يزداد أعداد الضحايا بشكل يومى جراء ممارسات ما يسمى بالطب البديل فى مصر؛ والطب البديل مصطلح واسع يضم عددا ضخما من الممارسات التى ينتحل فيها الممارس شخصية طبيب ويجذب إليه الناس ويوهمهم بشفائهم ثم يستولى على أموالهم ويتحولون هم لضحايا ليس فقط لما يخسرونه من أموال، بل أكثر مرضا وعجزا.
لا يحتاج المواطن كى يحدد أبعاد الظاهرة أن يقرأ التقارير التى تصدر عن الجهات الرسمية المنوطة بشأن هذه الحالات التى تروح ضحية لمراكز غير شرعية تمارس الطب بل عليه أن يسير فى شارع شعبى ويقرأ بعض اللافتات أو العبارات على الجدران، سيجد عبارات من نوعية "الشيخ فلان الفلانى معالج روحي» و«الدكتور فلان الفلانى يعالج بالحجامة والأعشاب".
شغل الرأى العام عدة قضايا فى هذا الشأن، مثل قضية طبيب الكركمين، وقضية وفاة شقيق الفنان رامى صبرى الذى راح ضحية أحد مراكز الإدمان غير المرخصة، فالمراكز غير المرخصة ومشايخ الدجل والشعوذة ومدعو تخصص الحجامة والطب الدينى والهوميوباثى والعلاج بالقرآن والعلاج الروحى والعلاج بالطاقة وإلى آخره من هذه المسميات تندرج تحت مصطلح الطب البديل، وهو ظاهرة تشبه ظاهرة المستريح التى انتشرت مؤخرا ولكن مستريح يرتدى ثوب الطب.
"البوابة" تحاول اختراق عالم ما يعرف بـ"الطب البديل"، وهو قطاع غير رسمى خفى ومخالف للقانون، من خلال لقاء عدد من الضحايا الذين يروون تجاربهم مع الطب البديل وعدد من المسئولين ليطلعونا على الإجراءات التى تتخذها الدولة لمواجهة هذه الظاهرة.
ضحايا الطب البديل يتحدثون
فى البداية، يقول "م. منصور" ٣٠ عاما كفيف لـ"البوابة"، إن السبب الرئيسى لفقدان بصره كان الدجل والشعوذة، فقد ولد بعينين سليمتين فقدهما عندما كان طالبا بالصف الخامس الابتدائي.
يقول: ولدت فى إحدى القرى الفقيرة التابعة لمحافظة سوهاج وأنا على مشارف العام الدراسى الجديد بالصف الخامس فى المرحلة الابتدائية بدأت أشعر بوجع يصيب عينى حكات عنيفة وتشوش فى الرؤية، جرت بى أمى على أقرب مستشفى قالوا لها إنه التهاب رمدى أصاب حدقة العين ويجب حجزه وطال الحجز، فأصدقاء أبى أوصوه أن يخرجنى من المستشفى ويذهب بى لى الشيخ فلان، فطلب الشيخ مجموعة طلبات بينها تقطير عينى بمادة توجد فى مرارة ذئب، فأجلبوها فقضت على ما تبقى لى من بصر".
وأكمل: كان ممكن أن ينتهى بى المطاف إلى أن أصبح مقرئا للقرآن فى المقابر كما يفعل المكفوفون فى قريتنا لكنى آثرت استكمال تعليمى فى إحدى المدارس.
واختتم حديثه: بعد الزواج اتخذت قرارا لتربية أبنائى على احترام الطب، ولدى بنت وولد أتمنى أن يطيل الله فى عمرى حتى أصل بهما إلى كلية الطب، حادثتى ولدت داخلى كرها عظيما إلى الدجالين والمشعوذين والطقوس الشعبية التى قد تنم عن جهل شديد وتلحق الأذى بالجميع وأتمنى لو ينتهى عرض هذا المسلسل المرعب فى مصر".
أما "م. أنور" ٤٢ عاما- عامل محارة؛ فيرى وجها مختلفا للطب البديل بناء على تجربة مر بها.
يقول: "أصيبت بجلطة فى ساقى اليسرى نتيجة تناولى المخدرات فكنت أتعاطى الترامادول والبودرة، نقلت إلى أحد المستشفيات الحكومية فى القليوبية؛ وشرحوا إن الساق متورمة للغاية ويجب بترها إنقاذا لحياتك ثم بعدها نقلت إلى مستشفى آخر ومكست به ٤٢ يوما وقالوا لى إنه يمكن تفادى البتر بمزيد من العلاج، أنفقت ما يقرب من ١٢٠ ألف جنيه وما زالت ساقى متورمة، أحد أصدقائى طلب منى أن أعمل حجامة، كنت أول مرة أسمع هذا الاسم، فقادنى لأحد المشايخ أجرى لى جلستين دون أخذ أى مقابل مادى بعدها تحسنت ساقي، علمت فيما بعد أنها كانت سنة عن الرسول وتستهدف تحرير الدم الفاسد من الجسم".
يشرح م. أنور: بدأ الشيخ أولا بملامسة جسدى بالموس فى أربعة مواضع مختلفة من الظهر ثم كبسها بكاسات ضاغطة وشفط ما دخلها من هواء فيبدأ الدم المتجلط ينسحب من الجسم.
ويضيف: كنت أسمع من الأطباء أن هذا دجل وشعوذة، ولكن عندما فشل الطب مع حالتى وسلبنى كل أموالى آمنت بالطب البديل.
تواصلت "البوابة" فى صورة مريض مع الشيخ "إمام سالم" الذى يدعى أنه يعالج الشلل النصفى وشلل الذراع والقدم واللسان والوجه والغضروف وعرق النسا والصداع والآلام الروماتيزمية/ بحسب كروت الدعاية التى يوزعها.
شرحنا له أننا نعانى مع آلام مستمرة فى فقرات العمود الفقرى مُنذ فترة، فأوضح "سالم" فى بداية حديثه أنه يستقبل المرضى فى أى يوم خلال الأسبوع "تعالى ونشوف اللى عندك"، وبسؤاله عن طريقة العلاج قال سالم أنه يعالج بطريقة الفصد والحجامة وبعض الأدوية.
وأضاف سالم، أنه يكتب بعض الأدوية للمريض يأتى به من الصيدلية، وعن سعر الجلسة أو العلاج قال سالم لمحرر "البوابة": "ما بتكلمش عن الفلوس غير لما أشوف المريض قدامي".
وبسؤاله عن طريقة العلاج صحيحة أم لا؟ قال سالم إن العلاج بالفصد والحجامة سنة عن النبى، وإنه أخذ تلك المهنة وراثة عن عائلته.
إمام سالم: لا أختلف عن الأطباء
وللوقوف على حقيقة الأمر، تواصلنا للمرة الثانية مع "إمام سالم"، ولكن هذه المرة ادعينا أنه لدينا أحد الأقارب الذى أُصيب بـ"شلل نصفي" نتج عنه فشل فى تحريك الوجه واليد والقدم فى نفس الجهة، فسأل إمام عن المدة الزمنية التى حدث فيها الشلل فأجبناه بأن تلك الحالة منذ أكثر من سنة وأنه خلال هذه الفترة، زار أطباء كثيرين وحصل على أدوية، لكن دون تحسن".
فأوضح لنا إمام، أن طريقة علاج هذه الحالة ستكون عبارة عن أدوية من الصيدلية، بالإضافة إلى العلاج بالحجامة والفصد، وتابع "عالجت حالات كتيرة من الشلل النصفي، جديدة.. أما القديمة اللى مر عليها وقت تأخد وقت أطول فى العلاج"، لذلك "الناس تأتينى من كل منطقة فى مصر ولسه فيه ناس كانوا عندى بحالة وجايين من جرجا واستقبلتهم وعملت اللازم ورجعوا تاني".
وعن المكان الذى يستقبل فيه إمام المريض قال إنه يستقبل مرضاه فى "مضيفة" أو ساحة تابعة له فى منطقة الصف فى حلوان، موضحًا أن العلاج أو الطريقة التى يعالج بها المرضى مثل الأطباء على حد قوله.
الأطباء تحذر: لا يفقهون شيئًا فى الطب
وعلى الجانب الآخر يقول الدكتور يحيى دوير، عضو مجلس نقابة أطباء القاهرة، إن النقابة مهتمة أكثر بالأطباء وليس مدعى الطب، موضحا أنه من ناحية أخرى النقابة مسئولة عن صحة المصريين أجمعين بالتعاون مع إدارة العلاج الحر فى وزارة الصحة، حيث إن أى شخص يفتح مركز علاج لتلك الحالات المفترض من يقوم بإغلاقه هو العلاج الحر فى الوزارة حيث يجب أخذ ترخيص من الوزارة قبل الفتح.
وأضاف أن معظم هذه المراكز تعمل فى الخفاء دون أى تصاريح ما يعرض حياة المصريين للمضاعفات التى تصل إلى العجز الجزئى أو الكلى وحتى الموت فى بعض الأحيان، واصفا أصحاب هذه المراكز بمدعى الطب الذين يخاطرون بحياة المرضى من أجل كسب المال سواء بتسويق أعشاب أو علاجات غير مرخصة من هيئة الرقابة الدوائية، وفى بعض الأحيان يصل الأمر إلى قيامهم بإجراء عمليات جراحية دقيقة فى تلك المراكز غير المرخصة وغير المؤمنة لإنقاذ المرضى فى حالة حدوث مضاعفات.
وأضاف دوير فى تصريحاته لـ"البوابة"، أن الذين يعالجون الناس بتلك الطريقة لا يفقهون أى شيء فى الطب وضررهم أكثر من نفعهم، موضحا أن الطرق الحرة تؤدى إلى الإصابة بالغضروف وأمراض أخرى مثل الشلل الرباعى أو قطع فى الأوتار.
وأوضح أن السبب فى انتشار تلك المراكز يرجع الى الجهل، لذلك فإن دور الوزارة ونقابة الأطباء أن توعى المواطنين بأهمية العلاج عند طبيب مختص بتلك الحالات، مؤكدا أن الذين يعالجون الناس بتلك الطريقة أحداث فردية، لكن للأسف منتشرة فى المناطق الشعبية والمحافظات إلى حد كبير وفى بعض المناطق الراقية على نطاق أقل من المناطق النائية.
استغلال مرضى
وفى نفس السياق يقول محمود فؤاد، رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء، إن العلاج بتلك الطريقة وانتشار المشايخ الذين يدعون أنهم يعالجون الناس بالسحر والشعوذة شائع فى بعض الأحيان لأسباب عديده منها الأمية إلى جانب استغلال حاجه الناس للشفاء من أمراض مستعصية لم يجد العلم حلا لها حتى الآن أو بسبب ارتفاع مستوى المعيشة مما سيكلف المواطن عبئا فيلجأ للعلاج بهذه الأشياء.
وأضاف فؤاد لـ"البوابة" أن هؤلاء المتلاعبين بصحة المواطنين هدفهم أولا وأخيرا المكسب خصوصا أن القوانين الحالية غير رادعة بالشكل الكافي، مع انتشار الظاهرة حيث يتم ضبط طبيب منتحل صفة تقريبا كل شهر، مؤكدًا أن تلك الظاهرة فى ازدياد لدرجة مرعبة لأن الجهة المفترض عليها مراقبة كل هذه الظواهر وهى إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة هى الأخرى لديها مشاكل بتعدد قضايا فساد أصبحت تتصدر اهتمامات الرأى العام.
وتابع فؤاد، أن نقابة الأطباء ليست مسئولة عن ظهور هذه الظواهر لأن قانونها خاص بالأعضاء العاملين فقط بالتالى دورهم غير موجود من الأساس، مؤكدا أن انتشار العلاج بتلك الطريقة كبير للغاية والاستسهال فى علاجه والقضاء عليه سيجر على المجتمع حوادث وقضايا أخرى لا نعرف عواقبها فى الوقت الحالي.
وأكد فؤاد، أن ما يفعله الشيخ إمام سالم وغيرهم من النصابين والدجالين يعد مهزلة كبيرة لابد من نهايتها، موضحًا أن العلاج بتلك الطريقة له عواقب خطيرة قد تؤدى إلى الموت، مؤكدً أن السبب الرئيسى فى انتشار تلك المشايخ الجهل والبعد عن الدين.
وضع كارثى يتطلب "توعية"
الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء، قال إن الفترة الأخيرة شهدت تخبطا كبيرا فيما يخص تدخل بعض الأشخاص فى الطب وعلاجهم للناس بوصفات وطرق ما أنزل الله بها من سلطان، والسبب معروف وهو جهل الناس واعتقادهم أن تلك الطرق تأتى بنتائج جيدة بسبب إيهام بعض المشايخ لهم بتلك الطريقة أو ما يسمونه بالطب البديل.
وأضاف حسين فى تصريحاته لـ"البوابة"، أن الوضع أصبح كارثيا، فهناك حالات عديدة تمر علينا فى حالة صعبة للغاية بسبب أن تلك الحالات تلجأ إلينا بعد تدهور الحالة بعد مرورهم على الدجالين والطب البديل، موضحًا أن القضاء على الدجالين والمشايخ الذين يعالجون الناس بتلك الطريقة يبدأ من المواطنين بتركهم للعلاج بتلك الطريقة والاتجاه إلى الأطباء المختصين وإبلاغ الجهات المختصة لأى شخص يقوم بالنصب على المواطنين ويوهمهم بالعلاج بتلك الطريقة.
وأشار حسين، إلى أن انتشار تلك المراكز فى المناطق النائية ومحافظات الصعيد بسبب جهل الناس وعدم معرفتهم بكيف تدار الأمور الطبية، وأن هناك مشايخ ودجالين يفتتحون تلك المراكز ويوهمون الناس بأنهم أطباء مضيفا أن الطب البديل مجرم فى مصر قانونيا ودستوريا.
وتابع عضو مجلس نقابة الأطباء، أن الطب البديل، ليست له علاقة بالطب من قريب أو من بعيد موضحًا أن مسمى الطب البديل هو مسمى لا وجود له، وإنما سمى بذلك للنصب على المواطنين، وأن أى شخص يعالج الناس بتلك الطريقة أما دجالا أو نصابا لأنه لا يمت للطب بصلة، موضحًا أن تلك الأشخاص يعملون بتلك المهنة دون أى أسس علمية، واصفا الطب البديل بالنصب والدجل.
وأكد حسين أن الأطباء المصريين يرفضون مسمى الطب البديل لأنه لا يوجد طب يسمى بهذا الاسم، موضحًا أن أى شخص يسمى نفسه ذلك المسمى أو يعالج الناس بتلك الطريقة ما هو إلا منتحل صفة طبيب.
وأوضح حسين، أن هناك فرقا كبيرا بين العلاج بالطب البديل والشعوذة والسحر والدجل وبين استخدام بعض النباتات والأطعمة بشكل يساعد فى العلاج، موضحًا أن العلاج بطريقة الأعشاب يسمى تغذية علاجية وليس طبا بديلا مؤكدًا أن التغذية السليمة والأكل الصحى ينصح به الأطباء من الخضروات أو النباتات أو غيرهما لأن الغذاء السليم لا يحل محل العلاج الطبي، ولكنه يساهم فى تحسين كفاءة الجسم وقدرته على مقاومة المرض.
وأشار حسين، إلى أن انتحال صفة طبيب أصبح أمرا متداولا يوميًا فكل يوم تغلق عيادة غير مرخصة أو يديرها خريجو دبلومات وغيرهما من المهن التى لا تمت للطبيب من قريب أو بعيد والمتضرر الأول والأخير فى تلك القصة المواطن حيث يقع ضحية للنصب والاحتيال على صحتهم والكشف عليهم وإعطائهم وصفات دوائية قد تؤدى بهم إلى الموت المؤكد، موضحًا أن مهنة الطب أصبحت مهنة ما لا مهنة له، والسبب معروف وهو عدم تشديد الرقابة الكافية على تلك المراكز.
وأكد حسين، على الرغم من أن عقوبة الانتحال قد تصل ١٠ سنوات حبسا، وفقًا لقانون مزاولة مهنة الطب رقم ٤١٥ لسنة ١٩٥٤ وتعديلاته، حيث نصت المادة ١٠ من قانون مزاولة مهنة الطب على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول مهنة الطب على وجه يخالف أحكام هذا القانون، وفى حالة العود يحكم بالعقوبتين معا"، إلا أن مسلسل انتحال صفة الأطباء ما زال مستمرًا، بسبب عدم تطبيق القانون بالشكل الكافى والاكتفاء بغلق المكان أو تشميعه أو الغرامة، لذلك فإن الحل الأمثل للقضاء على تلك الظاهرة تعديل القانون وتغليظ العقوبة مؤكدا أن تغليظ العقوبة وتطبيق القانون سيعمل بشكل كبير على القضاء على منتحلى صفة الطبيب.
صيدلي: ينصبون على المرضى باسم الدين
وروى الصيدلى عبدالله ممدوح، صيدلي، قصص لحالات رآها بعينه تعرضت لنصب من قبل أصحاب الطب البديل والدجل، حيث قال إنه يلحظ أحيانًا زبائن تقدم له روشتات غريبة وعندما يسألهم من كتب الروشتة يقولون الشيخ فلان الفلاني، مستغلين الدين فى اصطياد المرضى، مشيرا إلى أن الوضع أصبح كارثيا وهذا المشهد يتكرر معه يوميا.
وطالب عبدالله، بضرورة تشديد الرقابة على منتحلى صفة الأطباء وضرورة بناء سيستم ذكى للتعامل مع هذه الأزمة، خاصة أن الدواء الذى يصوفونه هؤلاء الشيوخ لا يتماشى مع بعضه البعض بأى حال من الأحوال، موضحًا أن تلك الروشة أو الورقة التى يأتون بها تكون بها أصناف دواء بعيدة كل البعد بعضها من بعض على سبيل المثال أن يكون نوع دواء للبرد ولآخر للضغط.