كان يحلو للبعض أن يُطلِق علينا هذا المصطلح، الذى لا يخلو من مُشاكسةٍ، لكننا كُنَّا نُحبه.. لا لشيء إلا لأن نِسبتنا لرفعت السعيد فى حدِّ ذاتها كانت شرفًا لا يضاهيه شرف. فقد كُنَّا مُتهمين، نحن وهو، من قبل مُنظِّرى اليسار الثورجى، بأننا من أنصار الدولة الوطنية، وبأننا بالتبعية نقع فى خانة العداء للقوى الثورية - تلك القوى- التى كان يحتل تنظيمُ الإخوانِ، آنذاك، القلبَ منها على حد زعمهم.
أتذكرُ كيفَ أتينَا من قُرانا البعيدةِ إلى قاهرة المعز، محملين بأحلام الفقراء فى الخبز والحرية، توجهنا مباشرةً نحو مكتبِهِ، فقد كان قبلةَ كل اليساريين آنذاك.. شاغبناه كعادتِنا وتناقشنا معه، واحتدَّ النقاشُ حولَ تراجع دور اليسار فى المجتمع المصرى، وضحكَ رفعت السعيد قائلًا: «يأتى زمانٌ ونشغل عنه وأنتم ستبكون، وزنان مختلفان وقلب تقاسمه جدولان من الحب والضرب».
كانت جريدةُ «الأهالى» وقتًها توزِّعُ مائةً وخمسينَ ألفَ نسخةٍ، وكان حزبُ التَّجمعِ يقول بالفم المليان «لن ننتخب مبارك لفترة ثانية». كنا نرى كل ذلك «هراء» لأنه لم يأتِ فى إطارِ الدعوةِ إلى الفوضى -أقصد الثورة- كما كُنَّا نودُّ ونعتقدُ فى ذلك الزمانِ.
كُنَّا صِغارًا وقتها، قلنا فيه ما قال مالكُ فى الخمرِ؛ لكننا عشقنا روحه، لم نكن ننتقده، كنا ننتقد الظروف التى منعتنا من تحقيق أحلامنا، فى وطنٍ ينتمى إلينا وننتمى إليه.
لم نأتِ من الطبقة الوسطى، كنا أبناء الفقراء ندعى.. ولم نزل، لم نتنكر يومًا لماضينا، ولا لأهالينا ولا لمعلمينا.
ورحل المعلَّمُ فى مثلِ هذا اليوم منذ ثلاثةِ أعوامٍ، وآن لى أن أعترف، كما اعترف لى، من قبل، كل زملائى من متمردى اليسار، بأننا كنا نحبه بقدر ما كنا ننتقده، ربما لأننا لم نكن نستطيع أن نسبق خطاه، هو الشيخ المُسِن ونحن الشباب، كان يسبقنا دائمًا رؤية وتحليلًا، وتجاوبًا وتعاملًا مع الواقع، وحين انكفأنا نلاحق أحلامنا، كان يقبع هو على الواقع، دراسة وتحليلًا، ويخرج منه بالرؤية الثاقبة والموقف الصحيح.
تباركت يا معلمنا وتبارك اسمك ورسمك وتاريخك وسيرتك العطرة.. وتبقى دائمًا تنير لنا الطريق على مر الزمان.
عِمْ سلامًا يا رفيق.