افتتح مساء أمس الاثنين، أولى فعاليات «مهرجان الأراجوز المصري» في دورته الثالثة والذي تنظمه فرقة ومضة بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية وبدأ المهرجان بدعوة مديره ومؤسسه الدكتور نبيل بهجت الجمهور بالوقف دقيقة حدادا على أرواح ضحايا حادث كنسية أبو سيفين.
وبدأ المهرجان بحفل توقيع كتاب خيال الظل المصري من جعفر الراقص حتى الآن ثم بدأت الندوة الأولى في المهرجان بعنوان الأراجوز وخيال الظل الفلسفة والاستراتيجيات وتحدث فيها د عبد الكريم الحجراوي ووقف على قدرة تلك العروض على الانفتاح على كل الأماكن بحيث يمكن تنفيذ العرض في أي مكان وقال يحتل الأراجوز وخيال الظل بمكانة كبيرة في الذكراة الشعبية المصرية وهو أحد مكونات الهوية التي شكلت وعي ووجدان المصريين عبر مئات السنين وقد عانت هذه الفنون الشعبية في الآونة الأخيرة لهجمة شرسة بفعل التقدم التكنولوجي بالإضافة إلى المزاج النخبوي الذي ظل يحتقر هذه الفنون إلى أن قدر أساتذة يعيدون هذه الفنون إلى الواجهة ويحمونها من الاندثار ويعرفون الناس بمكانة هذه الفن وكان الدكتور نبيل بهجت من هؤلاء المهمومين بحماية هذا التراث والفن الفرجوي المصري من الضياع وتعريف العالم كله لا المصري بمكانته رافعا شعار لدينا ما ننافس به وقام بكتاب ملف وتسجيل الأراجوز على قوائم اليونسكو وتعد هذه الفنون امتدادا لتراث المصري القديم الذي مازالت الجداريات في المعابد المصرية شاهدة عليه وموثقة له.
متابعًا : وتتميز الفنون الفرجوية الشعبية مثل السير الشعبية والأراجوز وخيال الظل البساطة فهي مسراحنا التي تحتاج إلى تكلفة تقام في الشوارع والساحات وتخلق حالة من البهجة.
فيما أشاد د عبد الكريم الحجراوي بالجمهور النوعي للمهرجان الذي يسعى خلف كل ما يرسيخ الهوية المصرية في ظل عصر السموات المفتوحة، وتحدث د نبيل بهجت محددا الفلسفة والاستراتيجيات لتلك العروض في عدد من النقاط وهي المراوغة والمناورة والمرونة والتستر والالتصاق بالواقع والسرية والتكرار والتسير والإحكام والسهولة والمتعة وعن المراوغة قال أن الاراجوز وخيال الظل ارتبط منذ اللحظة الأولى بالفضاء العام عرضًا وإنتاجًا لذا كان السؤال عن مشروعية هذا الفن متكررا ففي الوقت الذى أباحه القاضي الفاضل في الخبر المنقول عن صلاح الدين ،وحمله معه السلطان شعبان للحج 778 هـ يأمر آخر بحرقه ويجبر أربابه على التوقيع على تعهد بعدم تقديمه وهو ما يبرز أمرين الأول سلطة الفقيه على الفنون بالمنع والإتاحة وكذلك تذبذبت الآراء حوله ، وكان الانتقاء المراوغ للفنان وسيلة الفنان لتجاوز تلك السلطات وهو ما نراه في تعليق القاضي الفاضل "رأيت موعظة عظيمة رأيت دولاً تقضي ودوًلا تأتي..." في الوقت الذي كانت الخلاعة و المجون أحد أبوابه ومقاصده فلم تكن بابة المتيم والصنائع اليتم بعيدة العهد عن تلك الفترة ، تلك المراوغة الانتقائية دفعت المخايل لتقديم عرض يجسد إعدام طومان باى ليغازل الفنان زهو السلطان الجديد/سليم الأول بانتصاراته ويضمن استمراره و مشروعيته مع النظام الجديد آنذاك ويعجب به السلطان وينقله إلى مقر الخلافة في إسطنبول ليأخذ بذلك جواز مرور لأرض الخلافة فالوعي بالحاجة إلى المشروعية -من خلال السلطة الدينية السياسية- هو الذى جعل من التوبة والعودة إلى الله -في نهاية البابات- منقذًا للإنسان من منتقديه، وبابًا لمشروعية ما يقدم، إذ يموت المتيم تنبيها للقوم من الغفلة والنوم وعبرة وعظة-على حد قول ابن دانيال - بعد أن يقدم منولوجًا عن التوبة والاستغفار، فالأخطاء لم تكن من تلك التي يمكن أن يتجاوز عنها المجتمع بسلطاته؛ لذا جاء الموت كمسوغ لعرض قصة حياة صاحبه التي أصبحت مقدمة لنتيجة حتمية يجب التحذير منها، وتطل علينا هذه الحيلة/ التوبة لنراها –أيضًا- في نهاية "عجيب وغريب وطيف الخيال" كنموذج واضح على مراوغة الفنان للحصول على جواز المرور، وإتاحة المضمون الذى يريد عرضه، كذلك نلمح تلك المراوغة في أسلوب التحريك قديمًا من خلال عصوان: إحداهما مثبتة بثقب في قلب الدمية، والأخرى في الكف الأيمن للدمية، لترد الأولى –بوضوح- على فتاوى تحريم التجسيد؛ فوجود الثقب في قلبها علامة خلوها من الحياة لتجاوز فتاوى تحريم التجسيد.
وعن التستر فأكد د بهجت حدد أنه للستارة وظيفة أكبر من كونها وسيط عرض إذ تعمل على الحماية بالحجب، وتختلف بذلك عن القناع الذي يعمل على الهوية تغيرا أو إخفاءً أو تأكيدًا، ليتحمل الجزء المرئي من العرض مسئولية المنطوق به، وتبدأ نصوص ابن دانيال الثلاثة بمقدمة على لسان "الريس" وهو ما يؤكد على حضور صاحب العرض الذي يختفي صوته تدريجيًا كستار معنوي.
أما عن المرونة فأشار للأدوار أثبتها ابن دنيال لنفسه معددا مهاراته في بداية البابات و قدراته المختلفة من الرسم/ صناعة الدمى/ تجهيز مسرح العرض/ الغناء/ العزف....، ويكشف التدريب والعمل المستمر لفنان خيال الظل ليتقن عددا من الفنون؛ فيصل بالموهبة إلى الاستطاعة، فالنص بمفرده لا يحقق الحالة المنشودة، وحالات التنقل والترحال من مكان لآخر، تفرض الحاجة الاختصار والاختزال في الأدوات والأفراد لتنفيذ العرض تحت أي ظرف، ولا يغيب عنا –أيضًا- ما تحققه هذه الشمولية من القدرة على الإبداع وتوفير النفقات، وتكسبه الحرية والقدرة والاستطاعة، وسرعة الاستجابة لمستجدات الواقع الذي هو موضوع خيال الظل بتفاصيله، ولغته، ومفرداته، وصراعه، فكثير من البابات لم تكن إلا انعكاسًا للواقع المعاش ووثيقة اجتماعية لمراحل مختلفة.
وعن التكرار جزء أصيل من فلسفة تلك الفنون فالدمى والمناظر في بنية خيال الظل الذي يتكون من وحدات زخرفيه مكررة بشكل هندسي يتسم بالتناغم والتوازي، إذ يأتي التكرار على هيئة متواليات هندسية لتشكل جسد الدمية أو المنظر، وغالبًا ما يعتمد الفنان الشعبي على قصص محددة يعرضها كلما حل، إذ يعتمد فن الأراجوز على أربع عشرة دمية وتسعة عشر عرضًا "نمرة" محفوظة ومتوارثة، فلماذا لا تفقد تلك العروض تألقها؟، ولماذا لا ينصرف الجمهور عنها؟ فالتكرار يفقدنا الدهشة والرغبة معا في أغلب الأحيان.
والمتأمل لتلك العروض يجد أن الجمهور عنصر فاعل في اللعبة المسرحية، ودائمًا ما يحرص اللاعب على إدماج تفاعلاتهم للمساعد في الانتصار على العناصر السلبية في العرض، فجمهور تلك العروض في حاجة للشعور بالتحقق والإنجاز بالانتصار ليخلق ذلك داخله نشوة مؤقتة بتلك الانتصارات الصغيرة تضيف للمتعة والتسلية وظيفة التنفيس من القهر الاجتماعي والسياسي والديني، وهو ما يحتاجه الإنسان البسيط ليكمل حياته في ظل منظومات تخرجه من معادلتها، وتحمل الخبرة المتسربة للجمهور من خلال التكرار ما يشعره بأنه أحد صناع العرض مما يزكى القدرة والتعبير عن الذات والتحرر من آليات العجز الذي يفرضه عليه الواقع، وكذلك تمثل تلك العروض جزءا هامًا من الإبداع الجمعي الذي يستقر بتلقائيته في الوجدان؛ ليتساوى في ذلك تمامًا مع الأعمال الفنية العظيمة، إذ لا نمل من تكرار مشاهدة لوحات كبار الفنانين، أو سماع موسيقي كبار الملحنين حيث تعطينا فرصة لإعادة تأمل الجمال والذات والعالم، وهو ما نجده في تلك الفنون مع اختلاف مستويات وأدوات التعبير.
وعن الإحكام والسهولة والمتعة:
فقال تتميز تلك الفنون بعناصر الإحكام والسهولة والمتعة، فسهولة القصة وسلاسة الحبكة ووضوح الشخصيات ونوازعها أول ما يلاحظ في تلك الفنون كما تعكس الدمى - التي احتفظت بها المتاحف عبر العصور المختلفة - درجة الإحكام في التصميم، وبالرغم من بساطة الحدث في بابات ابن دانيال إلا أن إلمامه بالمحسنات البديعية، ومقدرته الشعرية، والتجاور بين الفصحى والعامية، واستخدام السجع والجناس التام والناقص والطباق والمقابلة وفن التحامق كمحسنات بديعية، وكشف متناقضات الواقع آنذاك كل هذه العناصر صاغة نصه بالإضافة إلى بعض المفردات التي تستهدف المتعة في المقام الأول وتخلق السهل الممتنع و قد انتقلت تلك السمات "للمخايلين "الجدد وأكسبتهم قدرة على الأداء المركب السلس فغالبًا ما يبدأ العرض بحدث بسيط تتوالى بعده الأحداث ممتزجة بالفكاهة والغناء ملتمسة سرعة الإيقاع والتماسك والسهولة وعدم التعقيد كمتلازمات لتلك العروض تصنعها مهارة اللاعب وتناغمه مع مساعديه والجمهور والوعي بأهمية المتعة كحافز للجمهور وللاعب أيضًا، فخلف الستارة مساحات للعب والضحك والغناء والمتعة، بما يمثل دافعًا للفنان للاستمرار رغم كل التحديات.
وأعقب الندوة عرض التمساح بطولة الفنان على أبو زيد سليمان والفنان مصطفى الصباغ والفنان محمود سيد حنفي والفنان صلاح بهجت ولاعب الأراجوز والكنز البشري صابر شيكو والعرض إعداد وإخراج د نبيل بهجت عن البابة التراثية الشهيرة والتي تحمل ذات الاسم أيضاويحاول العرض من خلال الأراجوز وخيال الظل والراوي أن يصنع لغة مسرحية تقف بقدم في التراث والأخرى في الواقع معتمدة على القصة التراثية التي تدعو للتعاون والمحبة ولقد أشاد الجمهور والحضور بالعرض وتستمر فعاليات المهرجان حتي يوم الأربعاء 17 أغسطس ببيت السناري.