يستعرض خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار في إطار استكمال حلقات "التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى"، والتي تبدأ منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر ومسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة، والتي تنشرها “البوابة نيوز” تباعا.
ونستكمل اليوم الحلقة السابعة عشر بعنوان خليج السويس موقع عبور نبى الله موسى وشعبه إلى سيناء.
ويشير الدكتور ريحان، إلى أسماء المحطات التى ذكرت فى التوراة أثناء خروج بنى إسرائيل من مصر ومنها بعل صفون أو تل دفنة شمال الإسماعيلية، واعتقد نويل إيمه جيرون أن بعل صفون هى تل دفنة ، بينما يرى هوفماير أن بعل صفون ارتبط اسمه بالبحر والبحارة، وطبقًا لمعطيات سفر الخروج فيجب أن يكون موقعه قرب البحيرات المرة أو خليج السويس، والدليل على ذلك ما كشفه الآثارى الفرنسى كليدا من وجود معبد محصّن طول ضلعه 60م فى منطقة جبل الحصة جنوب بحيرة التمساح، وكان لهذا المعبود علاقة بعبادة بعل صفون.
ومن هنا أجمع الباحثون على استحالة اتخاذ بنى إسرائيل الطريق الساحلى عبر شمال سيناء للهروب من مطارة فرعون وجنوده، خاصة وأنهم يعلمون أن منطقة ثارو كانت مقرًا للقوات المصرية، فضلًا عن قيام معارك على سواحل البحر المتوسط فى ذلك الحين، لذا لم يكن لهم إلا طريق الجنوب ناحية فم خليج السويس .
وبخصوص تل دفنة التى تقع على بعد 15كم غرب مدينة القنطرة وارتباطها بطريق الخروج فقد قام الأثرى الإنجليزى فلندر بترى بأعمال حفائر بها ولم يعثر إلا على آثار مصرية قديمة ويونانية لدرجة أنه اعتبر التسمية الحالية لأطلال أحد المبانى بها بقصر بنت اليهودى تسمية خاطئة وغير علمية، وفى 29 يونيو 2009 أعلنت بعثة المجلس الأعلى للآثار بمحافظة الإسماعيلية الكشف عن بقايا مدينة عسكرية من عصر الأسرة 26 (664 – 625ق.م.) بمنطقة آثار تل دفنة بين بحيرة المنزلة من جانب وقناة السويس من جانب آخر على بعد 15 كم شمال غرب مدينة القنطرة غرب، واستمرت المدينة فترة من الزمن الميناء الذى تلجأ إليه تجارة الشرق بالإضافة لوقوعها على الطريق التجارى الحربى القديم (طريق حورس) مما جعل منها محطة استراتيجية استغلها ملوك العصر المتأخر (747 – 525ق.م.) وبالأخص ملوك العصر الصاوى الأسرة السادسة والعشرين للدفاع عن البلاد وحماية الحدود الشرقية.
ويشير الدكتور ريحان، إلى أن الملك رمسيس الثانى ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشرة (1279 – 1212ق.م.) اختار تل دفنة لتشييد قلعة أو مدينة محصّنة على الحدود المصرية الشرقية لصد هجمات المعتدين، كما شيد بسماتيك الأول (664 – 610ق.م) عددًا من التحصينات، وأن المنشآت التى عثر عليها بتل دفنة ترجع إلى العصر الصاوى الأسرة السادسة والعشرين (664- 525 ق.م.) ومعظمها من عصر الملك بسماتيك الأول، كما تم الكشف عن قصر صغير بالجانب الشمالى الشرقى من المعبد يحتوى على 8 غرف وقد تم الكشف أيضًا عن معبد كبير يتكون من ثلاث صالات يعد من أكبر المعابد فى شرق الدلتا وكلها آثار مصرية خالصة.
ويتابع الدكتور ريحان أن فم الحيروث الواردة فى التوراة (كلم بنى إسرائيل أن يرجعوا وينزلوا أمام فم الحيروث بين مجدل والبحر أمام بعل صفون مقابله تنزلون عند البحر) سفر الخروج: الإصحاح الرابع عشر – الآية 2، وجاء فى التوراة أن البحر كان عائقًا فى طريق خروج بنى إسرائيل، وورد فى عدة ترجمات للتوراة فى اللغة الإنجليزية ثلاث كلمات هى البحر- البحر الأحمر- بحر الحلفا، ودار نقاش مستفيض بين الباحثين حول مكان العبور وما المقصود بالبحر؟ ويرى الدكتور أحمد شلبى أن خليج السويس هو مكان غرق فرعون وجيشه.
وقد ورد فى التوراة (مركبات فرعون وجيشه ألقاهما فى البحر فغرق أفضل جنوده المركبية فى بحر سوف) سفر الخروج، الإصحاح الخامس عشر- الآية 4، ولفظ بحر سوف هنا يقصد بها مياه مجاورة للصحراء، وورد فى نسخة التوراة باللغة العبرية المعروفة بنسخة أورشليم لفظ "يم سوف" والتى تعنى حلفاء البحر وتشير إلى إحدى البحيرات التى تقع بين البحر المتوسط وخليج السويس، وورد فى إحدى النسخ اليونانية للتوراة المترجمة عن العبرية وهى النسخة السبعينية تعبير البحر الأحمر وهو طريق الخروج لبنى إسرائيل.
كما ورد فى التوراة (وعمل الملك سليمان سفنًا فى عصيون جابر التى بجانب أيلة على شاطئ بحر سوف) سفر الملوك الأول: الإصحاح التاسع – الآية 26، وفى هذا إشارة واضحة إلى الطرف الآخر لخليج العقبة، أى أن كلمة سوف تشير بوضوح إلى قمة أو فم الخليج، أما كلمة "يم" فمعناها البحر، وعلى هذا عندما تتحدث التوراة عن طريق الخروج من مصر وذكرت بحر سوف كان يقصد به فم خليج السويس، وقد أثبتت عدة دراسات أن خليج السويس كانت تلتقى مياهه بالبحيرات المرة فى العصور القديمة ، فهل كانت هذه المنطقة هى المكان الذى تم فيه غرق فرعون وجيشه ومرور بنى إسرائيل منه؟.
ويستكمل الدكتور ريحان مسيرة بنى إسرائيل فى سيناء طبقًا لنصوص التوراة، حيث مضى موسى مع بنى إسرائيل فى ترحالهم فى سيناء من بحر سوف إلى برية شور فساروا ثلاثة أيام فى البرية ولم يجدوا ماءً فجاءوا إلى مكان يسمى مارة، ماؤه مر، فتذمر الشعب على موسى فطرح شجرة فى الماء المر فأصبح عذبًا فشرب الشعب ثم ذهبوا إلى مكان يسمى إيليم، وفيه اثنتا عشرة عين ماء وسبعون نخلة فنزلوا هناك عند الماء، ثم ارتحلوا من إيليم إلى برية سين التى بين إيليم وسيناء فى اليوم الخامس عشر من الشهر الثانى بعد خروجهم من أرض مصر وتذمر الشعب بسبب عدم جودة الطعام فى البرية بعد أن كانوا يأكلون لحمًا فى مصر والآن يأكلون خبزًا واستجاب الرب لهم وأصبح طعامهم لحمًا وخبزًا.
(ثم ارتحلوا من برية سين فنزلوا فى دفقة ثم ارتحلوا منها إلى ألوش ثم نزلوا رفيديم) سفر الخروج- إصحاح 17، سفر العدد إصحاح 33، ولم يكن هناك ماء ليشرب الشعب فتذمروا على موسى وخاصموه فصرخ إلى الرب فقال الرب لموسى خذ معك شيوخ بنى إسرائيل ومر من أمام الشعب وها أنا أقف أمام صخرة على جبل حوريب فتضرب الصخرة بعصاك فيخرج منها ماء ليشرب الشعب ففعل ذلك أمام أعينهم ودعا اسم الموضع "مسة ومريبة" وأتى العماليق وحاربوا بنى إسرائيل فى رفيديم".
وقيل فى موقع رفيديم أنها سهل رفح وفيها هاجم نبى الله موسى العمالقة أو العماليق ويقصد بهم البدو من عرب فلسطين وهم فلول الرعاة الذين هاجموا مصر فى حرب الهكسوس وكان بعضهم يقيم فى مصر قريبًا من شرقى الدلتا وشمالها والبعض يقطن جنوب فلسطين، ولذلك اكتنفوا بنى إسرائيل من الجانبين وضربوهم بعنف، وموقع رفح لا يتوافق مع خط سير الرحلة عبر جنوب سيناء والأقرب أن يكون المقصود برفيديم وادى فيران وهى الذى هزم فيها بنو إسرائيل العماليق طبقًا للتوراة وهناك جبل شهير بها 882م فوق مستوى سطح البحر يطلق عليه جبل الطاحونة ذكر المؤرخين الأجانب أن معركة العماليق كانت على قمته.