كان الإمام عبدالكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد، الملقب بـ«عبدالكريم القشيري»، كما ذكره السبكي لغويًا أديبًا شاعرًا، تعلم اللغة العربية والأدب في صغره، وكان يرتجل الشعر ارتجالًا، وقد ذكره الباخرزي في «دمية القصر»، وكتب نبذًا من شعره، وبالغ في الثناء عليه، والحق أن تصوفه غلب علي شاعريته، فلا ترى في شعره إلا نظم الطريقة بأسلوب لطيف رائع.
ألقابه كثيرة منها: «النيسابوري نسبة إلي (نيسابور أو شابور) وهي عاصمة خراسان، وقد أقام بها الأستاذ والشيخ وتوفي فيها، والقشيري: جاء في كتاب الأنساب، أن القشيري نسبة إلي قشير، وجاء في كتاب تاج العروس، أن قشير هو بطن من سعد العشيرة القحطانية، وكانوا يقيمون بنواحي حضر موت، وجاء في معجم قبائل العرب، أن قشير هو ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن قيس بن عيلان، وفيه عدة أفخاذ، وقد كان القشيريون في طليعة المنضمين إلي الإسلام، وجاءوا خراسان زمن الأمويين، وقد حاربوا في فتوحات الشام والعراق، وكان من سلالتهم ولاة في خراسان ونيسابور، كما دخل بعضهم الفتح أيام الأندلس».
كان الشيخ يتيمًا، فقد توفي أبوه وهو صغير، وعُهد بأمر تربيته إلي أبي القاسم الأليماني الذي كان صديقًا لأسرة القشيري، فدرس عليه اللغة العربية والأدب، وكان رؤساء بلدته وأعيانها يتضايقون من ثقل ضريبة الخراج فأراد أن يخفف عنهم ثقل ما يشكون منه بذهابه إلي نيسابور ليتعلم أمور الحساب ليتولى فيما بعد عمل الاستيفاء "وظيفة الجباية" فيحمي بلدته من الخراج الباهظ، وكانت نيسابور في ذلك الوقت عاصمة لخراسان ومركزًا للعلماء ومهدًا للفنون، وهناك تعرف علي الشيخ أبي علي الحسن بن علي النيسابوري المعروف بالدقاق، فلما سمع كلامه أعجبه، وتفرس الشيخ الدقاق في هذا التلميذ الذكاء والنجابة ونصحه بالاشتغال بالعلم، فرجع الأستاذ الشيخ عن الرأي السابق وغابت عن ذهنه فكرة تولي الوظيفة الحكومية واختار سبيل الطريقة، وكان يطلق علي أبي علي الدقاق لقب الشهيد».
درس أصول الدين حسب مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري في العقدية، كما كان فيهًا شافعيًا، وصوفيًا صادقًا في تصوفه مخلصًا في دفاعه عن التصوف وسجله في كتابه «الرسالة القشيرية»، كما كان أشعريًا صادقًا أشعريته التي يعتبرها معبرة عن الروح الحقيقية للإسلام المسجلة في كتابه «شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة»، وكان إمام لمجالس الإملاء، فقد عقد في بغداد «مجلس الإملاء في الحديث» عام 432هـ - 1040م، كما كان إمام عصره في مجالس التذكير وكان لكلامه تأثير بالغ في قلوب الناس، وقد ذكره أبو الحسن علي بن حسن الباخرزي عام 462هـ - 1070م وبالغ في الثناء عليه بأنه كان يتميز بحسن الموعظة، فقال: «ولو قرع الصخر بسياط تحذيره لذاب، ولو ربط إبليس في مجلس تذكيره لتاب، ولو فُصِلَ الخطابُ في فضل منطقه لاستجاب».
كان أكثر الناقمين عليه والحاقدين والحاسدين لشهرته من المعتزلة والحنابلة الذين نجحوا في إصدار أمر من السلطان بالقبض عليه وحرمانه من الوعظ ولعنه علنًا في المساجد، فترق شمل أصحابه وانفض الناس من حوله وأُلغيت مجالس التذكير التي كان يقوم بها وانتهي به الأمر طريدًا من المدينة ودامت هذه المحنة خمسة عشر عامًا وذلك من سنة 440 - 455هـ ذهب خلالها إلي بغداد وأكرمه الخليفة القائم آنذاك، ولما انتهت أيام طغرلبك العصيبة وخلفه عضد الدولة أبوشجاع عاد «القشيرى» مع زمرة المهاجرين الخرسانيين إلي نيسابور حيث قضي عشر سنوات كانت الأسعد في حياته وكثر أتباعه ومريدوه. وأول من جمع علم التصوف في كتابه الرسالة القشيرية.