باشرت النيابة العامة تحقيقاتها في وفاة المحبوس احتياطيًّا مصطفى منتصر حامد، الشهير بـ"ديشة"، داخل ديوان قسم شرطة ثالث المنتزه على ذمة التحقيق معه في قضية إحراز المخدرات، حيث استمعت لشهادة ثمانية وعشرين محتجزًا برفقته داخل محبسه بالقسم، وعاينت غرفة حجزه.
وانتدبت مصلحة الطب الشرعي لإجراء الصفة التشريحية على جثمانه، حيث انتهت كافة تلك الإجراءات إلى عدم وجود شبهة جنائية في وفاته، وأنها حدثت إثر تدهور حالته الصحية، وما كان يُعانيه من أمراض، وذلك على خلاف قالةٍ انفرد بها والدُه في التحقيقات من اتهامه ضباط القسم بعدما رأى بجثمان ابنه حال تغسيله إصابات لم يكن رآها من قبل، والتي أكدت مصلحة الطب الشرعي أن لا صلة بينها وبين الوفاة، وأنها جائزة الحدوث من سقوط المتهم أرضًا إثر تدهور حالته المرضية كما أفاد الشهود.
كانت وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام قد رصدت أخبارًا متداولة حول وفاة المذكور المحبوس احتياطيًّا داخل ديوان قسم شرطة ثالث المنتزه، وذلك بالتزامن مع إخطار تلقته النيابة العامة من القسم مفاده إصابة المذكور بإعياء شديد، والمودع بحجز القسم على ذمة التحقيق معه في قضية جنائية، إذ قررت النيابة العامة سرعة نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، فاحتُجز بها حتى تُوفي عقب ساعات من وصوله إليها، وأُخطرت النيابة العامة بذلك، وقُدِّم إليها محضرُ شرطة بالواقعة أُرفق به تقريرٌ طبيٌّ صادرٌ من المستشفى يفيد إصابة المتوفى باضطراب في الوعي، وصعوبة في التنفس، وعدم القدرة على التحكم في مجرى الهواء، وأنه وُضع تحت جهاز التنفس الصناعي فتبين وجود إفرازاتٍ شديدة بصدره، ونقصٍ حادٍّ بالصفائح الدموية، وارتفاعٍ حادٍّ بوظائف الكُلى وإنزيمات القلب، فاحتُجز لذلك بقسم الطوارئ بالمستشفى تمهيدًا لوضعه بقسم العناية المركزة، حتى تُوفي صباح السابع والعشرين من يوليو الماضي إثر توقف مفاجئ بعضلة القلب بعد عدم استجابة حالته للإنعاش القلبي.
وكان قد انتقل فريق من النيابة العامة إلى ديوان قسم شرطة ثالث المنتزه، حيث استمع إلى ثمانية وعشرين محتجزًا بديوان القسم كانوا في رفقة المتوفى بذات غرفة حجزه، حيث شهد عشرة منهم بأن المتوفى يوم الواقعة كان يُعاني من ضيق في التنفس، وأنهم علموا منه بمعاناته من مرض السكر مؤكدين أن وفاته لم يتسبب أحدٌ فيها، ولم يتمَّ التعدي عليه من قِبَل أحد، وأنهم فور استغاثتهم بالحراسة لشعوره بضيق التنفس نُقِل إلى خارج الحجز، وعَلِموا عقب ذلك بوفاته بالمستشفى مؤكدين أنه ليست هناك شبهة جنائية فيها، وشهد ثمانية عشر شاهدًا آخر منهم أن المذكور يوم وفاته شعر بإعياءٍ، وبدت منه تصرفاتٌ غير متزنة، سقط على إثرها أرضًا بدورة مياه الحجز، مما أحدث إصابة بعينه، فاستغاثوا بالحراسة، ونُقل إلى خارج الحجز حتى علموا بوفاته عقب ذلك، مؤكدين أنه لم يتم التعدي عليه من قِبَل أحد، وأنه ليست هناك شبهة جنائية في وفاته.
وقد بيّنَ أحدهم أن المتوفى خلال الحالة التي رأوه عليها قبل وفاته انتابته تشنجاتٌ وصدرت منه أصواتٌ غريبة، وقد أَجرى المحتجزون -تحت إشراف النيابة العامة- محاكاةً تصويريةً لملابسات سقوط المتوفى بالحجز ونقله إلى خارجه أرفقت بالتحقيقات، هذا وقد عاينت النيابة العامة غرفة الحجز التي كان محتجزًا بها المتوفى بديوان القسم، فتبينتها غرفةً كبيرةً جيدةَ التهوية، مُلحقًا بها دورة مياه، ولم تتبين بها أي أثار تفيد التحقيقات.
كما سألت النيابة العامة مأمور قسم شرطة ثالث المنتزه ومعاون النظام بالقسم اللذيْن شهدا بتلقيهما من الحراسة المعينة على الحجز المودع به المتوفى نبأَ شعورِه بإعياء شديد داخل الحجز، فطلب المأمور لذلك سيارة إسعاف لنجدته ونُقِلَ إلى المستشفى نفاذًا لقرار النيابة العامة عقب إخطارها، حيث سألت النيابة العامة المُسعفيْنِ اللذَيْن استقبلا الحالة، فشهدا أنهما أبصرا المتوفى في حالة إغماء تامٍّ وأجريا له الإسعافات الأولية، وأوصى أحدهما بضرورة نقله للمستشفى لخطورة حالته، حيث كان قد تبين من فحصه المبدئي آنذاك انخفاض نسبة السكر والأوكسجين في دمه، وأوضحا أنهما لم يقفا على أي إصابات به لانشغالهما بفحص حالته آنذاك.
كما سألت النيابة العامة طبيبَ العناية المركزة بالمستشفى الذي شهد أنه -من خلال فحص حالة المتوفى عقب وصوله للمستشفى واتخاذ الإجراءات الطبية معه- تبين إصابته بأنفاسٍ احتضارية، وارتفاعٍ حادٍّ في وظائف الكُلى، ونقصٍ حادٍّ بالصفائح الدموية، حيث أُودع بغرفة الإنعاش القلبي بقسم الطوارئ، وتُوفيَ نتيجة توقف عضلة القلب، موضحًا أنه قد كان حضر إلى المستشفى في غيبوبة تامة، ولاحظ أسفل عينه اليسرى وجود كدمةٍ وإصابة بالركبة اليمنى وأصبع بالقدم اليسرى، وآثار نزيف بالأنف بسبب الإجراءات الطبية التي اتخذت له، موضحًا أن رأيه الطبي هو عدم وجود صلة بين تلك الإصابات وبين وفاته.
وعلى خلاف هذا السياق الذي سارت فيه التحقيقات سألت النيابة العامة والد المتوفى يوم الواقعة، فشهد بعدم وجود شبهة جنائية في وفاة ابنه، ثم عاد في اليوم الأول من شهر أغسطس الجاري فشهد أنه خلال غسله جثمان ابنه لَحِظَ به إصابات أسفل العين اليسرى والركبة اليمنى وأصبع بالقدم اليسرى، مُتهمًا مأمور قسم شرطة ثالث المنتزه وضباط وحدة البحث الجنائي به بتسببهم في إحداث وفاة ابنه، مُدعيًا أن سبب وفاته نتيجة تلك الإصابات وليس لأسباب مرضية، وأنه لم يكن يعاني من أي أمراض مزمنة.
ولكشفِ حقيقة أسباب وفاة المتهم، والتحقيقِ في الادعاء الذي أبداه والد المتوفى بشهادته، انتدبت النيابة العامة الطبيبَ المختصَّ بمصلحة الطب الشرعي لتوقيع الصفة التشريحية على جثمان المتوفى، بعدما أحاطت المصلحةَ بتفصيلات ما انتهت إليه التحقيقاتُ، وأرسلت إليها الملفَ الطبيَّ الخاصَّ بالمتوفَى، والصادر من المستشفى التي توفي فيها، حيث أَودعت المصلحةُ تقريرًا أثبتت فيه أن كافَّة الإصابات بجثمان المتوفى لا تشير لوجود شبهة جنائية، أو حدوث عنف جنائي معه، وأنها يجوز أن تحدث وفق التصوير الوارد في تحقيقات النيابة العامة من مثل سقوطه أرضًا، وأنه يُؤخذ من الأوراق الطبية والتحاليل وتقارير الطبيب المعالج أنه كان مصابًا بحالة مرضية هي فشل كُلوي حادٌّ ونقصٌ بالصفائح الدموية حال دخوله المستشفى التي تُوفي فيها، وأن تلك الحالة المرضية الموصوفة تؤدي إلى اعتلال شديد بصحته وفقدانه وعيه وسقوطه لا إراديًّا، وإصابته بالمخ بسبب السقوط واصطدامه بالأرض، مما أدخله في غيبوبة انتهت بوفاته، وأنه إجمالًا يجوز حدوث الواقعة وفق التصوير الوارد على لسان المحتجزين مع المتوفى والثابت بأقوالهم في التحقيقات، وقد أكد التقرير سلبيةَ العينات المأخوذة من المتوفى.
وعلى هذا تستكمل النيابة العامة إجراءات التحقيق بالواقعة بمواجهة والد المتوفى بما انتهى إليه تقرير مصلحة الطب الشرعي، وما وصلت إليه التحقيقات، ومناقشة الطبيب الشرعي تفصيلًا فيما انتهى إليه تقريره، واستدعاء أفراد الحراسة الذين كانوا معينين على الحجز المودع به المتوفى لسؤالهم، وطلبت النيابة العامة تحريات إدارة البحث الجنائي حول الواقعة وظروفها وملابساتها، وجارٍ استكمال التحقيقات.