التقى البابا فرنسيس، اليوم الاثنين، الشعوب الأصليّة: الأمّم الأولى، ميتيس وإنويت، وذلك خلال زيارته إلى منطقة ماسكواسيس، والتي تقع على مسافة 100 كيلومتر جنوب إدمنتون، حيث تقع مدرسة إرمينيسكن الداخلية السابقة.
ونشرت الصفحة الرسمية للمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن ، بانه بعد صلاة صامتة في المقبرة، ألقى البابا فرنسيس خطابًا أمام هذه الشعوب جدّد فيه "طلب المغفرة". وقال: "أطلب المغفرة للطرق التي دعم بها، للأسف، العديد من المسيحيّين العقليّة الاستعماريّة للسّلطات التي اضطهدت الشّعوب الأصليّة".
وأضاف: "أنا متألّم بألمكم. وأطلب المغفرة، ولا سيّما، للطرق التي تعاون بها العديد من أعضاء الكنيسة والجماعات الرهبانيّة، وأيضًا للامبالاة التي أظهروها، في تلك المشاريع المدمّرة للثقافات، وفي الاستيعاب القسري التي لجأت إليها حكومات ذلك الوقت، والتي بلغت ذروتها في نظام المدارس الداخليّة الإجباريّة".
وأشار إلى أنّ "الاعتذار ليس نهاية المطاف"، موضحًا بأنّها "الخطوة الأولى فقط، ونقطة الانطلاق. جزء مهم من هذه العمليّة هو إجراء بحث جادّ عن الحقيقة حول الماضي، ومساعدة الأحياء الباقين من تلك المدارس الداخليّة الإجباريّة، للشروع في مسارات الشّفاء من الصّدمات التي تعرّضوا لها".
وفيما يلي خطاب البابا فرنسيس:
انتظرتُ صابرًا حتى آتي بينكم. ومن هنا، من هذا المكان الذي يحمل ذكريات حزينة، أودّ أن أبدأ ما في قلبي: رحلة توبة. أتيت إلى موطنكم الأصلّي لأقول لكم شخصيًّا إني أشعر بحزن، ولأطلب من الله المغفرة والشفاء والمصالحة، ولأعبِّر عن قربي منكم، ولأصلِّي معكم ومن أجلكم.
أتذكّر الاجتماعات التي عُقِدَت في روما منذ أربعة أشهر. قدَّمْتم لي إذاك زوجَي أحذية أطفال، علامةً على المعاناة التي عانى منها أطفال السّكان الأصليّين، وخاصّة الذين للأسف لم يعودوا قط إلى بيوتهم من المدارس الداخليّة الإجباريّة. إنّ ذكرى هؤلاء الأطفال تملأني بحزن، وتحثّنا على اتخاذ الإجراءات اللازمة حتى يعامل كلّ طفل بحبّ وتقدير واحترام. هذه الأحذية تحدِّثنا أيضًا عن رحلة، وعن مسيرة نريد القيام بها معًا. نسير معًا، ونصلّي معًا، ونعمل معًا، حتى تزول آلام الماضيّ، وحتى يحلّ محلّه مستقبل فيه عدل وشفاء ومصالحة.
أيّها الإخوة والأخوات، لقد عشتم في هذه الأرض منذ آلاف السّنين بأنماط حياة احترمت الأرض نفسها، التي ورثتموها من الأجيال السابقة وحفظتموها لأجيال المستقبل. عاملتموها على أنّها هبة من الخالق تتقاسمونها مع الآخرين، وتحبّونها بالانسجام مع كلّ الخليقة، في ترابط شديد بين جميع الكائنات الحيّة. وهكذا تعلّمتم أن تغذوا في نفوسكم حِسًّا مرتبطًا بالعائلة والجماعة، وأنشأتم روابط متينة بين الأجيال، فكرَّمْتم كباركم ورعيتم صغاركم. كم من العادات والتعالّيم الصّالحة التي تتركّز على الاهتمام بالآخرين وحبّ الحقيقة، والشّجاعة والاحترام، والتواضع والأمانة، وحكمة الحياة
المكان الذي نحن فيه الآن ينتزع مني صرخة ألم تدوّي في داخليّ، صرخة ظلّت مكتومة في صدري ورافقتني في الأشهر الماضيّة. أعود بالذاكرة إلى المأساة التي عانى منها الكثيرون منكم، وعائلاتكم وجماعاتكم، وإلى ما شاركتموني فيه حول مآسي المدارس الداخليّة الإجباريّة. ذكرى الخبرات المدمّرة التي حدثت في المدارس الداخليّة الإجباريّة أمر مذهل، يثير الغضب، والوجع، لكنّه ضروريّ.
من الضّروريّ أن نتذكّر كيف كانت مدمّرة، لأهاليّ هذه الأراضيّ، سياسات الاستيعاب والتّحرير، التي شملت أيضًا نظام المدارس الداخليّة الإجباريّة. وكيف أدّت سياسات الاستيعاب إلى تهميش الشّعوب الأصليّة بصورة ممنهجة، وكيف تمّ أيضًا تشويه وإلغاء لغاتكم وثقافاتكم من خلال نظام المدارس الداخليّة الإجباريّة، وكيف تعرّض الأطفال إلى اعتداءات جسديّة ولفظيّة، ونفسيّة وروحيّة. وكيف تمّ اختطافهم بعيدًا عن بيوتهم وأهلهم عندما كانوا صغارًا، وكيف ترك ذلك أثرًا بالغًا لا يمحى في العلاقة بين الآباء والأبناء والأجداد والأحفاد.
أنا هنا، حتى تكون الخطوة الأولى في رحلة الحجّ والتوبة هذه بينكم هي تجديد طلب المغفرة منكم، وحتى أقول لكم، بكلّ قلبي، إني حزين جدًّا. أطلب المغفرة للطرق التي دعم بها، للأسف، العديد من المسيحيّين العقليّة الاستعماريّة للسّلطات التي اضطهدت الشّعوب الأصليّة. فأنا متألّم بألمكم. وأطلب المغفرة، ولا سيّما، للطرق التي تعاون بها العديد من أعضاء الكنيسة والجماعات الرهبانيّة، وأيضًا للامبالاة التي أظهروها، في تلك المشاريع المدمّرة للثقافات، وفي الاستيعاب القسري التي لجأت إليها حكومات ذلك الوقت، والتي بلغت ذروتها في نظام المدارس الداخليّة الإجباريّة.
على الرّغم من أنّ المحبّة المسيحيّة كانت حاضرة، وكانت هناك حالات مثاليّة، ليست قليلة، في التفاني من أجل الأطفال، إلّا أنّ النتائج الإجمالية لسياسة المدارس الداخليّة الإجباريّة كانت كارثيّة. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، قال العديد منكم ومن ممثليكم أنّ الاعتذار ليس نهاية المطاف. أوافق تمامًا: إنّها الخطوة الأولى فقط، ونقطة الانطلاق. جزء مهم من هذه العمليّة هو إجراء بحث جادّ عن الحقيقة حول الماضي ومساعدة الأحياء الباقين من تلك المدارس الداخليّة الإجباريّة، للشروع في مسارات الشّفاء من الصّدمات التي تعرّضوا لها.
أصلّي وآمل أن ينمو المسيحيّون والمجتمع في هذه الأرض في مقدرتهم على التّرحيب بهوية وخبرة الشّعوب الأصليّة واحترامها. وسأستمرّ في تشجيع التزام جميع الكاثوليك تجاه الشّعوب الأصليّة. لقد فعلت ذلك في عدة مناسبات وفي أماكن مختلفة، في اللقاءات والنداءات وأيضًا في إرشاد رسوليّ خاص. أعلَم أنّ كلّ هذا يتطلّب وقتًا وصبرًا: فهذه عمليّات يجب أن تدخل في القلوب، ووجودي هنا والتزام الأساقفة الكنديّين هما شهادة على إرادتنا للمضيّ قُدُمًا في هذه الطريق.
أنا هنا اليوم لأتذكّر الماضي، وأبكي معكم، وأنظر إلى الأرض في صمت، ولأصلّي عند القبور. لندع الصّمت يساعدنا جميعًا على استيعاب الألم. الصّمت. والصّلاة. أمام الشّرّ نصلّي إلى ربّ الخير. وأمام الموت، نصلّي إلى إله الحياة. جهودنا ليست كافيّة للشفاء والمصالحة، فنحن بحاجة إلى نعمة الرب: نحن بحاجة إلى حكمة الرّوح الوديعة والقويّة، وإلى حنان الرّوح المعزيّ. ليملأ هو توقعات القلوب. وليأخذ هو بيدنا. وليكن هو الذي يجعلنا نسير معًا.