عشق المخرج المسرحي ناصر عبدالمنعم، المسرح منذ الصغر، وإتقانه للغة العربية كان سببا في اختياره للتمثيل في المرحلة الابتدائية، فقدم للمسرح مجموعة من العروض المهمة التي بدورها أسهمت في تطوير الشكل المسرحي، نظرًا لاعتماده على صيغة ورؤية تعيد قراءة التاريخ المصري الحديث بكل قضاياه وإشكالياته، مركزًا على البحث في خصوصية الشخصية المصرية، ودور الفرد في حركة المجتمع، فتبنى مشروع التراث والتاريخ في أعماله المسرحية.
أسهم في تأسيس فرقة مسرح الشارع، بمرافقة مجموعة من زملائه منهم: "أحمد كمال، ومها عفت، ومحمد جمال، وياسر علي ماهر، ومنحة البطراوي، وعثمان الحمامصي، وعبدالعزيز مخيون.. وغيرهم، وقدمت الفرقة عروضها في مختلف محافظات مصر، فقد اختارته إدارة المهرجان القومي للمسرح المصري، ضمن أحد المكرمين في الدورة الـ15، تقديرا لمسريته الإبداعية المميزة.
التقت "البوابة نيوز" المخرج ناصر عبدالمنعم، للحديث عن تكريمه من المهرجان، وتجربته الإخراجية، والمشروع الذي يجمعه مع الفنان توفيق عبدالحميد، ونصائحه لشباب المخرجين إلى نص الحوار:
*ماذا يُمثل تكريم المهرجان القومي للمسرح المصري بالنسبة لك؟
- في الحقيقة أي تكريم له وقع جميل على نفس أي مبدع، لأنه يعني أنه لم يحرث في البحر، وأن مشواره الفني على مدار سنوات كان هناك من يتابعه ويقدره ويثمنه، ومن ثمَّ فهو حالة من السعادة المبهجة، خاصة أنه من المهرجان القومي للمسرح المصري، الذي ترعاه وزارة الثقافة، وأوجه الشكر لإدارة المهرجان ورئيسه الفنان يوسف إسماعيل، والدكتورة ايناس عبدالدايم وزيرة الثقافة.
* تحمل الدورة الـ15 عنوانا "المخرج المسرحي المصري" كيف ترى ذلك؟
- كانت دورة العام الماضي للمؤلف المسرحي المصري، فيحسب لإدارة المهرجان أن الدورة التالية تكون للمخرج المسرحي المصري، هذه العناوين النوعية تعطى قيمة بحثية جيدة على هامش المهرجان، وهي القدرة على التقديم والحوار لأجيال ما بين أجيال كثيرين من المخرجين.
وكون هذه الدورة تحمل اسم المخرج عزيز عيد، فهو من أرسى قواعد الإخراج بمفهومها العلمي، لأن ما قبل "عزيز" كانت مهنة المخرج غير متقنة بالعالم، وليست تحمل الطابع العلمي، وكان المؤلف أو مدير الفرقة هو من يتولى تنفيذ الإرشادات المسرحية، فهو اسم مهم في تاريخ المسرح المصري، وأيضًا المحور الفكري للمهرجان يناقش علاقة المخرج بالنص، وشهادات من المخرجين لأجيال مختلفة تخلق حوارًا واسعًا بينهما.
*يهدي المهرجان هذا العام دورته لاسم المخرج عزيز عيد، فماذا عنه؟
- يطلق على عزيز عيد "المخرج الأول"، لأن فن الإخراج لم يكن موجودًا بمعناه وشكله العلمي ومواصفات مهامه ودوره، فإذا تحدثنا عن المسرح الإغريقي نذكر "سوفوكليس، وإسخيلوس، وأرستوفانيس، ويوربيديس"، هم من يقومون بتوجيه الممثل وفقًا للارشادات المسرحية، وبالتالي كان المؤلف أحيانًا يلعب دور المخرج أو مدير الفرقة أو أكبر الممثلين عمرًا أيضًا خلال تلك الفترة، ولم يتأسس الدور الحقيقي للمخرج، ويرجع الفضل لعزيز عيد أنه بدأ في تقنين وظيفة المخرج، ويخصص لها بطاقة وصف، متى ينتهي عمل المؤلف؟ والمخرج أيضا؟ فمراحل عمل المخرج تبدأ من اختيار مجموعة العمل، وبروفات الترابيزة حتى يوم العرض، فقد وضع "عيد" لهذه المراحل قواعدها وأسلوبها الخاصة، لذا أطلق عليه "المخرج الأول"، فهو صفحة مضيئة في تاريخ المسرح المصري، متمنيًا من الأجيال الجديدة التعرف عليه بشكل كبير، لأنه الرائد بالمعني الحقيقي للكلمة.
عاش "عيد" في ظروف صعبة، وكان لديه نوع من التشدد في نوعية المسرح المراد تقديمه، وكانت هناك دعوة في هذه الفترة لتقديم عروض مقتبسه، والكوميدية الهزلية، فهو المسرحي المثقف الذي يحمل هم المسرح محاولا تقديم أعمال كلاسيكية عالمية راسخة للجمهور، إضافة لفتح نافذة على الكلاسيكيات العالمية من كل أنحاء العالم، وقدم المسرح الكلاسيكي الرصين ووضع له قواعد خاصة، ويكمن خلافه مع نجيب الريحاني، أن "الريحاني" يريد مخاطبة الجمهور المصري البسيط والتقرب منه أكثر، وكان "عيد" يريد رفع الجمهور لمصف تلقي الأعمال الكلاسيكية الرفيعة، وبالتالي عزيز عيد محطة مهمة تحتاج الكثير من البحث وإلقاء الضوء، وأيضًا الكثير من المخرجين والمسرحيين الشباب التعرف على هذا الرجل الذي له فضل كبير على مهنة الإخراج في مصر.
*حدثنا عن بداياتك مع المسرح؟
- بدأت الرحلة عن طريق التمثيل بالمدرسة الابتدائية، نظرًا لإجادتي اللغة العربية، فكان والدي رحمه الله يعمل كاتبًا صحفيًا في جريدة الجمهورية خلال التأسيس الأول في 1953، فقد نشأت وسط مناخ ثقافي، حيث ضم منزل العائلة مكتبة كبيرة لأمهات الكتب، وكذلك الاهتمام الأول باللغة العربية كتابة ونطقًا، كل هذه المكتسبات من تلك البيئة المحيطة، أسهمت بشكل كبير في اختياري بالتمثيل، مرورًا بالمرحلة الثانوية حيث تزاملت مع الممثل أحمد كمال في المدرسة الثانوية، والذي لعب دورًا كبيرًا في انضمامنا لفريق التمثيل بمسرح المدرسة، الذي يضم مجموعة كبيرة من المخرجين المحترفين، بالإضافة إلى اهتمام هيئة التدريس أو الإدارة بفن المسرح، فعلي سبيل المثال أتذكر أن مدرس اللغة الإنجليزية طالبنا بعمل مسرحية باللغة الإنجليزية عن أرشميدس الذي اخترع قانون الطفو، وكذلك الأمر بالنسبة لمدرس اللغة الفرنسية كان يعمل على تحويل المواد التي تحتوي على "ديالوج" لمشاهد تمثيلية، فكان المناخ داخل المدرسة عبارة عن حالة فنية ممتعة.
أما مرحلة التكوين الحقيقية فبدأت من كلية الآداب - جامعة القاهرة، التي ضمت مجموعة من كبار الأساتذة في الأدب، والدراما منهم: د.عبدالعزيز حمودة، د. سمير سرحان، د. محمد عناني، د. نهاد صليحة، د. عبدالمعطي شعراوي، د. يحيى عبدالله، د. جابر عصفور، د. أحمد مرسي.. وغيرهم، كل هذه الأسماء لعبت دورًا كبيرًا في مرحلة التكوين الإخراجي، فكانت أول تجربة من خلال مهرجان الاكتفاء الذاتي الذي تنظمه ادارة الجامعة، وهو مهرجان صغير موازي للمسابقة الكبرى قائم على أن كل عناصر العرض المسرحي تكون طلابية، وبالتالي استطعت خلال مرحلة الجامعة إقناع مجموعة من أصدقائي كمخرجًا وهذا شيء صعب، يتطلب الإحاطة بالأصدقاء العاشقين للمسرح.
كل ذلك توفر بمشاركة أسماء عظيمة أصبحوا نجومًا كبار فيما بعد مثل الفنانين: صلاح عبدالله، وعبلة كامل، وأحمد كمال، وأحمد مختار، وياسر علي ماهر، وغيرهم، وفي هذه المرحلة وهي النصف الثاني من السبعينات يُعد مسرح الطليعة من أهم المسارح في مصر، وكان المخرج سمير العصفوري مديرًا لهذا المسرح، حيث قدم مجموعة من العروض الرائعة، تضم أبطالها من جامعة القاهرة، بالإضافة إلى زملائنا في جامعة عين شمس من بينهم: محمود حميدة، وتوفيق عبدالحميد، وعصام السيد، ومحسن حلمي، وسامي مغاوري وغيرهم، كل هذه الأسماء كانت نقطة التقائهم بمسرح الطليعة، فعقب انتهاء اليوم الدراسي نتجه سويًا للمسرح الذي كان بالنسبة لنا مثل "النداهة".
وقد نجح المخرج سمير العصفور بذكاء في إنشاء "نادي مسرح 79" عام 1979، والذي يضم "قاعة 79" التي تسع 79 مقعدًا، ويطلق عليها قاعة صلاح عبدالصبور الآن، فقد كرّسنا كل الوقت لخدمة مسرح الطليعة سواء كمشاهدين أو أعضاء في النادي، بحثًا عن هويته من حيث مفهوم التجريب، والقراءة، ومشاهدة المسرحيات العالمية المهمة عن طريق الفيديو، حتى أصبحتُ فيما بعد عضوًا بهذا المسرح.
*ماهو أول عرض في مشوارك الإخراجي؟
- أول عرض متكامل كهاوي بعنوان "النديم" المأخوذ عن رواية "العودة إلى المنفى" للكاتب أبو المعاطي أبو النجا، والذي يتناول حياة عبدالله النديم، إنتاج جامعة القاهرة عام 1979، فعندما قرأت هذه الرواية أثارت إعجابي، فأعددتها للمسرح، وشارك في بطولته كل من: عبلة كامل، وأحمد كمال، وأحمد مختار، وسيد رجب، وغيرهم، هذا العمل قدّم على مسرح السامر، في مهرجان المئة ليلة، والذي يضم 50 عرضًا مسرحيًا من مختلف جامعات مصر يتم جدولتهم بواقع ليلتين عرض لكل مسرحية على مدار أيامه، وقد لاقت هذه المسرحية نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، وكانت دافعًا كبيرًا للاستمرار في المشوار الإخراجي.
أما العرض الاحترافي الأول لمسرح الدولة بعنوان "رحلة حنظلة" عام 1988، ومن إنتاج مسرح الطليعة، والذي شارك في مهرجان المسرح التجريبي، بمناسبة انعقاد أول دوراته، فبعد نادي مسرح الطليعة أنشأ استوديو الطليعة لإنتاج المسرحيات الصغيرة للمشاركة في هذا المهرجان.
شارك في بطولة هذه المسرحية كل من: صلاح عبدالله، وسلوى محمد علي، وأحمد صيام، ومنير مكرم، وطارق كامل، وماهر سليم، وقد سبق هذه التجربة عرضًا آخر بعنوان "الليلة نلعب" إنتاج الثقافة الجماهيرية عام 1986، وقدمت بقاعة منف، عن نصين للكاتبين علي سالم، ومحمد الشربيني، ومن بطولة عزة الحسيني، وأحمد كمال، وأحمد مختار، ومجدي الجلاد، والذي لاقى نجاحًا كبيرًا.
* بعد "أحدب نوتردام" ماذا عن عرض "صانع البهجة"؟
- لقد شاهدت على مدار السنوات الماضية كوميديا من نوع هزيل، قائمة على الاستسهال في الضحك، والمشهد والشخصية الكوميدية أيضًا، حتى أصبحت الحكاية كأنك تقدم نموذجًا قائم على الإفيهات السهلة، على عكس الكوميديا بمفهومها الصحيح، لذا كانت تجربة الرائدين نجيب الريحاني، وبديع خيري شديدة القوة خاصة في حرفية كتابة الكوميديا، وهذا تم بالاستفادة من المسرح الفرنسي والكوميديا الفرنسية خلال عشرينيات القرن الماضي، نظرًا لإجادتهما اللغة الفرنسية، والإطلاع على المسرح الفرنسي جعلهما يقفان على تكنيكات وطرق ووسائل وحرفية الكتابة الكوميدية، وبالتالي قدّما دروسًا في كيفية صناعة الضحك، حتى لقّب نجيب الريحاني بـ"فيلسوف الضحك"، فأن تقديم "صانع البهجة" في هذا الوقت تحديدًا مهم للغاية، بهدف القاء الضوء على أن الكوميديا ليست شيئًا سهلًا كما يتصوره البعض، بل شيئًا مدروسًا وله طرق ووسائل وأصول وقواعد متبعة.
وقد تحمست لإعادة تقديم "الريحاني" و"خيري" من جديد، والحصول على مجموعة أعمالهما الأصلية القديمة، وذلك عبر سنوات طويلة من البحث والتجميع وليس ما تبقى من أعمال "الريحاني"، لتقديمها في عرض "صانع البهجة" الذي يحتوي على 4 مسرحيات ليس لها صلة بأفلامه تمامًا، فهو يقدم مسرحهما فقط، بهدف تعريف الأجيال الجديدة برواد أعطوا للكوميديا نكهة خاصة، إضافة إلى احترام عقل المشاهد، وخلق شخصيات عاشت في وجدان الشعب المصري، فمن النادر أن تجد فيلسوفًا للضحك، فمصر بها تجارب عديدة مضيئة، وممثلين كثيرين في الكوميديا يستحقون إلقاء الضوء عليهم.
*كيف ترى تجارب شباب المخرجين الآن؟
- لن ينهض المسرح المصري إلا بشباب المخرجين والفنانين؛ لذلك أحرص على متابعة حركة المسرح الشبابي من خلال المهرجانات وعروض الجامعة أو لجان التحكيم أو مسرح الأقاليم بالثقافة الجماهيرية، فهناك تجارب مسرحية جيدة وأخرى تحتاج إلى صقل وتدريب وتكوين وتأسيس لكل عناصر العرض، متمنيًا من العناصر الجيدة إتاحة الفرصة لهم والاهتمام الكبير من مؤسسات الدولة، فلا بد من التفكير في الفائزين بالمهرجان الختامي لمسرح الأقاليم والجامعة وإتاحتهم فرص إخراجية في مسرح الشباب أو الغد أو الطليعة بالبيت الفني للمسرح، بهدف مساعدة التجارب الشابة الناجحة على تطوير ذاتهم، أما على مستوى التجارب التي تحتاج لجهد وتدريب، يجب على الهيئة العامة لقصور الثقافة تنظيم ورش تدريبية ولقاءات تكوين المبدعين في جميع عناصر العرض المختلفة على أسس علمية، فإذا اتبعنا هذين الاتجاهين والاهتمام بهما فإنه يساهم في خلق تيار مهم من المسرح الشبابي.
*هل الورش التدريبية سواء في التمثيل أو الإخراج تغني عن الدراسة الأكاديمية؟
- لا تغني الورش التدريبية والدراسة الأكاديمية عن الجانب العملي، فقد خضت تجربة التدريس مرتين، الأولى: في جامعة عين شمس، حيث عقدت كل المحاضرات بالمسرح، فهناك فرق كبير في الحديث عن فن المسرح وشكله وتقنياته داخل المُدرج، وما بين أن تكون في المسرح ذاته، فالتواجد بداخله يجعلك تلتمس الأشياء وتكوين عناصره بمختلف تقنياتها وحرفيتها، ومناطق القوة والضعف، كل ذلك يفرق كثيرًا، والثانية كانت بجامعة بدر قسم العلوم السينمائية والمسرحية، أثناء تخريج أول دفعة، عقدت الدراسة ومشروع التخرج لطلاب الفرقة الرابعة داخل المسرح، وذلك لتأهيلهم على مواجهة الجمهور، إذن الجانب العملي متمم للجانب النظرى.
* بعد "رجل القلعة" يعود الفنان توفيق عبدالحميد للمسرح من جديد في عمل مسرحي يجمع بينكما.. حدثنا عن ذلك؟
- جار التحضير لمسرحية جديدة مع الفنان توفيق عبدالحميد بعنوان "أغنية البجعة" لأنطون تشيكوف، ومن إنتاج المسرح القومي، وهي عن حياة ممثل في الكواليس، حيث تتناول رحلة الممثل الحياتية والفنية، وسيعلن عن مرحلة تنفيذها قريبا، فعودة "عبدالحميد" للمسرح من جديد يُعد حدث كبير بالنسبة للمسرحيين، والجمهور ومحبيه أيضًا.
*ماهي النصيحة الذي يقدمها المخرج ناصر عبدالمنعم لشباب المخرجين؟
- أولا: عدم تحويل الإخراج لوظيفة أو شيء روتيني، على أن يكون فعل الإخراج ناتج عن الهموم والرغبة في تقديم شيء معين، ثانيا: عند التصدي لأي عمل لا بد أن تُسأل وتُجيب عن أربعة أسئلة وهي: "ماذا، وكيف، ومتى، ولماذا"، ثالثا: الممارسة والإلمام بالأسس والقواعد الكلاسيكية للمهنة.