السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

عادل البريني: الشعب التونسي ينتظر برلمان يحترم مطالبه.. و"النهضة" قدمت مصالحها على مصلحة الوطن

عادل البريني، كاتب
عادل البريني، كاتب تونسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عكس ما توقع خصوم المرحلة الإصلاحية في تونس، وعلى رأسهم حركة النهضة الإخوانية، من أن الشعب التونسي سوف يعزف عن المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد، جاءت المشاركة القوية من المواطنين لتنهار أمامها الأكاذيب التي تم ترويجها عن تدني شعبية الرئيس قيس سعيد، وعدم ثقة المواطن في خطواته الإصلاحية، لتكون المشاركة الانتخابية الأخيرة بمثابة التفويض الشعبي للرئيس لمواصلة خطواته العملية والضرورية لإنقاذ البلاد وللتخلص من أثار العشرية السابقة التي وصفها البعض بالجمود والانحراف عن مطالب الثورة وطموحات الشعب.

هيئة الانتخابات في تونس

ووسط إصرار الرئيس سعيد على مواصلة خارطة الطريق التي وضعها للمرحلة الجارية، فإن الإحزاب السياسية على اختلافها تستعد لخوض انتخابات البرلمان المقبل بغرفتيه النواب ومجلس الأقاليم والجهات، ووفقا للمراقين فإن المرحلة الحالية لن تنتظر استنكار المعارضين أو عد اعترافهم بالهزيمة أمام المشاركة الكبيرة والدعم الذي يحظى به الرئيس من قبل الشعب التونسي.

ورغم ظهور الأرقام الأولية تباعا، والتي كشفت حقيقة المشاركة الواسعة، فإن الكثير من المعارضين وعلى رأسهم حركة النهضة التي يغريها دوما خطاب المظلومية الذي ورثته عن جماعة الإخوان الإرهابية تعول على وصف مخرجات الاستفتاء بـ"عزوف الناخبين" أو "التزوير" خلافا لما تحقق على أرض الواقع خلال الاستفتاء.

تفويض شعبي لمسار الرئيس التونسي

قال الكاتب والمحلل السياسي التونسي عادل البريني، إن التونسيين باتت في مرحلة الذين حسموا موقفهم من منظومة ما قبل 25 جويلية/ يوليو، وهو حسم شعبي كبير من جانب الذين يقفون إلى جانب هذه المرحلة، فهو حسم مفاده أن الصفحة الماضية طويت، وعلينا أن نمر إلى ما بعد جويلية، حيث مرحلة البناء والتشييد.

وأضاف "البريني" في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن التفسير السياسي للمشاركة الواسعة في الاستفتاء، إنما هو من الذين يقفون إلى جانب مسار الرئيس سعيد، وهي مرحلة يمكن وصفها بالتفاؤل، وسط شبه تسليم من جبهة الأحزاب التي كانت تحكم قبل 25 جويلية/ يوليو 2021.

وتابع الكاتب التونسي، أن الذي نراه في تونس اليوم ما هو إلا تفويض شعبي جديد للرئيس سعيد، حيث حصل على نفس الرقم تقريبا الذي انتخبه، وكانت أغلبية ساحقة، هذه الثقة الجديدة التي حصل عليها تدل على أن الرجل مازال يحظى بشعبية كبيرة، وأن الشعب الذي مرَّ عليه سنة دون تحقيق مطالب كثيرة يدرك أن التنمية يلزمها إنشاء دستور جديد وتغير قوانين اللعبة من الناحية القانونية والدستورية.

ولفت "البريني" إلى أن الشعب عازم على المضي إلى مرحلة جديدة للحسم مع كل المظاهر التي أعاقت مطالب وأهداف الثورة خلال العشرية السابقة، ومن ثم الدخول إلى مرحلة محاسبة الفاسدين، وإيقاف عجلة الفساد الطاحنة، والتعويل على الكفاءات الحقيقية في تونس بعيدا عن الانتماءات الحزبية والمحسوبية، وبعيدا عن قيادات سياسية أدخلت البلد في دوامة الفساد والانهيار الاقتصادي.

كتلة سياسية تتحدث باسم الرئيس

وتوقع "البريني" أن يستمر الرئيس التونسي في رفضه لتكوين كتلة سياسية تتحدث عن أفكاره وتترجمها إلى مشاريع سياسية، لما يبدو عليه من أن الرئيس لديه تأكيد متواصل على أنه لا يعترف كثيرا بجدوى الأحزاب، وأنه عوَّل على مشاركة المواطنين الذين يبادلونه نفس الأفكار حول جدوى وأهمية الأحزاب، وهو في الحقيقة لا ينوي الإقصاء.

وشرح الكاتب التونسي أنه هناك نية لتكوين طرف سياسي تشكل الآن خلال عملية الاستفتاء، متكون من الأحزاب السياسية الداعمة للمسار وللرئيس سعيد، عدد كبير من الأحزاب يستعد لخوض الانتخابات التشريعية في شكل جبهات وتحالفات وتكتلات سياسية، ومن المقرر أن نجد أجساما سياسية مشابهة في المستقبل لا تمثل الرئيس بصفة مباشرة، ولا تمثل مشروعه، لكنها تمثل المرحلة الجديدة وترفع شعار القطع مع المرحلة السابقة.

وأشار "البريني" إلى أن الرئيس يستثمر الآن في الشرعية الشعبية التي امتلكها وجددها من خلال هذا الاستفتاء، هذا الاستفتاء الذي قدَّم فائدتين الأولى تتمثل في تمرير مشروع الدستور الجديد، والثانية تجديد شرعية الرئيس سعيد.

وكانت شرعية الرئيس وشعبيته محط أنظار عدد كبير من المراقبين الذين تساءلوا عن حدودها بعد مرور سنة بأكملها على القرارات الاستثنائية دونما تحقيق مطالب كثرة يطمح إليها الشارع، لكن هذه المشاركة الواسعة أعطت صورة واضحة عن رغبة التونسيين في دعم المسار الجديد وانتظار نتائجه.

التخلص من آثار العشرية الماضية

يعتقد "البريني" أن الرئيس في هذه المرحلة يمر من مرحلة القول لمرحلة الفعل، مرحلة يرى فيها التونسيون محاربة الفساد وارتفاع الأسعار، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وإنقاذ الناس من الفقر، ورفع المديونية التي تعاني منها تونس، والوصول إلى برلمان جديد يقوم خدمة مصالح الناس دون أن يقدم عليها مصالحه الحزبية.

ويقول "البريني": إن التجربة أثبتت أن النواب الذين يصلون إلى البرلمان عن طريق القوائم الحزبية يقدمون مصالحهم الحزبية على مصالح الوطن العامة، وخلال عشر سنوات لم يحقق النواب ما هو مطلوب منهم، والدليل على ذلك أن الرئيس عندما أصدر قراره بغلق البرلمان لم يعارض الشعب القرار، ولم يستغربه بل لقى مساندة شعبية كبيرة، وربما من أجله قبل التونسيون أولى خطوات هذه المرحلة الجديدة.

ويرى الكاتب التونسي أن تغيير البرلمان جاء بعدما شهد في مرحلته السابقة عددا من المظاهر التي تخل بآداب السياسة والديمقراطية وتشوه الثورة ووجه البلد ككل، حيث يتم تغييره عن طريق تغيير قوانين اللعبة السياسية كي يضمن المواطن عدم عودته إلى شكله التقليدي الأول.

مشاركة الأحزاب دون إقصاء

وعن الانتخابات المقبلة، يوضح "البريني" أن أنظار الرئيس التونسي تتجه لقطع الأسباب الرئيسة والجذور التي أنتجت هذا المشهد السابق، وذلك من خلال تغيير القانون الانتخابي، واعتماد نظام الأفراد بجوار القوائم.

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي، أن الأحزاب ليست ممنوعة من التواجد بما فيها حركة النهضة حتى الآن، فلا يوجد في خطاب الرئيس ولا في خطاب أنصاره ما يدل على الإقصاء، لكنه هناك حديث مستمر على المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وأنه لا يوجد من هو فوق القانون مهما كان موقعه الحزبي، وهو كلام ينطبق على حركة النهضة وعلى الأحزاب التي شاركت في حكم البلاد سابقا، وهي في نظر الرئيس متورطة في الكثير من القضايا والملفات المطروحة، والمنتظر أن تتم عملية المحاسبة أولا ثم المكاشفة وتوضيح ما جرى خلال العشرية السابقة، ومن ثم فتح صفحة جديدة للتونسيين جميعا لبناء مصالحة حقيقية بعيدا عن المغالطة والتضليل الذي شاهدناه خلال المرحلة المنصرمة.

وحولها شرح "البريني" أن المصالحة الحقيقية هي التي تعب بالجميع إلى التنمية، خلافا للمصالحات التي تمت في العشرية السابقة، التي اعتمدت بشكل واضح ومفضوح تبييض الفاسدين وإعادة وجوه المنظومة السابقة إلى المشهد، دون حدوث أي عملية من عمليات المحاكمة ولا المحاسبة ولا معاقبة الفاسدين، فكل الذي صار كان نوعا من الترضيات والتوافقات السياسية على حساب تاريخ البلد ومستقبل الأجيال الجديدة التي صنعت الثورة في تونس.