قبل أن تبدأ الساعة في العدّ العكسي وينهمك جموع الصحفيين في متابعة قمة المناخ العالمية كوب 27 التي تحتضنها مصر نوفمبر المقبل، هناك بعض الأسئلة التي علينا طرحها ودراستها مثلها مثل التحضير للامتحان قبل دخوله؛ والإجابة عنها قد تحدد مدى استعدادنا "صحفياً" لهذا الحدث العالمي. ومن الأسئلة البديهية: هل لدينا إعلام بيئي متخصص وماهي أهدافه المرتبطة بقضايا البيئة والتنمية المستدامة؟ ماهي أهم التحديات التي تعطله عن أداء دوره تجاه التوعية المجتمعية بقضايا البيئة؟
الإعلام البيئي هو أحد تخصصات الصحافة، وظهر بعد مؤتمر البيئة في ستوكهولم عام 1972. وهو يختص بالقضايا ذات الصلة بالطبيعة والبيئة والمناخ وانعكاساتها على مجمل حياة البشر الصحية، والاقتصادية، والعلمية، والثقافية، والسياحية والتراثية وغيرها. والاعلام البيئي هو حلقة وصل بين العلوم المتعلقة بالبيئة والجمهور ويهدف إلى تشكيل رأي عام للمجتمع في هذا الاتجاه. وأهم أهدافه تتضمن توعية الجمهور العادي والمسؤولين وتوجيه سلوكهم للوصول الى تغيير نمط حياة المجتمع وسلوكياته الضارة بالبيئة. كما يهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح الانسان وأنشطته من جهة واستدامة الطبيعة من جهة أخرى، بما يضمن استمرار حياته على الأرض وتحسين نوعيتها. وهذا يعني أن هدف الإعلام البيئي حماية الإنسان من الطبيعة وحماية الطبيعة من الإنسان لتحقيق التنمية المستدامة. وفي ظل التطور الصناعي وزيادة الإضرار المتعمد بالبيئة فإنّ الإعلام البيئي معنيٌّ بكل مجالات الحياة المعاصرة من تلوث بكل أشكاله في البر والبحر والنهر والغابات حيث يوجد التنوع الأحيائي، وفي المصانع والمزارع مصدر التلوث من الانبعاثات والأسمدة، والمستشفيات حيث النفايات الطبية. كما أنَّ له دورا بارزا في الحفاظ على المقاصد السياحية وتنشيط السياحة البيئية والترويج لها. لذلك يبدأ دور الإعلام البيئي مع ولادة القرارات ووضع السياسات والاستراتيجيات والتشريعات. كل ذلك من أجل الحفاظ على حياة البشر وكل ما هو على الأرض وحقوقهم ونوعية حياتهم.
وبنظرة سريعة على الإعلام البيئي المصري والعربي نلاحظ أنه مازال في مستوى أقل من المخاطر والتحديات التي تواجه بلدانه.. قد يقول قائل إن هذا استنتاجاً خطيراً، فماهي شواهده؟ أولاً، الاهتمام بالقضايا البيئية لا تتجاوز مساحات محدودة تتمثل في عدة أخبار موسمية أو تحقيق في صفحة أسبوعية أو شهرية ممولة في الغالب من إعلانات وزارات البيئة أو جمعيات، أو تنشرُ أحياناً كجزء من صفحة مخصصة لأخبار السياحة أو المنظمات الأهلية. نفس هذا الأمر ينطبقُ على البرامج سواء في الإذاعات أو القنوات التلفزيونية أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي وهي محدودة وموسمية. وتقلُّ نسبة الصحافة البيئية عن 10% في الجرائد العربية حيث تخصص صفحة أسبوعية أو دورية لأخبار البيئة، وقد تُلغى عند ضغط الأحداث السياسية والإعلانات. وهي النسبة نفسها من المُحرِّرين الذين تخصصهم صحفهم لشؤون البيئة، وهذه المعلومات وردت في مجلة "البيئة والتنمية" - وهي المطبوعة الوحيدة المتخصصة في قضايا البيئة عربياً- وتصدر من بيروت بانتظام وبمحتوى احترافي منذ 1996. وبلغت نسبة قضايا البيئة في البرامج الحوارية والتحقيقات على القنوات العربية -وفقاً لنفس المجلة- أقل من 1% في مقابل 10% على المحطات الأوروبية. وغالباً يتبع محرِّرُ شؤون البيئة قسم الأخبار أو الاقتصاد أو المحليات. أما عن طرق تناول هذه القضايا فهي غير محترفة وغير جذابة ، يعني بالتعبير المصري "دمها تقيل" ولا تستهوي المتابع. وتكون غالباً بمناسبة مؤتمر يتم تغطيته بشكل مجتزئ مع ذكر بعض التوصيات وكلمات وزراء أومسؤولين. ونفس الأمر ينطبق على التحقيقات البيئية التي تكون نادرة وتفتقد للمصطلحات والمفاهيم البيئية الصحيحة. وترتبط غالبية صفحات البيئة بدعم أجهزة البيئة الحكومية ما يفقدها الحيادية ويجعلها مجرّدَ لسان لهم دون القدرة على نقد التجاوزات أو التقصير فإن وُجد في ممارسات هذه الأجهزة لأدوارها.
ورغم وجود 50 مطبوعة مابين مجلة ونشرة في العالم العربي تحمل في عنوانها كلمة بيئة إلا أنَّ معظمها يصدر عن جمعيات أو أجهزة معنية بالبيئة وذات محتوى صحفي ضعيف و"ركيك " وانتشارها محدود وغير منتظمة الصدور. كذلك ينطبق الأمر على مواقع الإنترنت التي رغم كثرتها إلا أنها تفتقد للمادة الصحفية الجذابة للقراء، مع انعدام أو ضعف الصور وعدم وجود تفاعل مع الجمهور. وهي بالمناسبة مشروعات قابلة للتطويرإذا أرادت المواقع والساهرين عليها ذلك خاصة إذا لاحظنا التميز والجاذبية التي تتمتع بها نظيرتها في العالم الغربي. ومن الملاحظ أيضاً أن تحديات الإعلام البيئي ترتبطُ بنفس التحديّات التي تواجه الإعلام العلمي الذي لا يجد له مكانة واضحة على الساحة الإعلامية. وهكذا فإنَّ الاهتمامَ بقضايا البيئة والتنمية غالباً ما يكونُ ردَّ فعلٍ آنياً على حدث عالميٍّ وبعيد عن المعلومات الدقيقة والتحليل العميق وهذا لا يساعد على زيادة التوعية بمشكلات البيئة. ورغم أننا أصبحنا نعاني من مشكلات البيئة بشكل مضاعف لتأثيرها الكبير على قضايا التنمية إلاَّ أن الاهتمامَ بها مازال لا يرقى إلى خطورة التحديات. لذلك، هناك حاجة ملحّة إلى تحديد المشكلات ذات الأولوية التي تتعلق بالبيئة وتأثيرها على التنمية وطرحها في برامج الصغار والكبار بمحتوى مبتكر مع ومضات توعوية متكررة لرفع الوعي البيئي وجعل المواطن شريكاً في حلول تلك المشكلات.
وأختم مقالي بتوصية تتمثل في إقامة ندوات ومهرجانات لطرح تصورات لسياسات الإعلام البيئي وأنشطته يوم 14 أكتوبر المقبل، ثم يمكن أن يتحول لموعدٍ سنويٍّ. وهذا التاريخ يوافق اليوم العربي للبيئة الذي أقرته جامعة الدول العربية منذ عام 1986، وليكن يوماً كجرسِ تنبيهٍ وإنذارٍ لمواجهة المشاكل البيئية التي تهدد عالمنا، بحيث يتم تكثيف جهود التعاون في مجالات البيئة وإيجاد حلول للمشاكل التي تزداد خطورتها على حياة الناس.
كلمة أخيرة: نريدها قمةً للمناخ فارقة لا نعود بعدها إلى النعاس، وهذا لن يتحقّقَ إلاَّ بقيام الإعلامِ البيئي بدوره التوعوي المستمر من أجل بيئة مستدامة يطيبُ فيها العيش للجميعِ!
آراء حرة
هل لدينا إعلام بيئي؟
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق