لم تعد الحياة كما نعرفها لأن الأم التي تحتضنا منذ بداية الخلق قد كشرت عن أنيابها وتصحرت خُضرتها وصيفها أصبح عنيفا مشتعلا بالحرائق ولا نعلم إلا أي مدى سوف نستطيع نحن بني البشر التأقلم مع تغيير المناخ.
التغيير المناخي هو أزمة من ضمن ثلاث أزمات بيئية (فقدان التنوع البيولوجي – التلوث السام المتفشي – التغير المناخي السريع) وتنحصر أسباب تلك الأزمات في النشاط الصناعي البشري الملوث للبيئة وتدخل الانسان في الطبيعة.
لازالت الطبيعة ترسل لنا رسائل تنبيه لكي نستيقظ وندرك مدى خطورة تلاعبنا بها وتلويثنا لها وتنذرنا بأن فرصة الانقاذ تضيق بسرعة، لكننا لم نستيقظ حتى وقتنا هذا طالما لا يوجد ما هو ملزم للدول بالتوقف عن زيادة التنقيب عن الوقود الأحفوري كالنفط والفحم والغاز الذي يعمق الكارثة المناخية ويزيد من حدة التلوث بالتالي يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.
فبرغم من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في أغسطس ٢٠٢٢على مشروع قرار يعترف بحق الأنسان في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة وبرغم أن هذا القرار تاريخي وأصبح من أهم أدوات مسائلة الحكومات لكنه غير ملزم قانونًا ويبقي فقط الالتزام الأخلاقي للدول، لذا فلا نتوقع من الدول الكثير برغم التأثر الشديد الذي يحدث على صعيد كافة القارات والدول، فتعهدات الدول ليست كافية وليست ملزمة وتقاعسهم سوف يصل بنا إلي عواقب وخيمة، فحياة الملايين من البشر مهددة بسبب الأزمة الثلاثية للكوكب وملايين البشر تتنفس الهواء الملوث كل ذلك سوف يقلل من متوسط عمر الأنسان مع مرور الزمن، أما إذا التزمت الدول فقد يتغير الكثير ونستطيع أن ننقذ أنفسنا وننقذ الأجيال القادمة.
لدينا فرصه حقيقية لنخطو نحو إنقاذ الحياة في قمة المناخ التي تنظم في مصر "COP27" في مدينة شرم الشيخ في شهر نوفمبر القادم أن يكون هناك قرارات وملزمة ومحددة الأهداف بتحجيم التنقيب عن الوقود الأحفوري وخفض الانبعاث الكربوني وأليات واضحة لتغيرات تحويلية لاستخدام الطاقة المتجددة وكذلك وضع خطط استرشادية لدول العالم للتحول للاقتصاد الدائري حتى نستطيع الابقاء على معدل ارتفاع دراجات الحرارة دون الدرجتين، مع ضرورة مراجعة فلسفة بناء المدن والبنية التحتية لكي تتحسن قدرة المدن على التكيف مع تغيرات المناخ.
البلدان النامية من أكثر الدول التي تعاني من أثار التغير المناخي رغم انها لم تكن يومًا فاعله او مسببه وتتحمل أخطاء الاخرين إلا إن ما يحدث في القارة العجوز "أوروبا" الان يبشر بمستقبل محترق ومتأزم (تصحر – عواصف – سيول – ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة لم تشهده القارة منذ ٣ عقود) وقد رأينا نتيجة العواصف الرعدية التي ضربت جنوب ووسط القارة الأوروبية وأدت الي وفيات من بينهم أطفال في إيطاليا والنمسا وبعض الجزر الفرنسية وحتي وصل الي تدمير بعد المواقع الاثرية مثل برج كنيسة سانت مارك في إيطاليا بالبندقية التي سقطت حجارتها كما دمرت المنتجعات السياحية والمخيمات الصيفية واقتلعت الأشجار ودمرت المنازل المتنقلة، وفي العام الماضي رأينا في ألمانيا وبلجيكا مستويات قياسية من الأمطار وتعرضت بعض المناطق في برلين إلي فيضانات مدمرة فانهارت المنازل وقتلت بعض السكان.
وفي القارة الأفريقية فحرائق الغابات في الجزائر أدت لوفاة أكثر من ٤٠ شخص وكذلك الحرائق التي حدثت في غابات المغرب التي تسببت في وفاة العديد من الأشخاص بخلاف الخسائر المدمرة في الغطاء النباتي والحيواني.
كما تتعرض الطيور للتهديد بالانقراض في أفريقيا بعد تغيير نمط الطقس في شرق ووسط افريقيا والتي سوف تتسبب في جفاف مدمر يجعل الطيور تفقد مصدرها المائي مما يجعل ما يقرب من ١٠٪ من الطيور "٢٠٠٠نوع" مهددة بالانقراض، كل تلك التأثيرات ماهي إلا قشور عن أثار تغيير المناخ على القارة الأفريقية الذي أدي إلى جفاف ومجاعات في ثاني اكبر قارة في العالم "افريقيا".
فوضي المناخ
أحد أشكال أثار التغيير المناخي الحرائق وبالأصح الحرائق الرصدية وهو مفهوم جديد للحرائق التي يميزها "ارتفاع دراجات الحرارة – قلة الرطوبة – زيادة سرعة الرياح " تلك الحرائق التي تحدث بدون أي تدخلات بشرية مباشرة.
أما الأمطار الغير تقليدية والعواصف الترابية فقد شاهدنا ونشاهد في تلك الأيام هطول الأمطار بكثافة في عدة دول ومنها دول عربية في أوقات لم نعتاد عليها ويسبق الأمطار عواصف ترابية ورعدية، فالتغير المناخي أدي إلي تذبذب في هطول الأمطار التي تسبب فيضانات أشد قسوة، وتفسير ذلك هو مع ارتفاع درجة حرارة الأرض وزيادة الاحتباس الحراري يتحمل الغلاف الجوي كمية أكبر من الرطوبة التي تأتي إليه من المحيطات نتيجة زيادة تكاثر بخار الماء وتصاعده بكثرة والتي تؤدي ايضًا لمنخفضات جوية كبيرة، يظل الغلاف الجوي يتحمل الرطوبة لفترة طويلة تؤدي الي جفاف الطبقة العليا للأرض ثم ينتقل الغبار عبر الرياح، وفجأة وبدون سابق إنذار تهطل كل ما يتحمله الغلاف الجوي من رطوبة في صورة أمطار كثيفة تؤدي إلي سيول وفيضانات .
الكوكب في خطر محدق سوف يدمر الأخضر واليابس وإن لم نتخذ خطوات جادة وملزمة لدرء المخاطر لن نترك لأبنائنا فرصه للحياة ولعلا الأمم المتحدة كمنظمه دولية ترسي قواعد السلام والأمن الدوليين، فلزامًا عليها ان تجعل قرارت المؤتمر المنعقد في شرم الشيخ إلزاميًا لتحقيق الهدف من تأسيسها فإن إرساء السلام والأمني الدوليين لا يعني إيقاف الحروب او حل المنازعات سلميًا بل إن البيئه التي يعيش فيها الانسان علي كوكب الأرض الان تمثل حربًا شرسة بين الانسان والطبيعة.