الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ثقافة الاستكثار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في كافة مجالات الحياة سنجد أن ثمة مبدأ خاطئا يستهين بقدرات الناس ويقلل من شأنهم وقيمتهم كأفراد في المجتمع، ما يخل بتطور ونمو المجتمعات ألا وهو جمل ومفردات مصطلحات يومية يستخدمها الناس بشكل دائم دون عمد أو عن عمد لكن نتائجها كارثية ألا وهي: "على قفا من يشيل"، وكانت في التسعينات تسود جملة" ابن مين في مصر يعني؟"  والقائمة تطول. وهو ما يطلق عليه التقليل أو التحقير من شأن الآخرين  “trash talking”

وأقابل يوميا أناس يمارسون تلك العادة الرذيلة بدم بارد يقتلون بذلك الابداع والابتكار من حولهم وأول من يتأثر بهم أطفالهم، وينتج ذلك ظاهرة أخرى ألا وهي " التنمر". وسنجد معلمون يدمرون القدرات الابداعية لدى طلابهم بهذا الشكل البسيط من الاستهتار بالقيمة والتقليل من الشأن الذي قد يدمر سيكولوجية طفل في مقتبل العمر. 

الاستكثار في المعجم تعني "الوفرة"، لكن هل تعني الوفرة أن نستغني طوعا عن إمكانات ومواهب دفينة في كل شخص خلقه الله. فكما خلق كل منا له بصمته الخاصة التي لا مثيل لها خلق كل منا بكيان لا مثيل له..  سبحانه لم يخلق كائنا عبثا، فلم هذه الأحكام الجاهزة والمطلقة التي نتراشق بها يوميا؟!. فتجد شركات تسرح عددا من منسوبيها بحجة أن العدد زائد! السؤال الذي يطرأ هنا: هل تم توظيف إمكانات وقدرات هؤلاء بالشكل العادل والصحيح ؟! تخرج الجامعات آلاف الشباب المتماثلين في التعليم لكن هل يتم البحث عن الاستعانة بمواهب الطلاب لخلق تمايز وتنوع في الإمكانيات والقدرات المهنية، لكن السخرية من آداء الطلاب والموظفين ماذا سينتج؟ قد يحفز التنافسية من وجهة نظر البعض لكن في النهاية يصبح التنافس غير شريف ولا إبداعي وتكون المحصلة...لا شيء.

نجد ذلك واضحا وجليا في الفرق الرياضية فنجد انحيازا لبعض اللاعبين دون غيرهم وتقليل من شأن لاعبين بدافع تعزيز التنافسية وتحقيق النتائج إلا أن ذلك غالبا لا يؤتي ثماره وعلينا أن نسأل عن سبب تأخرنا في مجال الرياضة عالميا بالرغم من وجود ملايين المواهب بكل تأكيد بين 150 مليون نسمة!. 

 وإذا أجرينا مقارنة سريعة بين تقدير قيمة الفرد في المجتمعات العربية والمجتمعات الغربية سنجد أن هناك تقدير كبير لقيمة الفرد، ويتعلم الفرد خلال التنشئة الاجتماعية قيمته وهويته التي تشكل فيما بعد سلوكياته وأفعاله وهي قوام الظواهر الاجتماعية. في كتاباته أشار عالم الاجتماع البولندي "زيغمونت باومان" لأهمية دمج الأفراد داخل المجتمع لافتا إلى أن المجتمعات الغربية انتقلت للحداثة عبر تكريس النزعة الفرادانية واعتبار كل فرد قيمة في حد ذاته. 

المجتمعات ذات البنى والأنظمة التي تخلق أفرادا متماثلين ولا تعزز القدرات الفردية تجني على نفسها بموت الابتكار والانسياق لفكرة كونها مجتمعات تابعة. لنأخذ مثال الصين التي عززت من قيمة الفرد وخلقت الفرص لكل مواطنيها وفتحت لهم أفاق الابداع والابتكار لتغزو العالم بمنتجاتها. 

تعزيز ورفع قيمة الفرد وغرس حقوق المواطنة يجب أن يبدأ من المدارس والأندية ثم الجامعات لتعزيز قيمة الأفراد في مجتمعهم واحترامهم واحترام قدراتهم وإمكاناتهم منذ الصغر ليكون الحصاد مجديا. لذا أدعو الجميع لنبذ ثقافة الاستكثار واحترام كل فرد وجد في مسار حياتك أيا كانت مهنته أو قدراته فالدعم الذي يمكن أن تقدمه لبعضنا البعض سيؤدي فيما بعد لما يعرف في علم الاجتماع بـ " الخير العام".