جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى أثناء زيارته الأخيرة للكلية الحربية حول الأزمة التى أثارتها الولايات المتحدة الأميركية بزيارة ناسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب الأمريكى لتايوان لتعكس العلاقات التاريخية الوطيدة بين مصر والصين منذ نشاتها عام 1956.
حيث أكد السيسى على أن سياسة مصر الخارجية تقوم على ثوابت لا تتغير وأن مصر حريصة على دعم الاستقرار الإقليمي والدولي وأن سياسة مصر ثابتة تجاه الوضع في تايوان انطلاقًا من مبدأ "الصين الواحدة".
ومن الطبيعى أن تأتى مثل هذه التصريحات المهمة من الرئيس عبد الفتاح السيسى فى هذا التوقيت لتكشف عن موقف مصر التاريخى من أزمة زيارة "نانسى بيلوسى" لتايوان حيث كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تؤسس للعلاقات الدبلوماسية مع الصين والتى شهدت صداقة دائمة وتوافق فى الرؤى السياسية تجاه العديد من القضايا الاقليمية والدولية ووقوف البلدين جنبًا الى جنب دعمًا لبعضهما البعض فى العديد من المواقف السياسية التى واجهاها وكان أبرزها وقوف الصين مع مصر داعمًا فى المحافل الدولية أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 وكذلك فى بداية بناء السد العالى ورفض البنك الدولى بإيعاز من الولايات المتحدة الأميريكية تمويل بناء السد عام 1960.
إن زيارة نانسى بيلوسى لتايوان تمثل إحدى الجولات الأميريكية فى لعبة استفزار الصين حيث إنه على الرغم من إعلان واشنطن –المزعوم- بالتأكيد على التزامها بكل الاتفاقات السابقة حول مبدأ "الصين الواحدة" التي لا تمثلها سوى حكومة بكين، إلا أنه تلك الزيارة جاءت لتعبر عن لعبة توزيع أدوار تقليدية بين مؤسسات صُنع السياسة الخارجية الأمريكية فى إطار مجابهة واحتواء الصين والتى حدثت مرارًا عبر عقود من الزمن فى ظل الإدارات الأميريكية المتتابعة.
وقد أخذت منحى خطيرًا فى عهد إدارة الرئيس بايدن بتلك الزيارة -المشئومة- وما سبقها -فى سبتمبر 2021-من إعلان قيام حلف عسكرى وأمنى بين الولايات المتحدة الأميريكية والمملكة المتحدة واستراليا لمجابهة الصين فى منطقة المحيط الهادئ والهندى.
فى حين تقوم الاستراتيجية السياسية الصينية نحو التعامل مع الصراعات الاقليمية والدولية على سياسة الحكمة والصبر واتباع نهج النفس الطويل وأبرز مثال على ذلك نجاح الصين فى استعادة "هونج كونج" من الحكم البريطاني بعد 99 عامًا دون قيام حرب أو حدوث أى خسائر اقتصادية للصين.
وعلى الرغم من قيام الولايات المتحدة الأميريكية على مدار عقود مضت بترويج الصورة الذهنية عن "الخطر الصينى" كانت الصين دائما حريصة على التعامل مع تلك السياسة العدائية بالحكمة والحفاظ على علاقاتها معها خصوصًا فى المجال التجارى والاقتصادى وغيرها من المجالات الأخرى مثل التعاون فى قضايا الهجرة والجريمة الدولية والمخدرات والمناخ والتى أعلنت الصين عن تعليق المحادثات بشأنهم مع الولايات المتحدة الأميريكية بعد زيارة بيلوسى لتايوان دون الانجرار إلى مواجهات عسكرية مباشرة مع أمريكا.
وذلك فى إطار فهم الصين للدوافع الاميريكية بمحاولة جرها إلى مواجهات عسكرية بالوكالة مع النظام فى تايوان فى محاولة خبيثة لوقف النمو الاقتصادى الصينى الذى حقق نجاحات باهرة، وقد أصبحت الصين القوة الاقتصادية الثانية فى العالم والآخذة فى النمو نحو السيادة واحتلال المرتبة الأولى فى غضون سنوات قليلة قادمة وفقا للمؤشرات الاقتصادية العالمية.
وتمثل زيارة نانسى بيلوسى لتايوان فى ظل التغيرات الجيو- سياسية التى يمر بها العالم فى هذه الآونه نقطة فارقة فى تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الصين وأمريكا وقد وصلت فيها تلك العلاقات الى مستوياتها الأدنى على كافة الأصعدة وحتى الشعبية منها حيث ترسخت الصورة الذهنية السيئة لأمريكا لدى الصينيين ، وقد أصبح من الشائع الآن ما أطلقوه عليها بأنها “ الدولة القبيحة "Guo Chou".
** عميد كلية الألسن ومدير معهد كونفوشيوس جامعة قناة السويس