دائمًا ما تتسم محافظات الصعيد خاصة قراها ونجوعها بالعصبيات القبلية والعائلية التى تحول دون دخول غريب إلى القرية دون علم أهلها بوجهته ومقصده ومساعدته فى الوصول لسبيله، فالأمان وترك الأطفال للهو أمام المنزل والشوارع المجاورة وبمنازل الأقارب والجيران شيئًا معتادًا طبيعيًا بين أبناء القرية الواحدة، ولكن فى تلك الواقعة كانت الضربة من الداخل، حيث تجردت ربة منزل فى العقد الثالث من عمرها، من معانى الرحمة ولبست بدلًَا منها ثوب وقامت باستدراج ابن سلفتها «شقيقة زوجها» والإجهاض عليه وقتله دون رحمة أو شفقة منها بل وقامت بالتخلص من جثته داخل برميل جبن مملح «مش» لإخفاء معالم جريمتها وراحت تبحث عن الطفل من ذويه عقب تغيبه.
خرج ولم يعد
ففى قرية نجع العقاربة بمركز الطود غرب محافظة الأقصر، أقصى صعيد مصر، خرج الطفل «إبراهيم سيد» الذى لم يكمل عامه السادس للهو بمنزل جده كما هو المعتاد بعد موافقة والديه، ومر الساعات حتى هاتفت الأم منزل والدها لتطلب مجىء طفلها «ابعتوا إبراهيم علشان يأكل مع أبوه ويستحم وبكره أبعته تاني» لتتلقى الأم صدمتها خلال الاتصال التليفونى «ابنك مجاش عندنا»، وقعت تلك الكلمات على مسامع الأم كالصاعقة لتبدأ فى الصراخ هيستريًا دون علم بما حدث لنجلها ولكن كان يحدثها قلبها تجمع أفراد الأسرة وحضر أهل الأم وأهل الأب وصارت القرية جميعًا تقف أمام منزل والد الطفل فى واقعة غريبة لم يعتادها أهالى الصعيد.
نار الغيرة وانتقام
على الناحية الأخرى كانت زوجة الخال التى على خلاف دائم مع سلفتها «شقيقة زوجها» ووالدة الطفل مالية كانت أم معنوية أم مشاكل أسرية، قد وضعت خطتها للانتقام وأشعلت نار الغيرة قلبها لتقرر أن تثأر فى الطفل الصغير لتحرق قلب والدته عليه، حيث كانت تترقب خطوات الطفل فور خروجه من منزله قاصدًا منزل جده وقامت باستدراجه «تعالى يا إبراهيم عاوزاك أديلك حاجة حلوة» لم يتوان الطفل فى الذهاب فهذه السيدة زوجة خاله ولا يعقل الطفل مشاكلها بوالدته ودلف إلى داخل المنزل، لتقوم المتهمة بخنقه فور دخوله المنزل لتنهى حياة ذلك البرئ الذى لا ذنب له سوى نفس مريضة قررت الانتقام من والدته فيه.
بلاص المش
بدأت الدماء تهدأ فى عروق تلك الشيطانة وظنت بأن فعلتها هذه سوف تشعرها بأنها انتصرت ولو لوقت معين على سلفتها، وفكرت كيف تتخلص من الجثة؟ سرعان ما خطر ببالها أن تضع جثة الطفل الصغير داخل بلاص المش ويحدثها هاتف فى رأسها «محدش هيجى على باله أنه جوا المش، جسمه هيدوب جوا المش من الملح ومحدش هيعرف حاجة» وبالفعل قامت بحمل الجثة ودفنتها ببلاص المش وجلست تنتظر معرفة أهله للخروج والصراخ مع النساء والبحث عنه مع أسرته، ولكن ما لم تستطع اخفاؤه هو الارتباك والخوف الذى كان يتملكها وهوى بها فى شر أعمالها وكشف خيط جريمتها وعثروا على جثة الطفل لتنتظر حبل المشنقة على طبلية عشماوي.
ابنك مات يا سيد
عقب حضور الجميع والاستعلام عن تواجد الطفل لدى أحدهم أنكر الجميع وبدأوا فى البحث، تعلو الأصوات بضرورة تحرير محضر وتجيب أخرى «لسه مكملش ٢٤ ساعة مختفى مش هينفع نعمل محضر احنا اللى هندور عليه»، بدأت الشكوك تحوم حول زوجة الخال من ارتباكها واصطناعها للبكاء وخلافها الدائم الذى كان مع والدة الطفل المتغيب، لتكون أم الطفل هى الشرارة التى بدأت: «روحوا فتشوا بيت أخويا» ليجيب والد الطفل: «يا بنت الناس كده هيحصل مشكلة أكبر مع مراته لو ملقناش حاجه وهتخسرى أخوكي» لترد: «روح دور على ابنك هناك يا سيد ابنك مات»، وبعد الحاح من الأم دلف بعض المقربين إلى منزل خال الطفل وبدأ فى تفتيشه ليعثروا على جثة الطفل داخل برميل المش وسط اندهاش وصراخ وعويل ومشاعر كثيرة مضطربة عاشها أهالى وأسرة الطفل.
المتهمة تعترف
دقائق معدودة حتى حضرت قوة أمنية من ضباط مباحث مركز شرطة الأقصر بمديرية أمن الأقصر، وبسؤال والد الطفل قرر بعثوره على جثة نجله بالمكان المشار إليه وبتكثيف جهود فريق البحث المشكل بمشاركة قطاع الأمن العام ومديرية أمن الأقصر تبين أن وراء ارتكاب الواقعة زوجة خال الطفل، وذلك لوجود خلافات مالية بينها وبين والدة الطفل، وعقب تقنين الإجراءات واستصدار إذن مسبق من النيابة العامة تم استهدافها وأمكن ضبطها وبمواجهتها اعترفت بارتكاب الواقعة، حيث قامت باستدراج الطفل داخل مسكنها وقامت بإلقائه داخل برميل «لحفظ الجبن» مما أدى إلى وفاته، وذلك لخلافات مالية بينها وبين والدة الطفل المتوفى فقررت الانتقام منها بقتل نجلها.
حبس وتمثيل الجريمة
وبعرض على النيابة العامة بالأقصر قررت التصريح بدفن الجثة عقب بيان الصفة التشريحية لها وإعداد تقرير واف عن كيفية وأسباب الوفاة وعرضه فور إعداده، وبمواجهة المتهمة بما أسفرت عنه التحريات والضبط أقرت أمام النيابة بجريمتها والتى أمرت بحبسها ٤ أيام احتياطيا على ذمة التحقيقات وجدد قاضى المعارضات حبسها ١٥ يومًا، كما اصطحب فريق من النيابة العامة المتهمة إلى مسرح الجريمة لإجراء معاينة تصويرية وتمثيل جريمتها وطلبت النيابة تحريات المباحث التكميلية حول الواقعة ولا تزال التحقيقات مستمرة.