الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

طبعة جديدة لرواية سليمان شفيق «ثلاثة وجوه»

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى طبعة جديدة صدرت عن مؤسسة «مجاز» الثقافية، بغلاف للفنان سلامة أبو زيد، رواية «ثلاثة وجوه» للكاتب والصحفى الكبير سليمان شفيق، والتى سبق وأن صدرت عن سلسلة «أصوات أدبية» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
تعود الرواية هذه المرة فى ٢٤٠ صفحة من القطع المتوسط، ويعود معها القارئ إلى أجواء عدة، منها الصداقة، الحنين إلى الذكريات، وكذلك يقفز إلى عوالم متشابكة وشديدة التعقيد والتوتر. يدور فى رحى هذه الأجواء أبطاله الثلاثة، «يوسف، ألبرتو، رفعت». هم أصحاب الوجوه التى استقى منها «شفيق» عنوان عمله الإبداعي.
جاء على الغلاف الخلفى للرواية: «كان القاسم المشترك بين (يوسف) و(ألبرتو) هو الصدق فى الحب والبوهيمية، إلا أن رفعت صاحب القرار النهائى لهما لا يزال يفسد عليهما كل متع الحياة. فهو الفقيه المفسر للنص الجامد، وهو الضمير العام الذى لا يحكمه إلا قوانين الجدل، والقبضة الحديدية التى لا تؤمن إلا بحتمية الصواب. ذلك هو (رفعت) الذى يهرب منه دائمًا (يوسف)، يخشاه ويحترمه، يهاجمه وينتقده ويلوذ به. (رفعت) المسلم الشيعى السورى الجنسية والفلسطينى الهوية، و(يوسف) القبطى المصري، و(ألبرتو) كلفنيانو البرتغالى الجنسية، والذى كان يؤكد لمحدثيه أنه يهودى الديانة حتى لا تشتبه فيه مخافر الحدود والمطارات وعسس الليل وذئاب الموساد فى شوارع أوروبا».
هكذا، أوضح «شفيق»، قبل حتى أن تخوض فى عالم الرواية، مدى التشابك والتعقيد الذى يحكم شخصياته، ويجعل القارئ يزداد فضولًا حول ما الذى قد يجمع هؤلاء!.
يهدى «شفيق» روايته إلى ابنه الراحل «زكي.. الاسم والرمز والشهيد»، وحفيدتيه «مريم» و«تيا»، وكذلك إلى «خلود.. مناضلة وإنسانة». بينما يستهل فصله الأول «يوسف» باقتباس من الكاتب الروسى أنطون تشيكوف هو: «فى طفولتي، لم تكن هناك طفولة». ثم يبدأ فى سرد حكاية كل قطعة من الغرفة ذات الجدران البنية الباهتة. هناك «الدولاب» الذى تبقى من جهاز عمته التى تزوج رئيس محكمة فى منتصف أربعينيات القرن الماضي، و«كومودينو» تعلوه مطفأة تمتلئ بمخلفات التدخين بكل أشكالها، وكتاب وأوراق وقلم، و«شماعة» مخفية تحت أطنان من الملابس جعلتها تبدو كشجرة متهالكة متعددة الألوان والأعشاش، و«المكتب القرمزي» الذى اعتاد زوج عمته الراحل على دراسة كل قضاياه عليه، منذ كان معاونًا فى نيابة الفيوم وحتى صار رئيس محمة الجنايات.
يقول «شفيق»: «أصبح المكتب مكانًا لزجاجة يوسف وكأسه، وطبق كبير يستخدمه كمنفضة للدخان، وقلم، وأوراق، والعديد من الأبحاث، والأقلام التى تجاوز عمرها الافتراضى كل شجونه ومشاعره وأحلامه ومشاريعه التى لا تتوقف عن كتابة تلك الرواية. حلمه الأول والأخير.. وربما الوحيد».
هنا، ندرك حقيقة أن الوجوه الثلاثة التى يتحدث عنها «شفيق» هى فى الواقع ثلاث شخصيات لرجل واحد. يقول: «ثلاثة مشاريع متناقضة فى حلم واحد». حيث ندرك أن «يوسف» الكاتب والفنان، هو «رفعت المصرى» المناضل الماركسى والمقاتل فى صفوف المقاومة - يقصد المقاومة الفلسطينية التى شارك فيها حتى العدوان الإسرائيلى على بيروت عام ١٩٨٢- وكذلك هو «ألبرتو كلفنيانو»، صاحب جواز السفر البرتغالى الجنسية، والذى كان يحمله «يوسف» -أو «رفعت» - فى تنقلاته المكلف بها من قبل المقاومة فى بعض العمليات التى كان يقوم بها فى أوروبا. لذلك، صار «ألبرتو» إرهابيًا يطارده الموساد فى أرجاء الأرض.
«ثلاثة مشاريع متناقضة فى حلم واحد؛ (يوسف) الكاتب والفنان، (رفعت المصري) المناضل الماركسي، (ألبرتو كلفنيانو) الذى يكاد يكون إرهابيًا! ولكن من يكتب الرواية؟».
ما بين «يوسف» و«رفعت» و«ألبرتو» تعددت الأماكن، والمواقف، والحنين. لكل واحد منهم حبه الخاص، ولذلك، تبدلت مشاعره على الأوراق الكثيرة التى تشغل أكبر حيز من مكتب المستشار الراحل الذى يتميز بلونه القرمزي. يتناقض «يوسف» المرهف الحس مع القاتل «ألبرتو»، وإن كان -«يوسف»- يخشى فى الوقت نفسه «رفعت» المناضل الطبقي، بينما «ألبرتو» يمكن ترويضه بالخمر تارة وبالدخان تارة أخرى.
يردد «يوسف» كلمات الشاعر الفلسطينى الكبير الراحل محمود درويش: «لازلت أحيا، شكرًا للمصادفة السعيدة». بينما يحكى عن نفسه بفخر: «أنا يوسف المصرى الحاكم بمجد إخناتون المُوحد، ورمح أحمس فى طرد الهكسوس، ومجد الشهداء الأقباط فى مواجهة بيزنطة، وروح الإسلام السمحة قبل اكتشاف النفط، وشربة ماء قدمتها للحسين فى كربلاء، ودمعة على خد أم فقدت ابنها فى حفر القناة، وجندى من جيش عرابى مات على الطوابى وتاه فى بحرك، كأنى كلمة من بيت فى حارة، كأنى دمعة فوق المنارة، غنوة من قلب سيد، كأنى جوه المظاهرات طالب هتف باسمك ومات سعيد».
وأضاف: «أنا يوسف ورفعت وألبرتو! ثلاث شخصيات فى جلد واحد وقلب واحد بثلاثة رؤوس كتنين سفر الرؤيا.. يوسف رأس النعجة! ورفعت رأس الأسد، وألبرتو رأس الثعبان، تبحث عن اسمى الحقيقى من عملية لأخرى، وأبحث عنه أنا وألتقطه من آن لآخر، وأصدقه ولا يصدقني، وهذا هو سر معاناتي».