رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأزمة الأوكرانية.. أوروبا لن تنجو من الفوضى..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بوادر اضطرابات شعبية وفوضى بدت تلوح في الأفق الأوروبي جراء العقوبات الاقتصادية على روسيا الاتحادية على نحو يهدد بعض الأنظمة السياسية الغربية بالسقوط.
فيما ركزت تقارير بعض المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية في الآونة الأخيرة على دراسة مستقبل بعض أنظمة الحكم في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة في ظل ما تواجهه من أزمات اقتصادية طاحنة على خلفية الأزمات المتلاحقة من فيروس كورونا إلى الأزمة الأوكرانية ومقدمات الأزمة التايوانية، لم تلتفت تلك المؤسسات إلى ما أصبح عليه واقع الاقتصاد الأوروبي وما يواجهه من ضغوطات حقيقية بسبب أزمة الطاقة والغذاء كنتيجة مباشرة للموقف من الأزمة الأوكرانية ناهيك عن كارثة جفاف الأنهار وارتفاع درجات الحرارة بسبب التغيرات المناخية التي يبدو أن أوروبا ستفشل ولو على المدى المتوسط في اتخاذ سياسات حاسمة للتصدي لها.
قد تتشابه أو تتباين مسببات الأزمة الاقتصادية التي تواجهها شعوب القارة العجوز مع غيرها من الشعوب في دول جنوب البحر المتوسط وأفريقيا أو بعض الدول الآسيوية، إلا أن إهمال تلك المؤسسات الاقتصادية الدولية لما قد تواجهه أوروبا من اضطرابات شعبية وفوضى سياسية قد تطيح ببعض الأنظمة الديمقراطية يلقى بظلال الشك على صحة توقعات تقاريرها بشأن الأوضاع في البلدان النامية ويصبغها بطابع سياسى إلى حد ما، ذلك أن سرعة استجابة أنظمة الحكم غير الديمقراطية في الدول النامية للتحديات الاقتصادية الطارئة يجعل فرص نجاتها من الوقوع في براثن الفوضى والاضطرابات كبيرة مقارنة ببعض الأنظمة الأوروبية، بل ومقارنة بقدرة الاتحاد الأوروبي ككيان على الاحتفاظ بتماسكه والتفاف أعضائه حول قراراته ومواقفه.
ما يعزز هذا الطرح سقوط حكومة جونسن في بريطانيا وحكومة ماريو دراجى في إيطاليا كأحد تداعيات الأزمة الأوكرانية؛ كما أن مقارنة بسيطة بين واقع الحال في دول الاتحاد الأوروبى وجاراتها المشاطئة لها في جنوب مياة المتوسط قد يؤكد هذا الطرح رغم ما تعانيه اقتصادات الأخيرة من ضعف ووهن.
فعلى سبيل المثال لا تعانى شعوب جنوب المتوسط من أزمة حادة في الطاقة ولا ينتظرها شتاء قارس شديد البرودة يتطلب تدفئة عالية، وإذا استطاعت حكومات هذه الشعوب إجراء إصلاحات حقيقية في هياكلها وبناها الاقتصادية على نحو يشجع الاستثمار المحلى والأجنبى في مناخ تسوده الشفافية والنزاهة؛ وإذا تمكنت من الدخول في تحالفات اقتصادية جديدة توفر موارد غير تقليدية بالعملة الصعبة؛ إذا نجحت هذه الحكومات من اتخاذ كل تلك الخطوات وأكثر بشكل حاسم وسريع، واعتبرتها شروطًا أساسية للنجاة لنجحت في مواجهة هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة والإفلات من أزمات نقص الغذاء إلى حد كبير ومن ثم القضاء على أو تحجيم فرص وقوع حوادث فوضى واضطرابات شعبية على نحو ما تنذرنا به بعض التقارير الدولية.
أي أن كل ما تحتاجه حكومات البلدان ذات الاقتصادات الناشئة مناورة اقتصادية سريعة إن جاز التعبير لمواجهة المشكلات العاجلة وإصلاحات اقتصادية ذات طابع شمولي واستراتيجي، وهناك عامل حاسم آخر وهو أن معظم هذه الحكومات يقف على مسافة واحدة إلى حد كبير إزاء أطراف الصراع المتفاعلين مع الأزمة الأوكرانية.
في المقابل انصاعت أوروبا للإرادة الأمريكية بشكل كامل وفرضت عقوبات اقتصادية اعتقدت خطأ أنها ستجبر روسيا على وقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا، ورغم تفاقم الأزمات وتلاحقها بشكل ممنهج من نقص في الطاقة إلى جفاف الأنهار وحرائق الغابات وضياع محصول آلاف الأفدنة الزراعية مازال قادة أوروبا يصرون على مواقفهم المتشددة حيال روسيا وهو ما يهدد فعليًا بسقوط أنظمة الحكم لبعض هؤلاء القادة.
الإصرار الأوروبي وصل الآن إلى مرحلة العناد والتكبر، فرغم تهديد أزمة الغاز لأكبر المجمعات الصناعية الكيماوية الألمانية بالإغلاق التام أو الجزئي، رفض وزير الاقتصاد الألماني اقتراحا للتفاوض مع روسيا حول تشغيل خط امداد الغاز الصين الشمالى٢ واعتبر ذلك بمثابة إعلان الفشل السياسي، ورغم ارتفاع معدلات التضخم وفواتير الطاقة في فرنسا وإنجلترا يطلب الرئيس الفرنسي من شعبه أن يودعوا أيام الوفرة وأن يستعدوا للزمن الصعب، وتصر إنجلترا على المضي قدمًا في خطتها لدعم فلودمير زلينسكى بمزيد من السلاح.
وبينما اعترف ممثل المفوضية العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بالتأثير السلبي للعقوبات الاقتصادية على شعوب القارة العجوز يؤكد أن استمرار دعم زلينسكى ضرورة للدفاع عن حرية وأمن أوروبا.
على الهامش أغلق أكبر مصانع بولندا لإنتاج الأسمدة أبوابه ليلحق به أكبر مصانع لتوانيا وبعض المصانع الألمانية تقرر الإغلاق ونقل نشاطها إلى الصين وتركيا، وفى إيطاليا وفرنسا الوضع ليس أفضل حالًا، ومع زيادة الطلب على السفن العملاقة من ناقلات الغاز المسال ارتفعت أسعار الشحن وبدأت تلوح في الأفق بوادر صراع أوروبى أوروبى على هذا النوع من الناقلات محدود العدد بحسب تقارير لصحف غربية.
في غضون ذلك كله من عناد للقادة وتفاقم للأزمات، تستعد أحزاب ألمانية معارضة لتنظيم تظاهرات عارمة في أكتوبر المقبل للمطالبة بتشغيل خط الصين الشمالى٢، وتخرج استطلاعات رأي لصحف وإذاعات محلية في ألمانيا وفرنسا تؤكد أن أكثر من ٦٠٪ باتوا يرفضون سياسات القادة حيال الأزمة الأوكرانية ويطالبون بالحوار مع روسيا خاصة بعدما وصل سعر ١٠٠٠متر مكعب من الغاز الطبيعى ٣٠٠٠ دولار، وفى بلغارية مطالبات بإعادة التفاوض مع روسيا حول إمدادات الغاز بعد أن لجأ الشعب البلغارى شأنه شأن باقى الشعوب في أوروبا لشراء الحطب استعدادًا للشتاء القارس والذى شهد هو الآخر ارتفاعًا في الأسعار.
أوروبا ورغم اقتصاداتها القوية بالمقارنة مع اقتصادات الدول النامية الهشة تواجه شبح ركود اقتصادى وتضخم غير مسبوق وبطالة ناشئة عن توقف كبريات المصانع عن الإنتاج بشكل كلى أو جزئى وشتاء قارس يهدد حياة الملايين من كبار السن والأطفال وذوى الأمراض المزمنة وذلك كله يعنى أن دول أوروبا المرشح الأول لتكون أنظمتها السياسية على حافة السقوط على وقع اضطرابات شعبية وفوضى سياسية قد تكون الأعنف لأنها ستكون ردة فعل على عناد وصلف زعماء وساسة أصروا على التضحية بحياة مواطنيهم في سبيل رغبات أمريكا وأحلام الممثل الكوميدى فلوديمير زلينسكى.