من الأولياء والصالحين، ومن أهل الزهد والتقوى؛ قال عنه أهل الله من بني عدي (بلد سيدي أحمد الدردير رحمه الله) بمحافظة أسيوط: وافته من الله عناية ولطف فجُذب، ومكث فترة كبيرة على شجرة كبيرة، في طريق ملوي أسيوط الزراعي، بجوار ترعة الإبراهيمية، (حتى سُمي بالشيخ محمد الشجري) وكان لا ينزل إلا لأداء الصلاة ثم يصعد على الشجرة التي كانت بيته وسكنه، والتي كان يفر إليها من الناس.
قيل إن السبب في صعوده على الشجرة، أنه كان في أرضه وزراعته، فأسمعه الله تسبيح النباتات والحشائش، فذهل وغاب عقله، وما استطاع أن يمشي عليها، وهو يسمع تسبيحها، ويرى حياتها، فصعد على الشجرة، زهد في الدنيا وما فيها، وترك أهله وأولاده وزراعته ومصالحه، حتى انه ما كان يرتدي من الدنيا إلا بطانية صيفاً وشتاء.

وسبحان الله ما كان يبدو من عورته شيء، وما كان يحس بالبرد ولا بالحر، وبعد أن أكرمه الله وأذهب عنه حال الجذب نزل من الشجرة وعاد للصحو ولطبيعته، حبب الله إليه أعمال الخير وإطعام الفقراء والمساكين وجعله الله سببا في بناء الكثير من المساجد والساحات والمعاهد العلمية.
وكان ملتزما بالسنة، وكان ساكتا صامتا لا يتكلم إلا إذا كلمته، وإذا طلب أحد منه الدعاء، قال له: الله يعطيك حقك، ويتم عليك النعمة والعافية، في الدنيا والآخرة، وكان كثيراً ما يقرأ القرآن الكريم من المصحف، ويتدبره ويقف عند معانيه.

يقول أحدهم: جلسنا معه ذات يوم، فأخذ يذكر لنا بعضاً من أحواله، في وقت الجذب، وبعضاً من قصص الصالحين وكراماتهم وأحوالهم العجيبة، ثم استفتح القراءة من أول سورة الأنعام، وبدأ يقرأ ويفسر ويستشهد بأقوال أهل التفسير ومشايخ العصر، مثل: الشيخ الشعراوي، والشيخ عطية صقر، والشيخ عبد الحليم محمود، والشيخ صالح الجعفري.
وكان يحب الشيخ محمد صديق المنشاوي كثيرا ويخشع لتلاوته، وكان يحضر حفلات الشيخ محمود صديق المنشاوي التي تقام في مدينة ملوي وأريافها، وسبحان الله من يراه لأول مرة يظنه مجذوبا لا يعلم شيء ولا يدري بشيء، كان حديثه إذا تحدث ممتعا، وكنت لا تسمع منه إلا الكلام الطيب وقصص الصالحين وأحوالهم وذكر الله عز وجل.

وكان سمحاً جواداً كريماً، يستحيل أن تزوره في ساحته المباركة، إلا وتطعم من الطعام الموجود في الساحة، والذي له طعم جميل ومذاق رائع، وما كان يتكلم عن نفسه، ولا يذكر شيئا من أحواله لأحد، إلا نادرا، كانت له كرامات وأحوال ومكاشفات، وكان يكتمها ولا يتكلم بها أبدا، إلا إذا ظهرت عن غير قصد منه.
وكان يقف إذا بدأ ورده في الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تأدبا واحتراما وتقديرا وتوقيرا، وكان يقول: أستحيي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن يراني أصلي عليه وأنا جالس.
وكانت له أحوال وعبادات شاقة، لا يطيقها الإنسان الطبيعي، وكان رحمه الله يقول: لا تتم الولاية إلا بحفظ القرآن الكريم، وأراد أحد المنكرين على الأولياء أن يختبره ويمتحنه ويستهزيء به ويفضحه بين الناس، فسرق خروفا من قرية مجاورة، وجاء به إلى الشيخ محمد في ساحته، وقال له: هذا الخروف هدية لكم يا سيدي، وللفقراء بالساحة، وأراد أن يقبل يد الشيخ، فأعرض عنه الشيخ، وقبض يده وأبى أن يسلم عليه، ونظر إليه بغضب، ورفض أن يقبل هديته، وقال له: ترتكب كبيرة، وتسرق الخروف، وجاي تمتحني وتختبرني، عشان تفضحني بين الأولياء، وتريد مني أن أطعم أحبابي من الحرام!، وأمر بإخراجه من الساحة، ورد الخروف لصاحبه.
وكان قليل الكلام، وإذا تكلم في المجلس تكلم على الخواطر، وخاطب كل إنسان بما ينفعه ويفيده، ويعينه على أمر دينه ودنياه، وكان يعيب على أهل التصوف بعض البدع والمنكرات التي استحدثت في الطريق، وهي بعيدة ومخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يعيب أيضا على بعض مشايخ التصوف الكبار المعروفين، احتجابهم عن الناس، وبعدهم عنهم، رغم تهافت الناس عليهم، ومشقتهم في الوصول إليهم، والاستفادة منهم، وطلب الدعاء منهم، وكان يعتبر ذلك من الكبر المذموم.
وكان يقول: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحتجب عن أحد، أو يمتنع عنه، واذا طلب منه احدهم الدعاء، يردد دعاء السيده نفيسه، قائلًا: كانت السيدة نفيسة رضي الله عنها، تقول في دعائها، في آخر حياتها: يارب مالي غيرك، أبات واصبح في خيرك، ولا تنسيني ذكرك، ولا تحوجني لغيرك. توفي ودفن بساحته المباركة، المعروفة في بني عدي، بمنفلوط، بمحافظة أسيوط.
