ملابس "ميري" ومسدس "برتا" وطبنجة "كولت" وخطة احتياطية وتقرير عن تفجير محلات عمر أفندي ونيقولا بالجليجنا.
كنا بدأنا في الحلقة السابقة مع الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، فتح الملفات السرية لجماعة الإخوان المسلمين.
وأكد "علي"، أنه اختار أن يبدأ هذه الحلقات بقضية مقتل، رئيس وزراء مصر الأسبق، محمود فهمي النقراشي باشا لأنها من وجهة نظره تمثل قمة التراجيديا السياسية في العلاقة بين الإخوان والسلطة في مصر.
وبدأ الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي، باعترافات الجناة والمنفذين والمخططين من خلال أوراق القضية الأصلية.
ونعرض في هذه الحلقة من واقع ما كتبه "علي" منذ سنوات تحت عنوان الملفات السرية، مراحل تنفيذ العملية واعترافات المتهمين بتنفيذها كما رووها على ألسنتهم وكما أثبتتها مذكرة نيابة الاستئناف.
بروفات القتل
المشهد الأول
في يوم الاثنين 20 ديسمبر سنة 1948 ذهب القاتل عبد المجيد أحمد حسن إلى المنزل- الذى أُعِدَّ لتغيير ملابسه فيه - حيث وجد أعضاء من جماعة الإخوان وهم أحمد فؤاد، عبد الحليم محمد أحمد، وجلال الدين يسن، وارتدى عبد المجيد سترة الضابط، كما ارتدى جلال سترة الكونستابل وتم ذلك بإشراف أحمد فؤاد، الذي أعطى لعبد المجيد مسدس "برتًا" كما أعطى جلال "طبنجة كولت" واتفقوا على أن يذهب عبد المجيد إلى قهوة الإعلام، وجلال إلى المقهى الكائنة امام وزارة الداخلية.
المشهد الثاني
تلقى عبد المجيد في القهوة الأولى إخطارا تليفونيا باقتراب موعد وصول المجني عليه، فذهب إلى وزارة الداخلية، وشاهد محمود فرغل المتهم السادس في القضية خارجا منها، وبقى عبد المجيد في بهو الوزارة نحو نصف ساعة، ولم يحضر النقراشي باشا، فذهب عبد المجيد إلى جلال في القهوة التي كان ينتظره فيها وأخبره بما حدث وعاد إلى ذلك المنزل بشبرا حيث غير ملابسه، ووجد أن جلال الدين قد سبقه إليه وخلع سترة الكونستابل.
المشهد الثالث
بعد الظهر قابل عبد المجيد، محمود فرغل، وعلم منه أن النقراشي باشا لا يذهب إلى وزارة الداخلية إلا في أيام الأحد والثلاثاء والخميس، وأدرك من ذلك أنه قصد إجراء تجربة عملية، وفهم من محمود فرغل أنه مكلف هو الآخر بقتل النقراشي باشا.
المشهد الرابع
في المساء قابل عبد المجيد، شريكه في الجريمة أحمد فؤاد في منزله، وأخبره بحديث محمود فرغلى معه فأجابه أحمد فؤاد بأنه قد عدل عن تنفيذ القتل بواسطة محمود فرغل وأمره هو بالتنفيذ.
كلاكيت ثاني مرة
وتمضي مذكرة نيابة الاستئناف لتذكر أنه في اليوم التالي الثلاثاء 21 ديسمبر سنة 1948، وفي صبيحة هذا اليوم ذهب عبد المجيد إلى منزل شبرا حيث ارتدى هو وجلال سترتهما العسكرية تحت إشراف أحمد فؤاد، وذهبوا إلى المقهى، ولم يتلق عبد المجيد الإخطار التليفوني، وعلم فيما بعد أن السبب يرجع إلى أن سيارة النقراشي باشا قد غيرت طريقها المعتاد.
واتفق عبد المجيد وأحمد فؤاد، وجلال، على المقابلة في ميدان فاروق الساعة 5 مساء وتقابلوا فيه في الموعد المحدد وأمرهما أحمد فؤاد بالذهاب إلى منزل عاطف عطيه في اليوم التالي (يوم الأربعاء 22 ديسمبر سنة 1948) وفيه تقابلا عبد المجيد وجلال في قهوة "ايزائيفتش" بميدان الخديوي إسماعيل، وذهبا معا إلى منزل عاطف عطية حيث كان موجودا هو والسيد فايز وأحمد فؤاد وقال الأخير، إن تنفيذ الجريمة قد أرجئ حتى تُتخذ الاحتياطات لضمان سلامة الشيخ حسن البنا جد إذا ما فكّر أحد في قتله انتقاما لقتل النقراشي باشا واتفقوا على المقابلة في منزل عاطف عطيه في مساء يوم السبت التالي (25 ديسمبر سنة 1948) وذهب عبدالمجيد إلى المنزل في الموعد المحدد حيث وجد كل من عاطف وأحمد فؤاد والمتهم الثاني محمد صلاح الدين عبد المعطي والمتهم الثالث شفيق إبراهيم أنس، وقال أحمد فؤاد إنه حدث تغيير في الخطة يقضى بأن يلبس شفيق أنس سترة الكونستابل بدلا من جلال، وأن يلبس محمود كامل المتهم الرابع سترة جندي بوليس، وأن المقصود من ذلك أن يعاونا عبد المجيد على الهرب إن أفلح في تنفيذ الجريمة، وأن ينفذاها إن فشل هو في ذلك واستلم كل منهما مسدسا كما استلم شفيق أنس قنبلة فسفورية واتفقوا على التنفيذ في اليوم التالي الأحد 26 ديسمبر سنة 1948.
كلاكيت ثالث مرة
وفي صباح هذا اليوم ذهب عبد المجيد إلى منزل شبرا حيث وجد كل من شفيق أنس ومحمود كامل وأحمد فؤاد ولبس كل واحد فيهم سترته المخصصة له، وذهب عبد المجيد إلى قهوة الإعلام، كما ذهب زميلاه إلى القهوة الكائنة أمام وزارة الداخلية ولم يتلق عبدالمجيد الإخطار التليفوني فعاد إلى منزل شبرا حيث لحق به شفيق أنس ومحمود كامل وأبدلوا ملابسهم، وقابل عبد المجيد، أحمد فؤاد ظهرًا فنبه عليه بالحضور إلى منزله في المساء مع محمود كامل، كما نبه على شفيق أنس بذلك، وفي المساء مر على محمود كامل في منزله بشبرا وصحبه إلى منزل أحمد فؤاد حيث وجدوا معه شفيق أنس والسيد فايز وأمرهم أحمد فؤاد والسيد فايز بالتنفيذ في يوم الثلاثاء التالي 28 ديسمبر سنة 1948.
يوم الاغتيال
في صبيحة هذا اليوم ذهب عبد المجيد إلى منزل شبرا حيث وجد شفيق أنس ومحمود كامل، ولبس كل سترته العسكرية وذهب عبد المجيد إلى قهوة الإعلام على أن ينتظر شفيق أنس ومحمود كامل في القهوة الأخرى، وتلقى عبد المجيد الإخطار التليفوني فدخل بهو الوزارة وانتظر فيه حتى قدم المجني عليه وسار في طريقه إلى المصعد فأطلق عليه الرصاص.
شاهد يروي كيفية التخطيط للجريمة
وتمضي مذكرة نيابة الإستئناف فتسرد أن عبد المجيد أحمد حسن قد تعرف على كل من المتهمين الأول والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن السيد فايز عبدالمطلب وشفيق إبراهيم أنس ومحمود كامل السيد وعبدالحليم محمد أحمد ومحمود حلمى فرغل ومحمد أحمد على وجلال الدين يسن عند عرض كل منهم عليه بين آخرين.
وأرشد عبد المجيد عن منازل السيد فايز عبد المطلب ومحمود كامل السيد ومحمود حلمي فرغل، ومحمد أحمد على، كما وصف منزل كل من السيد فايز وعبدالحليم محمد أحمد وصفا دقيقا تبينت صحته.
ثانيا: نفى المتهم الثامن جلال الدين يسن بادئ الأمر الوقائع التي ذكرها عبد المجيد أحمد حسن عنه وعاد فأقر بعد مواجهته له وقرر بأنه تقابل مع المتهم الخامس عبدالحليم محمد وصحبه في منزل عاطف عطية؛ حيث اجتمع معه ومع عبد المجيد أحمد حسن والضابط فريد (الاسم المستعار لأحمد فؤاد) والمتهم الأول السيد فايز عبدالمطلب، وحضر بعد قليل الشيخ سيد سابق وأدار السيد فايز دفة الحديث باعتباره رئيسًا ورسم أحد الحاضرين مبنى وزارة الداخلية، وتحدث السيد سابق حديثا عن الشهداء قال فيه إن عبدالرحمن عبدالخالق استشهد في فلسطين وصارت الجنة من نصيبه، وأفهم السيد فايز جلال الدين يسن بأن عليه أن يلبس سترة كونستابل وينتظر في مقهى أمام وزارة الداخلية وأن يدخلها عند سماعه صوت الرصاص لمعاونة عبد المجيد على الهرب وأمره السيد فايز بأن يذهب مع عبدالحليم محمد أحمد إلى منزل في شبرا ليلبس فيه سترة الكونستابل – وفي صباح اليوم التالي ذهب مع عبد الحليم إلى منزل في شبرا حيث وجد الضابط فريد وكذا عبد المجيد لابسا سترة ضابط بوليس ولبس هو سترة كونستابل وخرج عبد المجيد من المنزل قبله، ثم ذهب هو إلى المقهى الكائن أمام وزارة الداخلية حيث وجد فيه شفيق إبراهيم أنس المتهم الثالث وقد انصرف هذا بعد فترة وحضر بعد ذلك عبد المجيد وقال أن النقراشي باشا لم يحضر الى الوزارة فعاد جلال إلى منزل شبرا حيث أبدل ملابسه وفي المساء ذهب إلى منزل عاطف عطية حيث وجده هو والسيد فايز وأحمد فؤاد وعبد المجيد أحمد حسن وروى عبدالمجيد ما حدث في ذلك اليوم وقال أنه علم من أحد الإخوان بأن النقراشي باشا لا يحضر إلى وزارة الداخلية يوم الاثنين، واتفقوا على التنفيذ في اليوم التالي – وفي صباح هذا اليوم ذهب جلال إلى منزل شبرا حيث لبس هو وعبد المجيد سترته العسكرية بحضور أحمد فؤاد وذهب إلى المقهى الكائن أمام وزارة الداخلية في انتظار تنفيذ الجريمة، ووجد فيه شفيق إبراهيم أنس وأدرك من الحالة التي شاهدها أنه يراقبه وانصرف شفيق من المقهى فقام جلال منه هو الآخر، وقد عدل عن الاشتراك في التنفيذ ولكنه فكر ثانية في العودة لمقابلة عبد المجيد وقابله عائدا في الطريق وأخبره هذا أنه لم يتلق الإخطار التليفوني واتفق معه على المقابلة في ميدان فاروق حوالي الساعة 6 مساء، وقابله في الموعد المحدد وكان معه «الضابط فريد» الذي أمرهما بمقابلته أمام دار الحكمة الساعة 8.30 مساء فجلس هو وعبد المجيد في قهوة «ايزائيفتش» بميدان الخديوي إسماعيل وركبا الترام قبيل الموعد المحدد في طريقهما إلى دار الحكمة فقابلا فيه الضابط فريد وذهب ثلاثتهم إلى منزل عاطف عطيه حيث وجداه هو والسيد فايز وعارض جلال في اشتراكه في تنفيذ الجريمة واحتج بمرضه وسافر في صباح اليوم التالي إلى بلده المنصورة وعاد منها في يوم السبت وفي يوم الثلاثاء التالي علم بحادث القتل.
وقد تعرف جلال الدين يسن على كل من عاطف عطيه حلمى والسيد فايز عبدالمطلب وعبدالحليم محمد أحمد عند عرضهم عليه بين آخرين.
ووصف جلال منزل كل من السيد فايز وعاطف عطيه وصفا صحيحا وأرشد عن منزل ثانيهما وعن المسكن الذي كان يغير فيه ملابسه بشبرا فتبين أنه الشقة الواقعة على اليسار في الطابق الأول من المنزل رقم 35 شارع على يونس بشبرا المملوك للشاهد الأول محمد أحمد دياب وهو نفس المسكن الذي أرشد عنه عبد المجيد وقالت صديقة طه محمد زوجة صاحب المنزل أنها سبق أن شاهدت جلال هذا يتردد على منزلها.
ثالثا: ثبت من الاطلاع على جدول الخلايا المحرر بخط السيد فايز عبد المطلب أنه قد أثبت فيه أسماء المتهمين السابع والثامن والتاسع محمد أحمد وجلال الدين يسن ومحمد نايل محمود إبراهيم وأمامهم على التوالي أرقام 141 و262 و128 وقد ضبطت في حافظة مصطفى مشهور المشار إليها في القائمة الأصلية (قائمة شهود الإثبات وسنأتي على ذكرها في الحلقات التالية) ثلاثة تقارير تحمل رقم 141 عن محال عمر أفندي وبوندي ونيقولا ماراتوس، ثبت من تقرير الخبراء أنها مكتوبة بخط المتهم السابع محمد أحمد على ووصف كل منها المحل وما فيه من بضائع وكيفية وضع مادة مفجرة فيه كالجليجنايت كما وصف طريقة الهرب بعد ارتكاب الحادث.
وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة، لنكمل اعترافات الجناة وملاحظات النيابة العمومية.