الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الغزو الثقافي للشباب بين الضياع والتقدم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الغزو الثقافي قد لا يكون هناك أي مبالغة في القول عند ربط العنف وانتشار الجريمة بالمجتمع بالغزو الثقافي.


فكثير من المفكرين الذين يرون أن الأمر (الغزو الثقافي)، لا يبدو أن يكون انفتاحًا فكريًا علي الثقافات والحضارات الأخري وتفاعلا  صحيًا علي جميع الدول ومن ثم فلا داعي من الحذر والخوف وأن الحالة تدعو للأمل والابتهاج، وأن لا خلاص مما نحن فيه من تخلف وانهيار إلا عن طرق الأخذ بأفكار الغرب المتقدم وتبني أساليب الثقافة الغربية وأدى هذا الطريق المظلم والثقافة الغربية إلى ترك قيمنا ومبادئنا وتقاليدنا وضياع شبابنا وانتشرت الجريمة والعنف بين أبنائنا في البيوت والميادين والشوارع المصرية ومدارسنا وجامعاتنا وكل ما يحدث من عنف وجرائم، والسبب الأساسي فيه هو الغزو الثقافي.           


ونصل هنا إلي ماذا يقصد بالغزو الثقافي، وكلمة الغزو تعني القصد والسير إلى قتال الاعداء في ديارهم ونهب خيراتهم  وقهرهم والتغلب عليهم، أما كلمة الثقافة فهي تعني مجموع العادات والتقاليد والأفكار التي تظهر في المجتمعات وهي أيضا طريقة الحياة  فهي تحدد المثل. 
والنماذج التي يجب أن يعيش الفرد وفقًا لها، وبذلك يصبح الغزو الثقافي تدمير المقومات والقوي الداخلية للأسر والمجتمعات وذلك لعزلها وإبعادها عن معتقداتها وقيمها  بالتشويه والتحطيم وتصل إلي فرض الفتن ومحو اللغة  الأصلية لتلك الدول التي تأخذ بالغزو الفكري والحضاري ومن ثم فإن الغزو الثقافي يقصد به إغارة الأعداء علي الدول العربية  بأساليب مختلفة  عن الحروب والأسلحة ولكن بما يسمي التحديث والتطور وتواصل الحضارات وذلك أشد من الغزو العسكري وقهر الشعوب وتحقيق أهداف عسكرية واقتصادية ولكن عن طريق الغزو الثقافي والإشراق والتقدم التكنولوجي ووسائل الاتصال الحديثة ونظرت التعالي والكبرياء والفوقية والتعصب والعنف والسيطرة والتحكم في كل شيء.

 

وبناء عليه نستنتج ما يلي من خلال الغزو الثقافي:
محاولة بعض الدول الغربية فرض  لغتها الخاصة كما فعلت فرنسا سابقا  في الجزائر وغيرها، وتقديم بعض المعونات والتمويل لبعض الدول العربية لنشر لغات وثقافات وعادات وتقاليد الدول الغربية، وإدعاء الغرب أنهم أرقى الحضارات القديمة كالحضارة اليونانية والرومانية وهما أصحاب التقدم والازدهار، علاوة على المنح الدراسية التي يمولها الغرب لأبناء الدول العربية، وانبهار أبناء الشرق بالتقدم العلمي الحديث في الغرب ليصبحوا فريسة  سهلة والتقليد دون تميز وضياع الهوية  العربية وتكون سبب للإرهاب والتطرف والدعوة  للتغير، وظهور بعض أشكال الغزو الثقافي في تغريب اللغة واعوجاج اللسان باللغة الغربية وكذلك تغريب التعليم واكتساب السلوكيات والمظاهر التي تدعو للعنف والجريمة، وسائل الإعلام التي تؤكد علي تقدم الغرب سواء مكتوبة أو مسموعة  في بلادنا وضياع الخصائص والثقافة الإسلامية والحضارة العربية والفرعونية تظل  حرب ممنهجة تحت شعار الحرية والتقدم.


وعلى ذلك  فإننا أمام حرب أشد من الأسلحة تأثيرا في العقول والمشاعر وأكثر جاذبية  بأفلام السينما والمسلسلات التلفزيونية ونشرها على أنحاء العالم لهدم البيوت وانتشار العنف والجريمة.
وعلينا  الرجوع إلى قوميتنا العربية والمصرية والتمسك بعاداتنا وتقاليدنا والخصائص المميزة لنا والمبادئ المصرية الأصيلة لمحاربة العنف الذي انتشر بصور غريبه وتقليد شبابنا تلك الثقافات التي تدعو إلي العنف والجريمة ليظهر أمام عين الجميع القتل بالجامعات وبين طلاب المدارس وجرائم الاغتصاب وعقوق الأبناء الآباء والأمهات والفشل في كل شيء في التربية والتعليم والعمل  ليصبح الشباب بين الضياع والتقدم.
ومما استرعى انتباهي، القدرة العجيبة لوسائل الإعلام علي الزحف  والتلون والتخفي للتوصل إلى مآربه جرعات إعلامية وضع السم في العسل لإحداث ذاك التأثير الثقافي بخطط معدة سلفا من خلال برامج برعاية أجانب  في الرقص والغناء يذاع على فضائيات معينة، مسلسلات تلفزيونية بها عبارات خادشة للحياء  ومصطلحات سيئة وضياع اللغة العربية، وإظهار كل ماهو سيء من بلطجة وخلافه.
وتعظيم دور النصاب وجلب تعاطف الناس طوال العمل الدرامي حتي آخر حلقه كما في مسلسل العراف، وزعزعة ثقة  المواطن في بلدة وترغيبه في المغادرة  الي دولة أوربية، حيث العدالة الاجتماعية والحريات التي يتشدقون بها...إلخ 
وأود ذكر أمثلة أخرى للغزو الفكري منها:
وسائل التواصل الاجتماعي:
التأثير الأكبر حاليًا علي  المجتمعات عامة، وخاصة في الدول العربية، فقد استطاع الأفراد من الأطفال وحتى الشيوخ وضع العالم في جيوبهم على شكل هاتف خلوي، لذا أصبح من السهل أن يقعوا في الفخ، ولا يوجد زاوية يمكن الإفلات منها، ولو تم ذلك لأصبح رتم الحياة بطيئًا ثقيلًا مملًا  مع ظهور العولمة بدأ التغريب يؤثر على الثقافة الفنية في كل بلد، وفرض الثقافات الغريية التي يتناقلها المواطنون والأفراد من خلال سفرهم، وبزوغ عصر الإنترنت المؤثر، والتنوعات المختلفة في عصر الإنترنت، مما تنقل  بعض العناصر الإيجابية تارة والسلبية تارة أخرى على العادات والأعراف في تلك البلاد، وبنقرة  واحده  تم تقليص العالم بين أيدينا من خلال المواقع الاجتماعية التفاعلية، ومواقع التدوين، ومكالمات الفيديو، مما قرّب الجميع واختراق الشعوب  ببث الأفكار المسمومة والرزيلة.
مثل ما حدث في قضية مودة الأدهم وحنين حسام وآخرين، التي رفضت محكمة  جنايات جنوب القاهرة بجلسة ١٩ / ٦ / ٢٠٢٢،الماضي رفض الأشكال بوقف تنفيذ الحكم لحين الفصل في الطعن بالنقض المقدم من مودة الأدهم. 
كانت قضية  مودة الأدهم وحنين حسام، وقائمة كبيرة  ضمت صينيين وكوريين وجنسيات أخري قد قاموا  باستخدام تطبيق للتواصل المجتمعي يسمي لايكي من خلال خاصية الفيديو يتضمن دعوة الفتيات إلى وكالة تعمل من خلالها ليلتقوا فيها بالشباب عبر محادثات مرئية مباشرة مع الشباب والرجال تحمل في طياتها بطريقة مستترة دعوة للتحريض علي الفسق والإغراء بالدعارة مقابل الحصول على مبالغ مالية تتحدد بمدي اتساع المشاهدين لتلك المحادثات وزيادة عدد المشاركين فيها حيث يتم إذاعتها دون تمييز وزلك استغلالا للظروف الراهنة وحالة ركود العمل بين الشباب وحاجتهم للمال لاستقطاب أكبر عدد من للضحايا من الفتيات والشباب باستخدام وسيلة الاحتيال والإغراء المادي بعرض يبدأ من ٣٠٠ دولار أمريكي وقد يصل إلى آلاف الدولارات كأجر للمحادثات.
وهذا التطبيق تضمن أيضا غرفة للدردشة بين الشباب والفتيات بشكل غير لائق ويتطرق الحديث غالبًا لمضمون جنسي ومساومات للشباب والفتيات فاضحة وعلانية والترويج للأعمال المنافية للآداب بأسماء مستعارة وهويات مزيفه بهدف الإفلات من المسألة القانونية.
وأدى الغزو الثقافي لأمة إلى أخرى إلى عواقب وخيمة، يمكن وصف تأثير الغزو الثقافي على مواطن أي أمة من خلال الآثار الواضحة على حياتهم الثقافية والاجتماعية في شكل التصرف اللغوي، حيث سارت لغة الغزاة  جزءًا من اللغة الأم  حيث أصبح السكان يتواصلون مع بعضهم البعض بها، مع القليل من اللغة الأم، ومن الأمثلة سيادة ثقافة التدوين باللغة الإنجليزية والتعليق في المدونات على مواقع التواصل الاجتماعي، وسيادة بعض المصطلحات التي أصبحت من اللغة الدارجة بين الأفراد مثل كلمة OK وBye وHello، وغيرها من كلمات. كما أن صغارنا أصبحوا يتواصلون مع بعضهم البعض بهذه اللغة، وضعفت اللغة العربية جدًا وكياناتها اللغوية، وهذا ما أراه واضحًا في تواصل الشباب من أبنائنا مع بعضهم حاليًا على الواتس والماسنجر ووسائل التواصل الاجتماعي، جزء من  حديثهم باللغة الإنجليزية، وحتى أثناء تعبيرهم عن انفسهم  ومشاعرهم ومناقشتهم، تكون ببعض الكلمات الإنجليزية، لكنني أحثهم دائما على الحديث باللغة العربية.
كما تظهر بعض التأثيرات للغزو الثقافي في اللباس وأسلوب السكان الأصليين نتيجة  السيطرة الأجنبية على الشعوب من خلال الغزو الثقافي خاصة على مصر والدول النامية من خلال ارتداء غالبية الصبية والشباب  الملابس  الضيقة والبنطال الساقط والممزق من علي الساقين  أو الاكسسوارات أو تصفيف الشعر كما دول الغزاة، ويدل ذلك علي الانصياع والانقياد وراء رغبات وأهداف الغزاة. فنحن نمضي وراء التقليد الأعمى بشكل مباشر ودون حياء أو خجل وبذلك تكون نتائج الغزو الثقافي التي شنها الغرب علينا بدأت ثمارها بالظهور.
ولمواجهة قضايا الغزو الثقافي، لا بد من معرفة الظاهرة في بداية وصولها أو حتى قبل دخولها البلاد تكون اسهل لمحوها في مهدها تخيل أن ظاهرة معينة وفكرة وأسلوبًا أصبح شائعًا في جميع أنحاء العالم. عالم اليوم هو عالم الاتصالات والتفاعلات ولا يمكننا بناء جدار للحماية من مثل هذه الظواهر.
وأقترح أن تبدأ  مصر مع مجموعة الدول العربية والإسلامية بإنشاء شبكة للتواصل الاجتماعي علي غرار الأجنبية  الموجودة حاليًا، وتمتلك مصر العقول البشرية مع الاستعانة بخبراء أجانب  ووضع دستور أو منهجية عمل تلك الشبكة العنكبوتية بحيث تضمن لنا عدم الخروج علي المبادئ والقيم الأسرية وتراعي ما جاء بالأديان السماوية وتحافظ على الهوية  وسرعة تدريس مادة الدين من الصف الأول الابتدائي، وجعله  مادة مجموع ونجاح ورسوب وصاحب عقيدة قوية وإحكام الرقابة على المصنفات الفنية من أفلام سينمائية وأعمال مسرحية  ودراما تليفزيونية والتأكد من جودتها، وأنها تدعوا لمكارم الأخلاق وتحافظ على كل الثوابت الوطنية والدينية وحذف كل الكلمات والمشاهد التي تحتوي على الرزيلة والعبارات الدخيلة على اللغة العربية والمصطلحات والأمثال التي تدعوا للكراهية ومشاهد السلبية التي تؤثر على الدولة ومواردها  العامة، وتنظيم حملة إعلامية، عبر الفضائيات يشارك فيها النماذج المحبوبة للشعب من كافة العلوم والرياضة مثل محمد صلاح بنشر مواد إعلانية لتوعية  بالسلوكيات الإيجابية والتحلي بالقيم الإنسانية ومبادئ الأديان السماوية وعدم التقليد الأعمى ومقاومة السلبية.