ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أن الرئيس الكوري الجنوبي المحافظ يون سوك يول -الذي انتخب في مارس الماضي- قد تراجعت شعبيته؛ بسبب ما وصفته بالانتكاسات المحلية، على الرغم مما حققته إدارته من نجاحات على صعيد السياسة الخارجية لبلاده.
ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة (جالوب) في كوريا الجنوبية، فإن 24% فقط من عينة الاستطلاع الذي أُجرى في بداية أغسطس الجاري، وافقت على أداء الرئيس الكوري الجديد مقابل رفض 66% من المشاركين في الاستطلاع، لافتة إلى أن نسبة التأييد التي حصل عليها سلفه مون جاي إن، بلغت 45% قبل أن يترك منصبه في مايو الماضي.
وأرجعت المجلة الأمريكية - في سياق تقرير لها تحت عنوان "المائة يوم الأولى يون سوك يول.. اضطرابات داخلية ونجاحات في السياسة الخارجية" - هذا التراجع في شعبية الرئيس الكوري الحالي إلى ما وصفته بالانتكاسات المحلية، والتي تتضمن ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع التضخم وتسبب الأمطار التي سجلت مستويات قياسية في بداية أغسطس الجاري في مصرع 11 شخصا، إلى جانب عدم رضا المواطنين عن تعيين مدعين سابقين في مناصب تنفيذية وتورط حزبه "سلطة الشعب" في فضائح مختلفة.
وأضافت أن زعيم الحزب لي جون سوك جرى توقيفه عن العمل لمدة 6 أشهر؛ بسبب مزاعم رشاوى في عام 2013، كما أن اقتراح بتخفيض سن الالتحاق بالمدارس في كوريا الجنوبية من سن 6 سنوات إلى 5 سنوات لإجبار المواطنين على إكمال تعليمهم في وقت مبكر لتوسيع قاعدة العمالة، كان بمثابة ضربة جديدة لشعبية الرئيس الكوري؛ إذ أدى الرفض الشعبي للاقتراح إلى استقالة وزير التعليم.
ورأت "فورين بوليسي" أنه بينما ركز مواطنو كوريا الجنوبية على الخلافات الداخلية، حقق يون بهدوء مجموعة من الإنجازات على مستوى السياسة الخارجية التي عززت تحالف بلاده مع الولايات المتحدة، ورفعت مكانة (سول) عالميا، وهما هدفان رئيسيان لحملة الرئيس الكوري الانتخابية.
وأوضحت أنه على عكس الإدارة الكورية السابقة -التي كانت تنتهج سياسة متحفظة بين الولايات المتحدة والصين- قال يون ومساعدوه خلال حملتهم الانتخابية، إن علاقة كوريا الجنوبية والصين بحاجة إلى أن تبنى على قدر أكبر من الاحترام المتبادل، ووعدوا بالتقارب مع الولايات المتحدة.
وذكرت المجلة أن الرئيس الكوري الجنوبي عقد قمة ناجحة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في (سول) إذ أشارت التقارير إلى أن يون أعلن خلال القمة أن بلاده ستشارك في الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ الذي تقوده (واشنطن) كما وافق لاحقا على حضور المحادثات الأولية لإنشاء تحالف يعرف باسم "chip4" مع الولايات المتحدة واليابان وتايوان من أجل ضمان تأمين سلاسل توريد أشباه الموصلات، وذلك على الرغم من التحفظات الأولية حول إثارة غضب الصين.
ورأت "فورين بوليسي" أن الرئيس الكوري الجنوبي يوسع تحالف بلاده مع (واشنطن) إلى ما هو أبعد من المجال الأمني؛ ليشمل الذكاء الاصطناعي والبيانات وحوسبة البيانات الكمومية والجيل الخامس من شبكات الهاتف المحمول والفضاء؛ بهدف تقليل اعتماد سول على بكين فيما يتعلق بالجانب التكنولوجي.
وأشارت المجلة إلى أنه -خلال زيارة بايدن لكوريا الجنوبية- أعلنت شركتا "سامسونج" و"هيونداي" عن استثمارات كبيرة في الولايات المتحدة، ثم بعدها بشهرين أعلن رئيس مجلس إدارة شركة "إس كيه تشي تاي وون" عن استثمار بقيمة 22 مليار دولار في الولايات المتحدة لتوسيع العمليات في مجالات أشباه الموصلات والطاقة الخضراء والعلوم الحيوية، والتي من المتوقع ان تخلق الآلاف من فرص العمل في الولايات المتحدة الأمريكية وتقلل اعتماد البلدين على مصانع أشباه الموصلات في تايوان.
وأضافت أنه -في يونيو الماضي- سافر الرئيس الكوري الجنوبي إلى (مدريد) ليصبح أول رئيس كوري يحضر اجتماعا لحلف شمال الأطلنطي (ناتو)، وعلى الرغم من أن يون لم يوقع على بيان الناتو إلا أن وجوده يشير إلى أن (سول) كانت متحالفة مع الغرب، على حد وصف المجلة.
كما عقد يون اجتماعا قصيرا مع بايدن ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا على هامش القمة لتحسين العلاقات الثنائية بين سول وطوكيو، والتي كانت في أدنى مستوياتها في السنوات الأخيرة، وعقب قمة الناتو، التقى وزيرا خارجية سول وبكين عدة مرات، واتفقا في 18 يوليو الماضي على التنسيق بشأن سياستهما تجاه كوريا الشمالية وإيجاد حل للقضية الشائكة المتعلقة بالعمل القسري الكوري خلال الحرب العالمية الثانية؛ الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى تعهد الرئيس الكوري الجنوبي بتحسين العلاقات مع اليابان على أساس إعلان عام 1998 الذي وقعه البلدان لتعزيز العلاقات الثنائية من خلال التبادلات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية.
وفيما يخص العلاقات مع الصين، أوضحت المجلة أنه على الرغم من وجود حدود للمدى الذي يمكن أن يذهب إليه يون في مواجهة الصين، التي تعد الشريك التجاري الرئيسي لبلاده، إلا أنه أكد عدم التزامه بسياسة "اللاءات الثلاث" التي انتهجتها الإدارة الكورية السابقة، وهي السياسة المتمثلة في عدم نشر نظام الدفاع الجوي على ارتفاعات عالية "ثاد" وعدم المشاركة في شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكية وعدم الانخراط في تحالف عسكري ثلاثي مع واشنطن وطوكيو.
وأضافت المجلة أن الرئيس الكوري الجنوبي وصف عمليات نشر نظام "ثاد" بأنها وسيلة للدفاع عن النفس وحيوية لأمن بلاده وغير قابلة للتفاوض مع الصين، مضيفة أن القوات الكورية الجنوبية شاركت في تدريبات تتبع الصواريخ مع القوات الأمريكية واليابانية قبالة سواحل (هاواي) في الفترة من 8 حتى 14 أغسطس الجاري.
وتابعت "فورين بوليسي" أنه في غضون ذلك لم يسمح يون بضغط الصين وكوريا الشمالية لمنع استئناف التدريبات العسكرية واسعة النطاق بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، التي كان قد تم تعليقها من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد قمته في سنغافورة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج اون عام 2018، إذ بدأت أكبر مناورة عسكرية من هذا النوع منذ سنوات في سول في الثاني والعشرين من أغسطس الجاري بمشاركة أعداد كبيرة من الطائرات والسفن الحربية والدبابات والجنود.
وأشارت المجلة إلى الاختلافات بين إدارة الرئيس الكوري الحالي لملف كوريا الشمالية وإدارة سلفه؛ إذ عين يون سفيرا خاصا لحقوق الإنسان في كوريا الشمالية لأول مرة منذ خمس سنوات، على الرغم من أن الولايات المتحدة تركت منصب مبعوث حقوق الإنسان في كوريا الشمالية شاغرا على الرغم من تعهد إدارة بايدن بشغله، في حين ترك الرئيس الكوري السابق قضية حقوق الإنسان في الشق الشمالي من شبه الجزيرة الكورية في مأزق خوفا من تعريض العلاقات بين الكوريتين للخطر، حتى أن إدارته أقرت تشريعا يحظر رسميا تسيير بالونات تحمل منشورات مناهضة لبيونج يانج.
ورأت المجلة أن خطأ الرئيس الكوري الجنوبي الحالي في السياسة الخارجية كان في تجاهل رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي خلال زيارتها إلى (سول) بداية أغسطس الجاري، فعلى الرغم من أن يون أجرى مكالمة هاتفية مع بيلوسي لمدة 40 دقيقة إلا أنه لم يلتقيها شخصيا ولم يرسل وفدا رسميا لاستقبالها في مطار عاصمة بلاده، مشيرة إلى أن بعض التقارير أرجعت ذلك إلى رغبة يون في تجنب الإساءة للصين حيث كانت بيلوسي قادمة من زيارتها المثيرة للجدل إلى (تايوان).
وعلقت المجلة على موقف الرئيس الكوري الجنوبي قائلة: "حتى لو لم يكن يون ينوي إهانة بيلوسي؛ فقد خاطر الرئيس الكوري الجنوبي بإهانة إحدى أقوى الشخصيات في السياسة الأمريكية مع إعطاء انطباع بأنه بعد أن وعد بأن يكون أكثر صرامة تجاه الصين، تراجع حتى لا يسيء لبكين".
واختتمت "فورين بوليسي" تقريرها بأن الرئيس يون لا يزال يتخذ خطوات نحو الوفاء بوعده بتوسيع دور بلاده في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتعميق العلاقات مع (واشنطن) و(طوكيو) وربما شهدت الأيام المائة الأولى ليون اضطرابات داخلية لكن سياسته الخارجية تتحرك في الاتجاه الصحيح.