رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لماذا تهتمُّ اليابان بأفريقيا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تجتمع البلدان الأفريقية في تونس على امتداد يومي 27 و28 أغسطس الجاري للمشاركة في النسخة الثامنة لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية (تيكاد)، المعروف باسم منتدى اليابان وأفريقيا. 

وتحمل هذه الدورة شعار “أولويات التنمية في أفريقيا بعد كوفيد–19”، ولمن لم يسمع عن هذا المؤتمر من قبل، فإنه أشبه بالمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، في نسخته اليابانية، وقد يتساءل البعض عن أسباب اهتمام اليابان بأفريقيا وعقد قمة معها كل ثلاث سنوات وتوفير دعمٍ ياباني سخيٍّ بمليارات دولار. 

هذا السؤال لا يخلو في الحقيقة من هواجس تقليدية لدى شعوب أفريقيا التي عرفت الاستعمار لأراضيها لعدة قرون من أجل نهب مواردها واستغلال ثرواتها، لكنْ، يعلم الكثيرون أيضًا أنَّ اليابان في تاريخها الحديث ليس لها مطامع استعمارية أو نوايا للهيمنة الخارجية، وهي نموذج في التعاون السلمي بين الشركاء على أساس (أكسبُ وتكسبُ) وهو قائم على تبادل المصالح ومغاير لما هو سائد من طرف غالبية الدول المتقدمة، وقد أطلق رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي، أحد مهندسي مؤتمر تيكاد، هذه المبادرة عام 1993 عندما "نسي المجتمع الدولي أفريقيا، بينما آمنت اليابان بأفريقيا " على حد تعبيرآبي. 

وقد خصصت اليابان عشرين مليارًا تمَّ رصدها للاستثمار في أفريقيا خلال القمة السابعة التي عُقدت في طوكيو، لإنعاش الاقتصاد الأفريقي بعد جائحة كورونا، وتسريع الحوار السياسي بين الفاعلين في أفريقيا والشركاء ورفع التحديات التي تواجهها القارة. ومؤتمر تيكاد هو أيضًا آلية من آليات السياسة الخارجية اليابانية لمرحلة ما بعد الحرب والتي تسعى إلى تنمية هوية دولية يابانية جديدة للسلام، ويتماشى ذلك مع ما ورد في ديباجة دستور اليابان، والتي تنص على ما يلي: "نحن نرغب في احتلال مكانة مرموقة في مجتمع دولي يسعى لتحقيق السلام، ومقاومة الاستبداد والعبودية والقمع والتعصب إلى الأبد من الأرض ". 

مع ذلك لا يغفل مراقبون عن تعداد الفوائد التي تسعى اليابان لتحقيقها من وراء هذه المؤتمرات المبتكرة في التعاون مع أفريقيا، في مقدمتها اكتساب حصة أكبر في السوق الأفريقية باعتبارها قارة واعدة في المستقبل القريب تتميز بأنها الأكثر شبابًا ونموًا، وكذلك تعزيز القوة الناعمة اليابانية وحشد الدعم الدبلوماسي الأفريقي لليابان في المنتديات الدولية وكذلك بناء تحالفات أمنية جديدة لليابان. وقد كانت لي فرصة زيارة اليابان في 2009، والاحتكاك بالعقلية اليابانية وتوجهاتها حول التعاون وبناء الشراكات على أساس من التوافق وتعظيم المصالح المشتركة وليس الشروط المجحفة و"ليِّ الأذرع". ولمستُ كيف أن المستثمر الياباني لا يعشق المغامرة بل يدرس الأسواق بدقة مطوّلًا من خلال حكومته أولًا التي تدعمه بالمعلومات وآلية لضمان التمويل حتى يبني قراره بتّؤدة ولا يتراجعُ إذا دخل لأي سوقٍ جديدة. ويكون العامل الرئيس لجذبه هو الشفافية والحوكمة والتزام معايير الجودة، وهي معايير خاصة جدًا ودقيقة في دراسة الأسواق. لذلك، يتجه لتدريب الكوادر والعاملين المحليين قبل وأثناء تنفيذ المشروعات. كما أنه يستثمر في التكنولوجيات الحديثة والطاقة المتجددة. وعلى هذا المنوال، يركز التيكاد على ثلاث ركائز: المجتمع، والاقتصاد، والسلام والاستقرار من خلال تحقيق الأمن للمجتمعات. وتتوافق هذه الركائز مع الأولويات الاستراتيجية في أفريقيت، مثل الآلية الأفريقية لتحقيق السلام والأهداف المدرجة بأجندة التنمية 2063. في مجال السلام والأمن، عمل تيكاد مع الاتحاد الأفريقي على مدار العشرين عامًا الماضية لتوفير التمويل والمساعدة الفنية لثمانية مراكز تدريب متميزة في مجال حفظ السلام، وتم نشر فرق تدريب قوة الدفاع الذاتي اليابانية ونقلت الخبرة والمهارة لقوات حفظ السلام الأفريقية. وقد درب أيضًا أكثر من 5 آلاف موظف قضائي للمساعدة في إصلاح العدالة وسيادة القانون في 54 دولة أفريقية، وأرسل مستشاري قوات الدفاع والأمن المشتركة لدعم القوات الأفريقية في أدوار غير قتالية، مثل بعثات السلام في الصومال ومالي والسودان وجنوب السودان. ويعتبر الحكم الديمقراطي جزءً أساسيًا من نموذج المشاركة في مؤتمر تيكاد. ووفقًا لـ "النهج الجديد للسلام والأمن في إفريقيا" الصادر عن تيكاد، فإن الصراعات الأفريقية متجذرة في الطريقة التي تُمارَس بها السلطة السياسية، والتي تكون في معظمها ذات طابع شخصي للغاية أكثر منه مؤسساتي. وقد يعطِّلُ هذا الطابع في الحكم المؤسسات المستقلة عن أداء وظائفها الدستورية. كما أنه يؤدي إلى استبعاد سياسي واقتصادي واجتماعي لقطاعات كبيرة من السكان، وخاصة النساء والشباب، الذين يشكلون الأغلبية في المجتمعات الأفريقية. وبالتالي، فإن برامج اليابان مبنية على أربعة عناصر: الإدماج الاجتماعي، وتعزيز الشباب وبناء القدرات، والأمن البشري، والإصلاحات المؤسسية والسياساتية، بما في ذلك الانتخابات. وقد أطلقت جماعة الإخوان (النهضة) حملات عنكبوتية للتشكيك في عقد هذه القمة في تونس باعتبار مزاعمها بأنَّ ما حدث في 25 يوليو 2021 انقلابًا؛ ولكنْ اليابان لم تتراجعْ عن قرارها بإسناد هذه الدورة لتونس. ومن المتوقع حضور ما يقرب من 50 من القادة الأفارقة في مؤتمر تونس، إلى جانب أكثر من 200 من ممثلي المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الأفريقية، و108 من رؤساء المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، و120 من قادة التجارة والصناعة والابتكار التكنولوجي، وممثلي 300 شركة يابانية وأفريقية، مما يجعله واحدا من أكبر الأحداث الدبلوماسية المختلطة في إفريقيا.

لذلك ينعقد المؤتمر محمّلا بطموح كبير ليكون محطة فارقة على درب الشراكة "الإفريقية- اليابانية" و"الإفريقية-الإفريقية" ودافعا لتعزيز الاستثمارات المشتركة. كما يمثل فرصة استثمارية ودبلوماسية هامة لتونس للانفتاح على الشركاء العالميين بعد تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد نتيجة الأزمات المتكررة خلال العشرية الأخيرة والتدنِّي في نسب النمو والارتفاع في معدلات التضخم، ما يجعل تونس محطَّ أنظار الساحة الاقتصادية الدولية كوجهة استثمارية، وهو ما يساهم في إنعاش الاقتصاد التونسي واسترجاع ثقة المستثمرين. كما أنه فرصة لليابان لتوسيع مشروعاتها الاقتصادية في القارة السمراء أسوة بالصين وروسيا وأوروبا. فهل يوفي المؤتمر حقا بوعوده ويكون في مستوى انتظارات التونسيين والأفارقة؟