النخب القبطية.. النشأة والتطور فى ظل 4 ثورات
قصة المعلم ابراهيم الجوهرى والجنرال يعقوب
«النخبة» شموخ المواهب والسمات تصدرها «رهبان» واحتكرها العلمانيون
مؤشر «النخبة القبطية» رفرف مع الملكية وتراجع فى الجمهورية واستعاده «السيسى»
22 محافظا قبطيا فى عهد محمد على.. ولأول مرة يمنح مسيحى درجة البكاوية
«نخب الثورية والنخب الحكومية» مصطلحات مستحدثة صنيعة الثورات المصرية
النخبة العتيقة صامدة بين سطور التاريخ.. والثورية اندثرت مع مهب الريح
ظهور «المسيحية السياسية» مع صدور مجلة الكتيبة الطيبية عام 2004
سليمان شفيق
لماذا تراجع دور النخب الثورية القبطية؟ الإنجازات التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي للأقباط من 2014 حتي الآن.
مسيرة النخب القبطية تعج بالنجاحات والفشل، ومن توهج إلي خفوت ومن ثم كان لابد من دراسة نشأة وتطور هذه النخب.. من أجل ذلك لابد أن نعرج علي تعريف مصطلح النخب حسب «ويكبيديا»:
«النخبة مفردة جمعها (النخب) (بالإنجليزية: Elite) في النظريات السياسية والاجتماعية، النخبة هي مجموعة صغيرة من الأشخاص المسيطرين على موارد مالية ضخمة وقوة سياسية تأثيرية كبيرة. بشكل عام، النخبة تعني مجموعة من الأشخاص الأكثر قدرة من غيرهم».
وتعبر كلمة النخبة عن طبقة معينة أو شريحة منتقاة من أي نوع عام. كما أن هناك مصطلح التزاوج الانتخابي في علم الأحياء وهي تعني أيضًا الأقلية المنتخبة أو المنتقاة من مجموعة اجتماعية «مجتمع أو دولة أو طائفة دينية أو حزب سياسي أو إعلام» تمارس نفوذًا غالبًا في تلك المجموعة عادة بفضل مواهبها الفعلية أو الخاصة المفترضة.
وفي المفهوم الاجتماعي للنخب غالبًاً يقصد به الطبقة العليا من المجتمع ذات الاهتمام الاجتماعي الأعلى في مجتمعهم. النخبة هم قادة الرأى العام والمؤثرون فيه ويشكلون اتجاهات الرأي العام وتوجهات المجتمع.
النخبة الدينية
استخدم هذا المصطلح من قبل مجموعات دينية كثيرة داخل المجتمعات الإنسانية، وتتمثل في القادة الدينيين، ووجهاء الطوائف الدينية، وعلماء اللاهوت والعقيدة، وكل من يشكلون مراجع دينية، وأصبحوا زعماء لأتباع تجمعهم رابطة دينية؛ فمثلًا: يشكل بابا الكاثوليك وكاردينالات الفاتيكان وبابا الاقباط الأرثوذكس بطريرك الإسكندرية والمجمع المقدس نخبة المسيحيين، ، بينما يعد الفقهاء وعلماء الدين عند المسلمين نخبة النخبة الدينية دون منازع.
النخبة السياسية
تعتبر نظرية النخبة السياسية من أهم موضوعات علم الاجتماع السياسي، ولأن الشواهد التاريخية وواقع المجتمعات السابقة والمعاصرة، تتميز بوجود أقلية حاكمة، محتكرة لأهم المناصب السياسية والاجتماعية، وبيدها مقاليد الأمور، وأغلبية محكومة منقادة وليست لها صلة بصنع القرار السياسي بشكل عام.
النخب القبطية
منذ زمن أحاول دراسة النخب القبطية المسيحية منذ النشأة وحتي الآن، منذ القرن الأول الميلادي كان الرسل المؤسسون هم النخب، ومنذ القرن الثاني حتي قرون الاضطهاد كان القديسون والشهداء هم النخب، ومن القرن الرابع ظهرت الرهبنة علي روحانية الأنبا أنطونيوس، وصار الرهبان هم النخب، ومنذ القرن الأول وحتي الثامن عشر كانت كل النخب المسيحية علمانيين أو أكليروس نخب ذات طابع ديني.
المعلم إبراهيم الجوهرى
التحق «إبراهيم» في بدء أمره بوظيفة كاتب لأحد أمراء المماليك، ثم توسط البابا لدى المعلم رزق رئيس الكتَّاب وقتئذ، فاتخذه كاتبًا خاصًا له واستمر في هذه الوظيفة إلى آخر أيام على بك الكبير الذي ألحقه بخدمته، ولما تولى محمد بك أبوالذهب مشيخة البلاد، اعتزل المعلم رزق رئاسة الديوان وحلَّ محله المعلم إبراهيم، فسطع نجمه من هذا الحين، وكان من عادة المماليك اتخاذ معاونين من المسيحيين.
رئاسة الوزارة
لمَّا مات «أبوالذهب» وخلفه في مشيخة البلاد «إبراهيم بك»، تقلد المعلم إبراهيم رئاسة كتَّاب القطر المصري وهى أسمى الوظائف الحكومية في ذاك العصر وتعادل رتبة رئاسة الوزارة.
علي الجانب الآخر من الصورة كان المعلم يعقوب، وهو قريب ونسيب المعلم إبراهيم الجوهري، هو إحدي الشخصيات التي دار حولها جدل كبير في التاريخ المصري، ويرجع هذا الجدل إلى تعاونه مع الحملة الفرنسية على مصر التي احتلت مصر بقيادة نابليون بونابرت. إلا أن البعض من المؤرخىن يرونه كثـائر على الظلم العثماني وبطل وطني حاول جعل مصر مستقلة بمساعدة فرنسا أو إنجلترا مثل الدكتور لويس عوض والدكتور شفيق غربال والدكتور أنور لوقا في حين أن هناك أيضا من المؤرخين من يراه خائنا متعاونا مع المحتل.
مع رحيل الحملة الفرنسية وبداية حكم أسرة محمد علي باشا انتعش الأقباط وفي هذا السياق، ففى عهد أسرة محمد على «1805-1952» تم تعيين 22 محافظًا قبطيًا، وفى ذلك العصر أيضًا تبوّأ الأقباط سائر الوزارات، فمثلًا «صليب باشا سامى» الذى لم يأخذ حقه من الباحثين، لأنه جسد وبحق السماحة الليبرالية، والمواطنة، ومعيار الكفاءة، هذا الرجل تبوأ، من وزارة حسين سرى باشا 1940، وحتى وزارة على ماهر باشا «24 يوليو 1952»، خمس وزارات وهي: «الحربية، التجارة والصناعة، الخارجية، الزراعة، المالية».
الغريب والمدهش أنه قبل 200 عام تقريبًا، كان محمد على أول «حاكم مسلم»، يمنح الأقباط رتبة «البكوية»، ويعينهم كحكام أقاليم «رتبة المحافظ ورئيس المدينة حاليا»، فقام بتعيين كل من: بطرس أغا أرمانيوس، حاكمًا على برديس، فرج أغا ميخائيل، حاكمًا على دير مواس، وميخائيل أغا عبده، حاكمًا على الفشن، ورزق أغا، حاكمًا على الشرقية، باسليوس ابن المعلم غالى، مديرًا لحسابات الحكومة، وحنا المنقبادى، سكرتيرًا لمديرية عموم قبلى، والمعلمين: جرجس ويعقوب وبشارة وجرجس الطويل وأخيه حنا الطويل ومنقريوس البتانونى وإبراهيم نخلة، كتبة فى ديوان محمد على، وكان كبير كتبة «منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية حاليًا»، محمد على قبطيًا، وهو المعلم وهبة إبراهيم، ومن بعده المعلم نخلة.
وعلى هذا المنوال عين أبناء محمد على «ثمانية ملوك»، 22 مدير مديرية، عاشت النخب القبطية في انتعاش منذ بداية القرن الثامن عشر بعد أن أعطتهم الثروة والتقرب من السلطة المكانة، ولعبوا دورًا مهمًا في التنوير والثقافة المصرية مع المسيحيين المتمصرين الشوام، وذلك عبر تأسيس الصحف والمجلات والمسرح والأدب إلخ.
ثورة 25 يناير وخروج الأقباط من الكنيسة للوطن
من الملاحظ أن الثورتين الشعبيتين الأساسيتين 1919، 2011 استبقتهما تحركات قبطية احتجاجًا على تمييز ديني وقع عليهم، في مطلع القرن العشرين و بعد وفاة مصطفى كامل، وهجرة محمد فريد، تبوأ عبد العزيز جاويش رئاسة الحزب الوطني القديم، وساد تيار يدعو للخلافة الإسلامية، وتعددت مظاهر التعصب ضد الأقباط مما دعاهم إلى عقد المؤتمر القبطي 1910 وتلاها المؤتمر الاسلامي 1911، والغريب أن قادة المؤتمرين صاروا فيما بعد قادة ثورة 1919 وكانت أول مظاهرة احتجاجية اندلعت بعدها الثورة خرجت من البطرخانة الأرثوذكسية القديمة بالدرب الواسع بقيادة الأب الثوري سرجيوس.
ما أشبة الليلة بالبارحة، بعد تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية، شهدت شوارع سيدي بشر، وشبرا مظاهرات أقباط ومسلمين، هتفت بإسقاط حبيب العادلي وحسني مبارك «3، 4 يناير 2011، قبض على 11 منهم 8 من المسلمين و 3 مسيحيين بتهمة الدعوة لإسقاط نظام الحكم».
لذلك لم يكن من المستغرب أن نجد الشباب القبطي يتخطى المذهبية والمخاوف التي عبر، واتجه إلى قلب ميادين مصر سعيًا للثورة، ومن يراجع أسماء الشهداء والجرحى، «من 25 يناير حتى 28 يناير» سيجد أن 80% من الضحايا المسيحيين استشهدوا أو جرحوا في مطلع الثورة، كذلك من يراجع الائتلافات سيجد أن نسبة تواجد الأقباط الأرثوذكس في التحضير لثورة 25 يناير تفوق نسبتهم في التحضير لثورة 1919، بل لو رصدنا الدور الثوري للشباب الكاثوليكي على وجه الخصوص سنجد موقفا مشهودا لشباب العدالة والسلام ومستشاريها في المشاركة في التحضير للثورة أو الإعلان عن الصلاة بالميادين للتأكيد على الوجود القبطي بالثورة، وسيذكر التاريخ أن أول بيان مؤيد للثورة يصدر من جهة دينية كان من لجنة العدالة والسلام، كما أن أول بيان مدني مؤيد للثورة 29 يناير 2011 وقع عليه كاهنان كاثوليكيان هما الأب وليم سيدهم والأب هنري بولاد اليسوعيان، وأول رئاسة دينية تنشر مقالاً مؤيدًا للثورة كان الأنبا موسى أسقف الشباب «جريدة الأهرام 1 فبراير 2011».
تطور النخب القبطية بعد ثورة 25 يناير
أتابع منذ نصف قرن الحالة المسيحية، لم أشهد كل تلك التناقضات السياسية والاجتماعية فى الوسط المسيحي بشكل يحير أى باحث في علم الاجتماع السياسي، لو توقفنا علي سبيل الدلالة أمام اتجاهات الرأي في القطاعات المختلفة من النخب القبطية سنجد نزوحا للتباين بين مختلف هذه النخب وكأننا أمام مسيحيين أصحاب ثقافات مختلفة وليسوا أبناء وطن واحد بعيدا عن التقييمات الأخلاقية في معناها السياسى: هناك ومنذ 2009 وحتي الآن هناك نوعان من الفئات من النخب المسيحية: «فئة خرجت من الكنيسة للوطن، وفئة أخرى خرجت بالكنيسة للوطن ولا يجمع بين هذه وتلك الفئات سوى انتمائهم إلى خلفيات ثقافية كنسية.
الفئة الأولى المتمردة
وهي الفئة التي تمردت علي الكنيسة وتبنت مواقف ومسارات سياسية ووطنية ولكن جل اهتمامها ينصب علي نقد الكنيسة والاكليروس ومن يتتبع خطاب تلك الفئة يتأكد أنها لم تخرج بعد من الكنيسة.
الفئة الثانية، خرجت بالكنيسة للوطن
الاحتجاج المسيحي الأول 2010 أمام محافظة الجيزة بعد أحداث كنيسة العمرانية، ومن تابع أسماء الـ«154» معتقلًا الذين أفرج عنهم بعد تدخل الكنيسة سيجد أنه للمرة الأولى من بينهم مسيحيون من طوائف أخرى غير أرثوذكسية.
ثم المظاهرات التي تلت تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية، ومن يراجع قضية «مسرة بشبرا» سيجد أنها ضمت للمرة الأولي مسلمين ومسيحيين، ورفعت شعارات إسقاط «العادلي» و«مبارك»، نفس شعارات ثورة 25 يناير، وما تلي ذلك من تطور موضوعي من صدام ماسبيرو وكسر طوق الخوف الذى كان يطوق عنق المواطنين المصريين الأقباط الثلاثين عامًا الماضية، هذا التطور الموضوعي للخروج بالكنيسة بدأ برفع الصلبان في المظاهرات كرد فعل لحرمانهم مؤخرًا من رفع الصلبان علي الكنائس، ثم اصطحابهم لبعض آبائهم الروحيين فى الاحتجاجات «علي غرار آباء لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية» وصولًا للانصهار المذهبي والقومي في صلوات بين مختلف المذاهب المسيحية والإسلامية في وعي جديد أعاد إنتاج الاندماج الديني لثورة 1919 من منظور «قومي عولمي»، وهكذا استطاع الثوار الأقباط التماهي بين الوطن والكنيسة، ولعل ذلك التطور من ماسبيرو للتحرير والذى جعل الهلال والصليب يتماهيان هو أحد العوامل المهمة التي عجلت بوحدة المصالح بين العسكر والإسلاميين والغزوة الإسلامية الاخوانية للوعي المصرى والثورة.
المسيحية السياسية من الكتيبة الطيبية وحتى 25 يناير
كشفت عوامل التعرية السياسية عن ظاهرة جديدة هى «المسيحية السياسية»، وللحقيقة فإن هذه الظاهرة بدأت مع صدور مجلة الكتيبة الطيبية 2004 وولدت فى ميدان التحرير، مع بزوغ ثورة 25 يناير المجيدة، ولم تلقَ هذه الظاهرة الدراسة أو الاهتمام من المفكرين، حيث خرجت جموع المواطنين المصريين الأقباط انخراطًا فى الثورة، وبذلوا الدماء من أجلها وكسر المواطنون المصريون الأقباط حاجز الطاعة، وخرجوا من خلف أسوار الكنيسة إلى الميدان، ولم يتوقف الأمر على المواطنين المصريين الأقباط، بل شاهدنا قساوسة من مختلف الطوائف تخطوا حاجز القيادات المحافظة، وخرجوا إلى الميدان مثل الآباء اليسوعيين «الجزويت» وليم سيدهم، ورومانى أمين، وغيرهما، والقس سامح موريس، راعى كنيسة قصر الدوبارة، والأب فلوباتير جميل الأرثوذكسى.
ومن يدرس الخلفيات الروحية والوطنية لهؤلاء القساوسة على مختلف عقائدهم، سيجدهم ما بين لاهوت التحرير الذي بلوره فى مصر الأب وليم سيدهم اليسوعي ولاهوت التحرر الاجتماعي عبر الراحل الكبير الدكتور القس صمويل حبيب أو اجتهادات سبق أن تكونت فى أسقفية الشباب التى أسسها الأسقف الجليل الأنبا موسى. ورغم تعدد هذه الروافد فإن الثوار المكونين للمسيحية السياسية قد تخطوا الطوائف، وارتبطوا بلاهوت الأرض والثورة.
على الجانب الاجتماعي «الطبقى» فى ذلك المكون الجديد، فإن الأقباط الذين شاركوا فى ثورة 1919 كانوا من الأعيان وكبار الملاك، فى حين أن ثوار 25 يناير من الأقباط ستجد منهم الملياردير نجيب ساويرس جنبا إلى جنب مع الشهيد مينا دانيال، ابن عزبة النخل، مرورا بمختلف الطبقات الاجتماعية، والرؤى السياسية من المصريين الأحرار الليبراليين، وحتى الأحزاب اليسارية والشيوعية مرورًا بيسار الوسط «المصرى الديمقراطى الاجتماعى» وظلت نسبة كبرى منتمية إلى حركات مثل 6 أبريل أو ائتلافات ثورية. حتي بلغ الأمر أن شكلت المسيحية السياسية مركز ثقل يخيف الإخوان «راجع تصريحات البلتاجي والشاطر حول أحداث الاتحادية علي سبيل المثال».
كل ذلك يؤكد أن المواطنين المصريين الأقباط لم يعودوا «كتلة كنسية صماء» تحت إمرة الإكليروس الكنسى، خاضعة للسمع والطاعة، مثل تنظيمات الإسلام السياسي، خاصة أحزاب جماعة الإخوان المسلمين، والحركة السلفية.
وهكذا نحن أمام ظاهرة جديدة تقوم على: «إن ظاهرة المسيحية السياسية ولدت من رحم الكنيسة، ولكنها مدنية سياسية ذات مرجعية وطنية، نقلت مركز الثقل الكنسى إلى ميادين الوطن، على عكس ظاهرة الإسلام السياسى التى تنطلق من المسجد لتعود إليه».
لعل المتابع لتلك النخبة الجديدة لابد أن يتوقف أمام تيار مجلة الكتيبة الطيبية: «فى عام 2004 صدرت عن كنيسة العذراء والبابا كيرلس بعزبة النخل نشرة غير دورية حملت اسم الكتيبة الطيبية أحدثت دويًا هائلًا وسط الأقباط الذين اعتادوا أن تصدر الكنائس نشرات ومجلات وعظية تساهم فى حل مشكلاتهم الروحية».
أما الكتيبة التى صدرت بإشراف القمص متياس نصر وشخص آخر حمل اسمًا وهميًا وقتها هو فينحاس النصرانى- عرفنا فيما بعد أنه القس فلوباتير جميل- فكانت صرخة مختلفة تماما عن كل المجلات المسيحية بما تحمله من دلالة الاسم وقوة الشعار الذى كان يقول إن الشجاعة ليست فى مواجهة الموت إنما الشجاعة فى مواجهة الحياة أما الاسم فهو مستوحى من قصة قبطية تاريخية حدثت فى القرن الثالث الميلادى حيث استعان الإمبرطور مكسيميانوس بكتيبة من الأقصر- طيبة- لذلك سميت «الطيبية» مكونة من 6600 جندى مسيحى، وصدرت الأوامر بارتحالها من مصر إلى أوروبا لمساعدة مكسيميانوس فى حروبه بإقليم غاليا- أو فرنسا - وقد قسمت هذه الكتيبة إلى قسمين أحدهما ليحارب على حدود فرنسا والآخر ليحارب فى سويسرا. صدر الأمر بالتبخير للأوثان واعتبار دقليديانوس إلها قبل البدء فى الحرب، وكان من المعتاد أن تقدم العبادة للآلهة الوثنية قبل بدء المعارك.
فرفضت الكتيبة القبطية الامتثال للأمر والتبخير للأوثان، مما أدى إلى صدور الأمر بقتل كل جنود الكتيبة، ومن ثم أخذت المجلة الوقوف لها بالمرصاد ونشر وقائع التمييز ضد الأقباط، والرد على أى إساءة توجه لهم أو لديانتهم فى الصحف والفضائيات. وأخذت تؤكد دورهم الوطنى.
وبعد ثورة 25 ينايراستمرت الكتيبة فى طرح قضايا الأقباط بنبرتها العالية ويحمل أحد الأعداد الأخيرة مانشيت «الأخونة مستمرة» بدلًا من الثورة مستمرة، وكتب الأب متياس نصر المقالة الافتتاحية بعنوان «الأقباط فى مستنقع الإخوان، وجاء فيه «بات الأقباط فى موقف لا يحسدون عليه بعد أن صارت كل مفاصل الدولة بيد جماعة الإخوان المسلمين لاسيما بعد حركة المحافظين»، وقد أخذ الأب متياس فى رصد مواقف الكنيسة والشارع القبطى والحركات والائتلافات إزاء الأخونة، وظل تيار الكتيبة الطيبية يتزعم الاتجاة الثوري للنخب القبطية حتي مذبحة ماسبيرو، التي تواري بعدها أبونا متياس وهجر العالم إلي الدير وهاجر الأب فلوباتير، ويبدو أن كلا القرارين كانا من داخل القيادة الكنسية.
إلا أن النخب الشابة الثورية القبطية أسرعت بتأسيس اتحاد شباب ماسبيرو الذي استطاع إن يتخطي أزمة ماسبيرو ويقوم بأدوار مهمة حتي الإطاحة بالإخوان.
ولذلك وعلي مر سني متابعتي لتلك النخب وحتي 2014 رأيت تضحيات هائلة للأقباط دون مقابل لأن النخب أما «سلطوية» تجلس في الصفوف الأولي بالكاتدرائية بالأعياد حتى يتم شكرهم ليكونوا ممثلين للسلطة في الكنيسة لتحقيق مصالحهم، أو شباب على عكس هؤلاء ولكنة يعارض بمنطق «ينتقص الرؤية»، أو معارضة خارجية تفتقد لكل الخبرات التاريخية للراحلين «نجيب سليم أو شوقى كراس» ومجالس ملية انتهي العمر الافتراضي للفكرة، ومنذ 1952 لم يوجد رجال دولة من أمثال ويصا واصف وسينوت حنا، أو فخري عبدالنور، بل تكنوقراط في خدمة الدولة علي حساب الكنيسة والمواطنة مثال رمزي استينو وآخرين، وهكذا لم تخرج النخب من عباءة الإكليروس والنخب المدنية إلا في الفترة من ثورة 1919 وحتي 1952، وكان الكاهن قبل حبرية البابا شنودة الثالث يحمل حقيبة الباشا، أما في ظل تلك الحبرية انعكس الوضع.
ماذا جرى للنخب القبطية من 2014 وحتي الآن: «تراجعت النخب الثورية مثل اتحاد شباب ماسبيرو وغيرهم لصالح النخب الحكومية ـ الكنسية، ما عدا معارضة قوية للأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا، ومن ثم لم نفاجأ بقرار قداسة البابا بتقسيم إيبارشية المنيا إلي ثلاثة أقسام، ولكنه استمر فيما يراه صواب في الدفاع عما تبقي من إيبارشيته، وهكذا تم تجميد المجلس الملي، وساد صمت للنخب الثورية القبطية، حتي النخب الحكومية الكنسية ابتعدت عن الحديث عن أى مطالب ذات طابع قبطي، ولم تبق سوي أصوات متناثرة علي الفضاء الإلكتروني في حالات مثل اختفاء فتاة أو مقتل قبطي إلخ».
مقابل ذلك قام الرئيس عبدالفتاح السيسي يسن سُنة لم تحدث من قبل وهي أول رئيس يزور الكنيسة في عيد الميلاد ويهنئ الإقباط أو سن قانون لبناء الكنائس واستمرار مسيرة توفيق الأوضاع وكذلك بناء كنيسة في كل مدينة جديدة مما جعل البابا تواضروس الثاني يقابل الود بالمحبة.
تري ما السبب في اختفاء النخب الثورية القبطية؟ هل انتهاء العمر الافتراضي لما كان يسمي بالقضية القبطية بعد أن حقق الحكم معظم المطالب؟ أم أن النخب الدينية استطاعت أن تفكك النخب الثورية عبر عوامل مختلفة؟
أسئلة تحتاج إلى إجابات.