الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سد النهضة و"سد الحنك"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بيقين كنت واحدًا من أوائل الذين ناقشوا إعلاميا موضوع سد النهضة الإثيوبي على النيل، وذلك منذ سنوات خمس بعد أن لاحت بوادر لجدية الفكرة التي ذاعت أخبارها منذ عهدي الرئيسين السادات ومبارك، وحالت دون تحققها روادع مصرية بلغت حد التهديد باستخدام القوة العسكرية وبالذات الصواريخ في ضرب ذلك السد أن صار له وجود.. ولكن ما كانت مصر تستطيعه أيام السادات ومبارك لم يعد بمقدورها اليوم بعد أن عصف التخريب الممنهج الذي صاحب عملية يناير 2011 بعناصر قوة الدولة، وجعلنا مطمعًا لكل الخصوم الإقليميين، كما جعل الممنوع أيام السادات ومبارك مسموحًا –الآن- على النطاقات المحلية والإقليمية والدولية، وبذلك المعنى راحت إثيوبيا -وحدها أو بالتشارك مع آخرين- تسرع الخطى لإقامة السد قبل أن تسترد مصر وعيها وقوتها في أعقاب مؤامرة يناير 2011 وصارت الحقوق المائية المصرية (55 مليار مترًا مكعبًا سنويًا) محلًا للمناقشة والمفاوضة والمناهدة، أحيانا في إطار دول حوض النيل، وأحيانا أخرى في مفاوضات ثلاثية بين أديس أبابا وعاصمتي المصب (الخرطوم والقاهرة)، وهى المفاوضات التي صارت –هي الأخرى– ساحة لأدوار انتهازية قامت بها الخرطوم -لأول مرة– متحالفة مع إثيوبيا في مواجهة مصر لضمان حصة السودان من المياه، ولقيام نظام البشير الإخواني بالدور الذي اضطلع به والتزم أمام التنظيم الدولي للإخوان من أجل تركيع مصر وضربها، وهو ما يمثل حقيقة لا أرى داعيًا لتجميلها أو تزويقها بعد اليوم، إذ إن سودان البشير إخواني بامتياز، وهو ينفذ الخطة لخنق مصر التي ثارت على حكم الإخوان الخونة، ومن جهة أخرى يستخدم أوراقا غير أخلاقية للضغط على مصر في المفاوضات الثلاثية مع إثيوبيا ليقايض موقفه المخزي بالحصول على حلايب وشلاتين، وهو ما كان نظام الإخوان الإرهابي في مصر منحه للخرطوم في واحدة من خياناته الكبرى لمعنى السيادة ولمحددات الأمن القومي، وقبله كان وزير الخارجية نبيل العربي القطري، نفذ خطوة مفزعة حين أصدر تصريحه الأشهر بإنشاء منطقة تكامل في حلايب وشلاتين دون التأكيد على أنها ستكون على جانبي الحدود المصرية – السودانية، بما يعنى اقتطاع تلك المنطقة من الأراضي المصرية دون السودانية!!
على أية حال.. فإن خطورة ما تفعله إثيوبيا –الآن– منتهزة فرصة ضعف مصر (بسبب عملية يناير 2011 وما تلبسها من مؤامرات عصفت بمقدرات البلد وأحالتها مطمعًا للطامعين) ليس –فقط– للتأثير على حصة مصر من المياه بسبب تقصير فترة ملء الخزان في سد النهضة بما يؤثر –قطعًا– على المياه الواردة إلى بحيرة ناصر، ولكن الخطورة الأكبر أن ذلك النقص في المياه سوف يمنع توليد جزء كبير من كهرباء السد العالي.. يعني لدينا أزمة مياه ستضرب الزراعة واحتياجات الإنسان في مقتل، ولدينا أزمة كهرباء ستضرب الصناعة واحتياجات التنمية في الصميم، وبدلًا من أن تسعى مصر للوفاء بالزيادة في احتياجاتنا السنوية من الكهرباء (3000 ميجاوات بتكلفة 3000 مليون دولار لإنشاء محطة توليد طاقة كهربائية و3000 مليون دولار آخرين للوقود البترولي أو الغازي باعتبار أن الكيلو وات/ ساعة من الطاقة يحتاج وقودًا قدرة 200 جرامًا وثمن الطن من البترول أو الغاز عالميًا نحو 600 دولار) فإن مصر سيكون عليها – الآن – استعواض ما سوف تفقده نتيجة بناء سد النهضة أولا، ثم تفكر – بعد ذلك – في زيادة إنتاجها من الطاقة الكهربائية بما يسد الارتفاع السنوي في معدلات احتياجها.
الموضوع كارثي بكل أبعاده
وذلك ما دفعني –قبل سنوات خمس– إلى تقديم أربع حلقات من برنامجي التليفزيوني استضفت فيها المهندس إبراهيم محلب (كان وقتها رئيس شركة المقاولين العرب) والسفيرة فايزة أبو النجا (وزيرة التعاون الدولي في ذلك التوقيت) والدكتور سيد فليفل عميد معهد البحوث الإفريقية والكاتب مكرم محمد أحمد.. وناقشنا الموضوع ضمن منظومة علاقاتنا الإفريقية من كل الجوانب، وشرحت فائزة أبو النجا كيف عملت على تقريب المصالح المشتركة بين إثيوبيا ومصر عن طريق استيراد مصر لاحتياجاتها من اللحوم من إثيوبيا، وتحدث محلب عن الدور الذي لعبته مصر في الستينيات لخلق بيئة صديقة لها في إفريقيا عن طريق شركتي النصر للتصدير والاستيراد، والمقاولون العرب، وكيف كان إهداء ستاد رياضي أو بناية ضخمة وسط هذه العاصمة الإفريقية أو تلك سببًا في عرفان إفريقي تتجلى مظاهره حتى الآن، وعدد سيد فليفل ومكرم محمد أحمد مروحة واسعة من الحلول لمواجهة الإشكالية التي سيتسبب فيها سد النهضة لو أقيم.
كان هناك تحرك -بالفعل– لمواجهة وضع مصر في القارة السوداء، ولم تكن وفود الدبلوماسية الشعبية التي تقاطرت على إثيوبيا بعد عملية يناير 2011 هي التي تمثل تجدد الاهتمام المصري بإفريقيا، فقد سبق الاهتمام تشكيل وحركة تلك الوفود بسنوات.
ولقد أدلى بعض أعضاء تلك اللجان الشعبية –بجهالة مدهشة– بتصريحات كارثية بأي معيار، في غمرة محاولاتهم للإساءة إلى نظام الرئيس مبارك، إذ تبنى أعضاء الوفد المصري الشعبي –لدهشتي– أفكارا من طراز: (إن الإثيوبيين ضاقوا ذرعًا بالعجرفة والغطرسة المصرية، وأن ذلك الأسلوب الذي اتبعته إدارة الرئيس مبارك هو الذي أساء للعلاقات المشتركة بين البلدين) فيما كان نص تصريحات فايزة أبو النجا، وإبراهيم محلب، وسيد فليفل، ومكرم محمد أحمد في برنامجي "حالة حوار" تعكس منطقًا مغايرًا تمامًا لطريقة معالجة دولة مبارك للعلاقات مع إفريقيا ومع إثيوبيا خصوصًا!
كما كان أحد التصريحات التي نثرها بعض أعضاء وفد الدبلوماسية الشعبية يقول إن الرئيس الإثيوبي ميليس زيناوي وعدهم بألا يمضى قدمًا في مشروع سد النهضة حتى يجيء إلى مصر رئيس منتخب، وقد بادر بعض أعضاء وفد الدبلوماسية الشعبية بتوجيه الدعوة إلى زيناوي لزيارة مصر، فجاء إلى القاهرة وكرر وعده، بالإضافة إلى تعهد آخر بعدم توقيع الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل قبل أن يكون لمصر رئيس منتخب.. يعنى الرئيس زيناوي –قبل وفاته– خدع المصريين بلؤم، كما أسهم بعض أعضاء الوفد المصري للدبلوماسية الشعبية –بجهالة– في تخدير المصريين حتى لا يدركوا كنه الخطر القادم، والذى كانت أديس أبابا عقدت العزم عليه، حين استضعفت مصر بعدما أنهكتها مؤامرات عملية يناير 2011.
ولما جاء الرئيس المنتخب محمد مرسى –بعد تزوير انتخابات الرئاسة المصرية– اكتملت حلقات المؤامرة بعقد المؤتمر الصحفي السري (المذاع) الذي قيل فيه كلام يدخل –بكل ارتياح– في نطاق الهرتلة، وبما أعطى إثيوبيا ذريعة لاستكمال مخطط إقامة سد النهضة!
وفي الأيام القليلة الماضية دخلت إسرائيل –بوضوح– على الخط، لتطرح الوساطة أو التوفيق بين مصر وإثيوبيا، بعدما صار واضحًا لمصر عدم جدوى الشكوى للمنظمات الدولية أو محكمة العدل الدولية، أو محاولات حشد الدول الأوروبية (وبالذات إيطاليا صاحبة تصميم السد) للضغط على إثيوبيا، أو محاولات الاحتكام إلى مكاتب هندسية دولية لتبيان الأضرار البيئية، والاحتمالات الچيولوچية التي سيتسبب فيها، وأخطرها انهياره وإغراق السودان ومصر.
خطورة ظهور إسرائيل أنها تحتاج إلى احترافية "الخارجية والأمن القومي" في التعامل مع الملف، ولا تحتاج إلى "هلضمة" بعض عناصر الباحثين عن دورها المنتشر في جوانب المشهد منذ عملية يناير 2011، والتي تسببت في كوارث لمصر بالداخل والخارج، وأسهمت في نجاح النهج الإثيوبي الذي يتبع ما يشبه التقية "الإيرانية" حين يُظهر غير ما يُبطن.
بالعربي.. نريد "سد الحنك" عند كل من يدعي قيامه بعمل شعبي فيما يخص "سد النهضة"، وألا يتطوع أحد للعمل إلا من خلال الخارجية أو المخابرات، وبحرص شديد، لأن ظهور إسرائيل يعني أن الموضوع دخل في مرحلة لا تحتمل كل الاستسهال والمسخرة التي تعاملت بها بعض الشخصيات مدعية الثورية، مدفوعة بحقدها على الرئيس مبارك ونظامه، بأكثر من حرصها على مصالح مصر وشعبها.