاج والتدريب، وقد أعادا التأكيد على التزامهما بمواصلة تعزيز التأثير الثقافي المتبادل في البلدين.
كما اتفقا على إطلاق برامج بحثية لحماية البحر الأبيض المتوسط وتنوعه البيولوجي والبيئة بشكل عام. واتفق الطرفان على تعزيز تعاونهما في مجال الحفريات الأثرية، خاصة في منطقة تيبازة، وتعزيز تدريب علماء الآثار. وسيتم تعزيز التعاون بين معهد باستير في فرنسا ومعهد باستير في الجزائر لتشجيع تنقل الباحثين وتنفيذ برامج بحثية مشتركة.
وبنفس الطريقة، سيتم تعزيز التعاون بين مركز البحوث الوطني للدراسات السياسية الفرنسية (CNRS ومركز DGRSDT) من أجل خلق إجراءات هيكلية في مجال البحث.
الشباب
قررت فرنسا والجزائر إبرام ميثاق جديد للشباب، يغطي جميع الأبعاد وينتج عنه تنفيذ مشاريع ملموسة، بما في ذلك: إنشاء حاضنة للشركات الناشئة في الجزائر، ودعمها من قبل الهياكل العامة والخاصة التي تم تطويرها بالفعل، بهدف إنشاء شبكة من الحاضنات على جانبي البحر الأبيض المتوسط. وتطوير مجالات التدريب، من خلال تكثيف التعاون الجامعي والتعليم العالي في ميادين المستقبل، بما في ذلك على سبيل الأولوية، الاقتصاد الرقمي، وانتقال الطاقة، والصناعات الثقافية والصحة، على وجه الخصوص، وتنفيذ وتسهيل شروط التنقل الإيجابي بين البلدين.
كذلك دعم المشاريع الاستثمارية المستقبلية في فرنسا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، التي بدأتها بشكل خاص الشركات الصغيرة والمتوسطة، من خلال صندوق بقيمة 100 مليون يورو لرواد الأعمال من المغرب العربي في الشتات، والذي سيتم إنشاؤه في مرسيليا.
كما اتفقا علي التعاون في مجال التنمية المشتركة للقطاعات السينمائية من خلال إنشاء مساحات إبداعية معاصرة مشتركة واستوديوهات وتدريب في مهن الأفلام، وتكثيف الجهود لاستقبال الفنانين من البلدين وبالتالي تشجيع الإبداع الفني المشترك.
واتفقا علي تكثيف التعاون الرياضي، من خلال تنمية التبادلات بين الاتحادات الرياضية، والتدريب في المهن الرياضية، والبنية التحتية والمعدات الرياضية، وإدارة الأحداث الرياضية الكبرى.
وسيتم بذل جهد مشترك لتشجيع ترجمة الأعمال بين الفرنسية والعربية.
التيسير المتبادل لافتتاح مدارس جديدة
سيتم إعداد تقرير مرحلي، يشارك فيه جميع الفاعلين في القطاعين العام والخاص بالإضافة إلى قادة المشروع، كل ستة أشهر لتقييم التقدم المحرز وإعطاء دفعة جديدة.
وقع البيان في الجزائر العاصمة، 27 أغسطس 2022 .