الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أكتُب عن «بُـعبُع الإخوان»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تفاصيل المكالمة التليفونية بين «السعيد» ومهدى عاكف مرشد الجماعة  «هيكل» و«السعيد» يخدعان الحراسة ويتمكنان من زيارة محيى الدين أثناء الإقامة الجبرية.


الدكتور رفعت السعيد، رحمه الله، من المُفكرين القلائل القادرين على كشف التاريخ الأسود لجماعة الإخوان، يهزمهم دائمًا بالأدلة والبراهين، لديه كواليس معظم الوقائع التاريخية التى تُدين الجماعة وتضربها فى مقتل، أسرارهم وإرهابهم ومُذكرات كبار قياداتها كان يحفظها عن ظهر قلب لذلك كُنا نُطلق عليه لقب «بُعبُع الإخوان».
كان الدكتور رفعت السعيد أستاذًا لنا استفدنا منه، ومُعَلِمًا لنا تعلمنا منه، وقدوة لنا فى الدفاع عن الوطن والتصدى للفكر الإرهابي المتأسلم، كُتبه القَيمة تُزين مكتباتنا، أفكاره ما زلنا نقتدى بها، لى معه حكايات وروايات كثيرة جميعها تؤكد أنه مُفكر صاحب مَوقِف وله رؤية وطنية خالصة ويضع مصلحة الوطن نصب عينيه، كُنت أُحِب إجراء حوارات صحفية معه سواء كانت فى البداية لـ«جريدة الميدان» أو بعد ذلك لـ«مجلة الأهرام العربى»، كلماته لى كُنت أعتبرها نصائح أستزيد بها، خبراته فى السياسة تعدت الـ٦٥ عامًا، حكاياته كنت أنتظرها بفارغ الصبر لأنه كان يحكى لى تاريخًا لم يتم الكشف عنه.
فى بداية معرفتى به قال لى: «لازم تقرأ ما كَتَبه قيادات الإخوان السابقون عن جماعتهم وعن أنفسهم وعن تاريخهم، لازم تقرأ كتاب (النقط فوق الحروف) لعضو التنظيم السرى للجماعة أحمد عادل كمال، لازم تقرأ كتاب (حصاد العُمر) لعضو التنظيم الخاص صلاح شادى، لازم تقرأ مُذكرات عبدالمنعم عبدالرءوف وعبدالعزيز كامل، اقرأ وشوف واعرف استراتيجيتهم إيه؟ وشوف التنظيم السرى بيخطط إزاى؟ بيخدعوا الناس إزاى؟»، فما كان منى أن قُلت له: «حاضر يا دكتور لكنى أريد مجموعة كُتبك بالكامل»، وعلى الفور أعطانى كُتبه هدية لى وقال: «اقرأ ولا تتوقف عن القراءة».
بعدها وخلال أسابيع قليلة، كنت قد اشتريت الكتب التى أوصانى الدكتور رفعت السعيد بقراءتها، وقرأتها، وقرأت كُتبه، شعرت أن لدى شغفًا لقراءة المزيد، داومت على شراء الكتب الجديدة، وأصبحت أتحجج لإجراء حوارات صحفية معه، أتحدث معه فى الشأن العام والجماعات المتطرفة وما إلى ذلك.. ذات مرة أجريت حوارًا مع الدكتور رفعت اتهم فيه الإخوان بعقد صفقات مع النظام وبعد ذلك، يدعون أنهم مُعارضون للنظام ويتظاهرون بالمظلومية، كان الرد الإخوانى سريعًا على لسان مهدى عاكف مرشد الإخوان وقتها وقال نصًا: «الإخوان لم يعقدوا صفقات مع النظام ومَن تَعَوَد على الصفقات هو الدكتور رفعت السعيد الذى يُهاجمنا دائمًا ولا تُصدقونه لأنه كذاب»، كان حوار الدكتور رفعت السعيد مُسَجَلًا على شريط كاسيت، وأيضًا كان حوار مهدى عاكف مُسَجلًا على شريط كاسيت، كان رد الفِعِل غير مُتوقع من الطرفين، سارع الدكتور رفعت السعيد بالاتصال بى وطلب لقائى فورًا، ساعة فقط وكُنت أقف أمامه فى مكتبه بمقر حزب التجمع بوسط البلد بالقاهرة، قال لى وهو مُبتسِم وهاديء: «إنت أكدت لى إن حوار (عاكف) مُسَجَل سَمَعِنى وهو بيقول عليا كذاب».. قمت بتشغيل الكاسيت وسمع الدكتور «رفعت» تصريحات «عاكف» كاملة.. كان جرس التليفون المحمول للدكتور «رفعت» لا يتوقف، مكالمات من كبار رجال الدولة ومسئولين من كل الجهات والأحزاب والوزراء والبرلمانيين، وفجأة جاءه اتصال على تليفونه المحمول من نمرة غريبة لكنه لم يرُد وظلت نفس النمرة تتصل لمرات عديدة فاضطر الدكتور «رفعت» للرد وكانت المفاجأة وكان هذا الحوار الذى دار وأنا جالس فى مكتب الدكتور «رفعت» الذى سارع بفتح «الإسبيكر» لكى أستمع للمكالمة معه:
- الدكتور رفعت: نعم؟
- المُتصِل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- الدكتور رفعت: وعليكم السلام.. مين؟
- المُتصِل: أنا مهدى عاكف يا دكتور رفعت.
- الدكتور رفعت: أهلا يا أستاذ عاكف، ونسيت تِعَرَف نفسك وتقول بإنك المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وكنت كمان زميلى فى السجن وعارف إنى ما بكذبش وعمرى ما أكذب.
- عاكف: أنا بتصل بيك علشان أقولك ما تصدقش إنى أقول عليك كذاب، إنت عمرك ما كنت كذاب، مواقفك كلها وطنية، وماتزعلش لو حصل سوء تفاهم، وحقك عليا وأنا آسف.
- الدكتور رفعت: يا أستاذ عاكف أيامنا مع بعض فى السجن عَرَفِتك مين هو رفعت السعيد الذى لا يقول إلا الصِدِق.
- عاكف: خلاص بقى يا دكتور رفعت، أجيلك دلوقتى علشان أبوس راسك وعلشان مايعديش اليوم وإنت زعلان منى.
- الدكتور رفعت: لا ماتجيش يا أستاذ عاكف، أنا هاخلص المكالمة ومسافر مارينا أقضى يومين هناك.
- عاكف: خلاص يا دكتور هاجيلك مارينا أصالحك وأبوس راسك، أنا هاكون جنبك فى قرية أندلسية.
- الدكتور رفعت: لا.. بلاش يا أستاذ عاكف.
انتهت المكالمة، وضربت كفًا على كف، وكنت فى ذهول، وقال لى الدكتور رفعت: «عرفت مين اللى كذاب بقي؟ شوفت أهو بيعتذر وبينِكِر وبيكذب وعايز يجى لى وأنا رفضت، اعلم أن الإخوان جماعة إرهابية كاذبة تستغل الدين لتنصب على البسطاء».
كان الدكتور رفعت السعيد قويًا فى مواجهته للفكر المتطرف، وهو الذى أطلق على جماعة الإخوان بأنهم «دعاة التأسلم السياسي»، قضى عُمره كله مُدافعًا عن قناعاته بأن هذا التيار المتأسلم خطر على الوطن، لكنه فى نفس الوقت كان داعيًا للحرية والديمقراطية، دافع عن الطبقة العاملة المطحونة من الشعب المصرى وعارض التعديل الأجوف للمادة ٧٦ من الدستور فى عام ٢٠٠٥، وقال لى فى أحد حواراتى معه: «صفوت الشريف مِتابع مقالاتى عن المادة ٧٦ بيقراها كلمة كلمة لدرجة إنه تحدث معى تليفونيًا وهو غاضب واشتكى من نقدى اللاذع لها لكنى صممت على رأيي وأصدرت مجموعة المقالات التى نشرتها طوال شهر مارس ٢٠٠٥ فى كتاب وتم توزيعه فى الأسواق وحقق أعلى نسبة توزيع وقتها».
ومن يريد الاستمتاع لحلاوة سرد الذكريات عليه بقراءة مذكرات الدكتور رفعت السعيد، يحكى بطريقة سهلة سلسة مميزة، من يريد قراءة موضوعية لسنوات صنعت التاريخ المصرى الحديث عليه بقراءة مذكرات الدكتور رفعت السعيد والتى حكى فيها عن بداياته فى المنصورة ووالده ووالدته وإخواته السِتة وطفولته وقصته مع الإخوانى خميس حميدة ومحمود المليجى القيادى بمصر الفتاة ومحمود ندا القيادى الوفدى، سيقرأ وهو يتابع الأحداث التاريخية طوال الخمسينيات والستينيات وحياته الجامعية فى شارع سبيل الخازندار فى العباسية وقصته مع السجن وأخبار اليوم وهزيمة ٦٧.. إنها قراءة للتعلم والمعرفة من قامة سياسية قلما أن تتكرر.
وللدكتور رفعت السعيد حكايات كثيرة مع الأستاذ محمد حسنين هيكل أهمها ما قاله لى فى غرفة الضيوف بقناة المحور حينما دعوته للظهور فى برنامج «٩٠ دقيقة» مع الإعلامية القديرة ريهام السهلى حيث قال: «كان الأستاذ هيكل مُختلفًا مع الأستاذ خالد محيى الدين لكنه حينما وُضِع خالد محيى الدين تحت الإقامة الجبرية تواصل معى وصمم على زيارته رغم وجود الحراسات على منزله، واتفقت معه على أن الحل الوحيد أننا نطلع البيت من سِلِم الخدامين وهو ما حدث وطلعنا السِلِم لأربعة أدوار فى غفلة من الحراسة، والتقى هيكل محيى الدين فى حضورى وقَبَله وحضَنه وشد من أزره وقال له: «أنا معاك وهاكلم السادات لكى يُنهى الإقامة الجبرية».
بقى أنا أقول: «إن الدكتور رفعت السعيد كان مُحبًا للرئيس السيسى ومُقدرًا لدوره العظيم فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ووقوفه بجانب ثورة الشعب على الظلاميين»، وقال لى: «التقيت السيسي مرات عديدة وذات مرة جلسنا لمدة خمس ساعات وقلت له فى حضور قيادات الأحزاب: عايزين نِعرف أسباب التمويل الأجنبي للمنظمات والجماعات، وما حجمه؟ قولي وسيبنى عليهم».
كان للدكتور رفعت السعيد كلمات مأثورة، لا يقولها إلا هو، كان يُردد كلمات نجيب سرور، ويقول: «حاسب على الأرض، وحاسب وإنت بتدوسها، لو تنطق الأرض، كنت توطي وتبوسها»، هذه الكلمات تؤكد تواضع هذا الرجل العظيم الذى يُعد أحد أبرز المدافعين عن الحرية ودفع ثمن دفاعه عنها، وأحد أهم من تصدى للفكر المتأسلم.. كان عاشقًا للوطن ويقول فى حب مصر «مصر وطن جميل يستحق أن نضحى من أجله».