يمثل مخيم الهول السوري الذي تحتجز فيه القوات الكردية شمال سوريا عوائل تنظيم داعش الإرهابي، مشكلة دولية وأزمة حقيقية، بعدما أصبح مصدرا لعمليات قتل وعنف، إلى جانب تسهيل تحويلات مالية لعناصر التنظيم الهاربة إلى كونه يعمل بنشاط في مجال الاستقطاب والتجنيد.
وقبل أيام اتجهت منطقة الإدارة الذاتية الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من قوات التحالف الدولي، إلى إخراج قرابة 77 عائلة سورية من المحتجزين داخل مخيم الهول، وتسليمهم إلى أهاليهم في منطقة دير الزور.
كانت "قسد" قد أطلقت نداءات عديدة إلى المجتمع الدولي مفادها ضرورة استلام كل دولة مواطنيها والعمل على محاكمتهم وإعادة تأهيلهم، لما يمثله المخيم من خطورة شديدة على المنطقة، إذ أنه يمثل هدفا ضروريا لعناصر وخلايا التنظيم الإرهابي التي تخطط من حين لآخر لتنفيذ عمليات لتهريب الأسر والعمل على خروجها للمناطق التابعة للتنظيم.
77 عائلة سورية تغادر مخيم الهول
في الوقت الذي خرجت فيه دفعات كبيرة من محتجزي مخيم الهول إلى العراق، فإن إخراج السوريين أنفسهم يشوبه نوعا من التراخي والبطء وهو ما جعل المرصد السوري يتساءل عن أسباب تأخر خروج السوريين.
ونقلا عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن دفعة جديدة من السوريين من عوائل عناصر تنظيم داعش غادرت مخيم الهول الواقع أقصى جنوب شرق الحسكة، الاثنين الماضي، وذلك استكمالاً لمبادرة مجلس سوريا الديمقراطية بإفراغ المخيم من السوريين.
ووفقا لمصادر المرصد فإن عدد الذين خرجوا يقدر بنحو 400 فرد ضمن 77 عائلة جميعهم من أبناء دير الزور.
ويتساءل المرصد السوري عن تأخر إطلاق سراح باقي السوريين برغم وجود مبادرة من قبل مجلس سوريا الديمقراطي وبضمانة شيوخ ووجهاء العشائر، ففي وقت يتم إخراج العراقيين بدفعات متتالية، لم يشهد عام 2022 سوى إخراج دفعتين من السوريين، الأولى كانت في شهر يناير حين خرجت 22 عائلة مؤلفة من نحو 217 شخصًا، خرجوا نحو محافظة دير الزور، والثانية كانت منتصف أغسطس الجاري، حين خرج 400 فرد ضمن 77 عائلة جميعهم من أبناء دير الزور.
ووثق المرصد تعهد أحد شيوخ العشائر بريف حلب الشمالي ومطالبته لمختلف الأطراف المتدخلة في قضية مخيم الهول بإخراج 17 امرأة وطفل من ريف حلب الشمالي، وأكد أن هؤلاء لا يمثلون أي خطر، مقدّما ضمانات بعدم قيامهم بأي عمل قد يخلّ بالأمن العام لمنطقة مارع وحلب وسورية وغيرها. مرسلا قائمة بأسماء أبناء عشيرته إلى المرصد السوري، مطالباً المجتمع الدولي التحرك من أجل إخراج من لم يتورطوا في عمليات قتل من الموجودين في هذا المخيم.
وجدد المرصد السوري، مطالبته بالعمل على إخراج السوريين من المخيم، والعمل على تأهيل عائلات تنظيم داعش عبر إنشاء مراكز خاصة، معتبراً أن بقاءهم مع مرور الوقت هو بمثابة قنبلة موقوتة، مذكّرا بوقوع 30 جريمة قتل منذ مطلع العام الحالي.
الأمم المتحدة تدعم استقبال العراقيين
في أبريل الماضي، أعلنت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، عن استعداد الأمم المتحدة لتوفير الدعم الإنساني للعراق لاستقبال المزيد من العراقيين من مخيم الهول.
وقالت رئيسة البعثة الأممية في العراق: يجب أن يكون هناك تصرف شامل وحاسم في ملف مخيم الهول، فهناك 30 ألف عراقي ممن لديهم ارتباط بتنظيم داعش الإرهابي وبعض ضحاياهم في مخيم الهول وأوضاعهم سيئة.
وأضافت أن "ثلاثة من خمسة هم أقل من سبعة عشر عاما في مخيم الهول، والكثير منهم محرومون من أبسط الحقوق ومنها التعليم.. ومن الممكن أن تتحول حرب الأمس مع داعش إلى حرب الغد إذا ما لم تجد المعالجات الحقيقية، حيث أن الوضع الحالي في مخيم الهول غير مستقر وإبقاء الأشخاص في هذا الوضع يشكل تهديدا خطرا كبيرا.
هذه التصريحات لم تأت عبثا، فبعدها بشهر تقريبا أعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين عن إعادة 500 عائلة عراقية من مخيم الهول السوري إلى مخيم "الجدعة" في محافظة نينوى.
وأكد الوزير أن العراق يبدي استعداده لاستقبال العوائل العراقية في مخيم "الهول" بعد إجراء التدقيق الأمني، والتأكد من جنسيتهم العراقية، داعيًا دول التحالف إلى المساعدة في عملية نقلهم، ووضع برامج إعادة الاندماج والتأهيل.
آخر أثر لدولة داعش
يقطن في مخيم الهول وحده أكثر من 60 ألف شخص،80 % منهم نساء وأطفال، بينهم آلاف الأجانب الذين يقبعون في قسم مخصص لهم قيد حراسة مشددة.
وفقا لـ(فرانس24) في 29 مارس 2021. يشكل الأطفال أكثر من ثلثي المقيمين في مخيم الهول، حيث تصل نسبتهم إلى 66% وأغلبهم لا يملكون أوراقا ثبوتية.
وفي تقرير أعده الدكتور جاسم محمد رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب بألمانيا، بعنوان "الجهاديون في مخيم الهول ـ جيل جديد يقلق الاستخبارات الألمانية"، قال إن مسئولين يحذرون من أن مخيم الهول، قد عزز بالفعل دوره كفاعل رئيسي في الشبكة المالية لـ"داعش"، مما يساعد في نقل احتياطياته النقدية التي تقدر بنحو 100 مليون دولار. وذكرت وزارة الخزانة الأميركية أنه “غالبًا ما يقوم وسطاء في تركيا بتهريب الأموال إلى سوريا من خلال أنظمة تحويل الأموال الموجودة في المخيمات”. وتشير المعلومات الاستخبارية إلى أن مجرد تسلل الأشخاص من مخيمات النازحين يمكن أن يكون عملاً تجارياً كبيراً.
كما كشف تقرير للأمم المتحدة في فبراير2021، بحسب المركز الأوروبي، عن رصد "حالات تحول نحو التطرّف وتدريب وجمع تمويلات وحثّ على ارتكاب عمليات خارجيّة". وخلص التقرير إلى أن بعض المحتجزين يرون أن الهول هو آخر آثار دولة داعش. بالإضافة إلى إن القُصر يتم تلقينهم واستعدادهم ليصبحوا عناصر لداعش في المستقبل.
تهديدات أمنية
يشار إلى أن قسد دائما ما تنجح في تفكيك خلايا لتنظيم داعش تستهدف المخيم، أخرها اعتقال مجموعة خططت لاستهداف مدنيّين من المنطقة، وإحدى أهدافها كانت من خلال تنفيذ هجوم واسع وخطير؛ حيث تهريب نساء تنظيم داعش الإرهابيّ من مخيَّم الهول وإيصالهم إلى مناطقهم.
وفي منتصف يوليو الماضي، وبالتَّزامن مع التهديدات التركية أطلقت قوّات قسد وبمشاركة قوّات الأمن الدّاخليّ، حملةً للقضاء على تلك الخلايا في كُلٍّ من: الحسكة، الهول، تل حميس، تل براك، ومنطقة ديرك. وخلال الحملة؛ تَمَّ إلقاء القبض على 12 إرهابيّاً، ومصادرة كميّة من الذَّخيرة والأسلحة والمُعدّات العسكريّة.
وفي أواخر مارس الماضي، فإن المخيم شهد توترا أمنيا كبيرا، إلى جانب هجوم لخلايا تنظيم داعش الأرهابي، وكان هجوما عنيفا، شرحت قوات سوريا الديمقراطية تفاصيله من أن الهجوم تم عبر إطلاق 12 قذيفة من نوع آر بي جي ضد العربات العسكرية ومواقع قوى الأمن الداخلي في المخيم، مستهدفا القطاع الرابع الذي يحتوي على نساء داعش وأشبالهم، ما أسفر عن مقتل 4 مدنيين و6 جرحى، واعتقال عدد من العناصر المهاجمة.