وفقًا للوثائق، في صباح 26 يوليو 1952، وكان تحرك الجيش قد أتّم ثلاثة أيام، ظل الارتباك سائدًا في القصر الملكي، فلم يكن أحد يعلم كيف ومتى سينتهي الموقف، وكانت حركة الضباط التي يرأسها اللواء محمد نجيب قد سيطرت تمامًا على مجريات الأمور في مصر كلها. صباح ذلك اليوم أرسل اللواء نجيب خطابًا إلى الملك فاروق، يدعوه فيه للتنازل عن الحُكم رضوخًا لأمر الشعب، ومنحه مُهلة حتى الثانية عشرة ظهرًا من نفس اليوم.
طلب الملك فاروق من رئيس وزارته على ماهر باشا، كتابة وثيقة للتنازل عن العرش لكنه طلب أن تكون الصياغة محافظة على كرامته كملك، فطمأنه «ماهر» مؤكدًا ذلك، وعُهد إلى الدكتور عبدالرازق السنهوري، الفقيه الدستوري الشهير وأحد أعلام القانون -والذي صار رئيسًا لمجلس الدولة في عهد الرئيس جمال عبدالناصر- صياغتها، فجاء الأمر الملكي رقم 65 لسنة 1952.
كان هذا الأمر الملكيّ آخر ما صدر عن الملك فاروق في قصر رأس التين بالإسكندرية، الذي غادر في مساء نفس اليوم الساعة السادسة والثُلث على ظهر يخت المحروسة هو وعائلته، وكان في وداعه أعضاء حركة الضباط الأحرار وتم إطلاق 21 طلقة مدفعيّة كتحية أخيرة، يروي الرئيس الراحل محمد نجيب في مذكراته "جئت متأخرًا لوداع الملك بسبب ازدحام الطريق، وكانت المحروسة في عرض البحر، فأخذت لنشًا حربيًّا دار بنا دورة كاملة كما تقتضي التقاليد البحرية وصعدت للمحروسة وكان الملك ينتظرني، أديت له التحية فرد عليها، ثم سادت لحظة صمت بددتها قائلًا للملك: «لعلك تذكر أنني كنت الضابط الوحيد الذي قدم استقالته من الجيش عقب حادث 4 فبراير 1942 احتجاجًا»، فرد الملك: «نعم أذكر».
خلال السنوات التالية، بدأت الحركة -التي صارت مجلس قيادة الثورة- في تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وربما كان أحد أهم القرارات التي اتخذها القائمون على الأمور، والتي ثبتت صحتها فيما بعد، هو قرار مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين، في 14 يناير 1954 والذي جاء فى نصه: «قرر مجلس قيادة الثورة حل جماعة الإخوان المسلمين وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين حزبًا سياسيًا ويطبق عليها أمر مجلس قيادة الثورة بحل الأحزاب السياسية». وجاء في المذكرة التفسيرية التي صدرت مرفقة بالبيان أن بدأت الثورة فعلًا بتوحيد الصفوف إلى أن حلت الأحزاب ولم تحل الإخوان إبقاء عليهم وأملا فيهم وانتظارًا لجهودهم وجهادهم في معركة التحرير ولأنهم لم يتلوثوا بمطامع الحكم كما تلوثت الأحزاب السياسية الأخرى، ولأن لهم رسالة دينية تعين علي إصلاح الخلل وتهذيب النفوس، ولكن نفرًا من الصفوف الأولي في هيئة الاخوان أرادوا أن يسخروا هذه الهيئة لمنافع شخصية وأطماع ذاتية مستغلين سلطان الدين على النفوس وبراءة وحماسة الشبان المسلمين ولم يكونوا في هذا مخلصين لوطن أو لدين.
وأوضحت المذكرة المنشورة مع الأمر بالحل أنه أثبت تسلسل الحوادث أن هذا النفر من الطامعين استغلوا هيئة الإخوان والنظم التي تقوم عليها هذه الهيئة لإحداث انقلاب في نظام الحكم القائم تحت ستار الدين، وسردت مجموعة من الحوادث بين الثورة وهيئة الإخوان، منها ما تم بين البكباشي جمال عبدالناصر ومرشد الإخوان حول تأييد الجماعة للثورة، والحديث عن قوانين الإصلاح الزراعي، وإعادة التحقيق في مقتل حسن البنا، والعفو عن المعتقلين والمسجونين السياسيين وفي مقدمتهم الإخوان بمجرد تولي الرئيس نجيب رئاسة الوزارة. واختتمت المذكرة بـ«لن تسمح الثورة أن تتكرر في مصر مأساة باسم الدين ولن تسمح لأحد أن يتلاعب بمصائر هذا البلد بشهوات خاصة مهما كانت دعواها ولا أن يستغل الدين في خدمة الأغراض والشهوات».
ثقافة
أوراق يوليو| قرارات «ثورية».. إنهاء الملكية وحل «الإخوان»
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق