تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
السؤال الملح الذي يطرح نفسه الآن ويتهرب الكل من إجابته من يقف وراء الدفع إلى تفكيك الدولة على غرار النماذج البائسة المحيطة بنا؟، من الذي يضغط لتفجير الإثنيات العرقية والدينية؟، من يملك أن يفسر لنا الحملات الممنهجة التي تفجِّر قنابل دخان على المشهد المصري حتى يتم تنفيذ مخططات التقسيم بعقل بارد وقلب استبدل بحجر صلد؟.
لماذا الحديث اليوم عن تحريم وتجريم تهنئة المصريين المسيحيين (الأقباط) بأعيادهم؟، وسبقها تمهيد ميداني باتهامهم بشق الصف بزعم أنهم يمثلون 60% من المحتشدين أمام قصر الاتحادية منطلقين من مراكز تجميع كنسية (!!) في جرأة تُحسب لمن روَّج لهذه الأقاويل، بل وتُحسب عليه، وقد أطلق أرقامًا تفتقر للموضوعية والمنطق، وتعصف بحقِّ التعبير والاحتجاج السلمي الذي كفله القانون، وأكد عليه رئيس الجمهورية مرارًا.
لماذا سُرِّب فيديو أحد قادة السلفيين، والذي يُخرج فيها لسانه لمن غفلوا عن فحوى مواد بعينها في الدستور تطلق يده في اختطاف الدولة لتياره، وتقصي مَن يغايره في الدين بل والمذهب، وتنقله من خانة المواطن إلى خانة الأسير؟
وعلى الرغم من التسليم بوجود منطقة محتدمة الخلاف العقائدي بين الإسلام والمسيحية، لا تحتاج لإشارة أو بيان، وقد تجاوزها المصريون في توافق عبقري عبر ما يزيد عن ألف وأربعمائة عام، واستطاعت الإرادة الشعبية أن تحيلها إلى ما بعد الحياة الدنيا، ليَحْكُم فيها صاحب الأمر الأوحد سبحانه، ليزرعوا وحدة على أرضية الوطن تجلت في لحظات تاريخية عديدة، على رأسها ثورة 19 وعبور 73 وزلزال 25 يناير، فضلاً عن الترجمة اليومية في الشارع والحارة والقرية، والعيش المشترك فرحًا وترحًا، والثقافة الشعبية والمشاركات الوجدانية المتميزة، قبل أن تغشانا رياح التطرف المتصحرة التي هبَّت على وادينا الأخضر، وكادت تعكِّر مياه النيل حاملة معها فيروساتها القاتلة، في دورة جديدة لصراع الصحراء والنهر، ولم تفلح في خلخلة الأريحية المصرية، ودليلنا هذا الكم من المعايدات المتلاحقة من المصريين المسلمين لشركاء الوطن من نظرائهم المسيحيين، والاستنفار من الجهاز العصبي المصري المقاوم لبعث الفرقة والتمايز والإقصاء، وتبَدَّى هذا في التغطية المتميزة لجل الفضائيات لبهجة المصريين بالعام الميلادي الجديد بغالبية أطيافهم التي تبحث عن ضوء مبهج في نهاية نفق النكد المحاصر ليومهم وربما غدهم.
رغم هذا تنهال علينا قذائف التشكيك والتهكم والتعريض بالعقيدة المسيحية، وكأنهم اكتشفوا على حين غرة وجود تلك الاختلافات الصميمة في العقائد، وحين يحتج البعض ويصعِّدون احتجاجهم للقضاء يصدمون بتفاعيل غامضة وتبرئة ساحة مَن يُثيرون التراب في وجههم، وحين يحدث العكس في درجة أدنى تعتمد على الأقوال المرسلة وتفتقر للدليل تُستنفر العدالة لتحتجزه خلف القضبان لخمسة عشرة عامًا.
ولو كانت هذه القذائف المفككة للتواصل المجتمعي والساعية لتفكك وطن ينال من وحدة العنصر المصري بل والتراب المصري والجسد الواحد، منطلقة من ثكنات أقمار صناعية أوروبية أو أمريكية أو صهيونية أو معادية إقليمة لما كان لها شيء من التبرير، لكن أن تنطلق من مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية، وبمباركة رسمية لم تحرك ساكنًا لوقف هذا الاستهداف المقزز والقميء، ولم تدرك أن هذه الدائرة الجهنمية لو قُدِّر لها أن تكتمل لكان الثمن فادحًا وكارثيًّا.
السؤال بعيدًا عن التغول والترويع الذي يقوده مَن يزعمون حماية الشريعة هل الشريعة تخاطب وتلزم غير تابعيها؟، وهل مطالبة هذا الغير بعدم الالتزام بها تعد تهديدًا للسلام الاجتماعي ووحدة الوطن؟، وتبيح تعقبهم وترصدهم والتنكيل بهم والزج بهم في غياهب السجون، أو نهبهم وتصفيتهم خارج منظومة القانون وغطاء الدولة.
في فمي ماء وأنا أرى ما لا يقوى قلمي على إعادة وصفه، بين ضغوط وصمت، وبين تبرير ورضاء، لكنني أرصد مع زرقاء اليمامة ما يصمت عن ذكره مَن يملكون صد الخطر وتفكيكه، الغيوم تتكثف، والأعاصير تتجمع حتى يصرخ الأقباط مطالبين بحقهم في وطنهم الذي يختطف منهم جهارًا نهارًا، وأخشى أن تتحول المطالبات إلى حقهم في حكم ذاتي تحت مظلة الوطن المصري، ثم الحديث عن كونفدرالية بشكل أو بآخر، وفي الأفق تلوح التجربة السودانية الحزينة التي سارت في نفس المسار، ولن أتطرق إلى الصومال أو غيرها، فهل ما زال عندنا من يملك آذانًا تسمع وعيونًا تبصر، أم سنواجه مصيرًا لا يملك أحدنا دفع فاتورته؟!.