قصر «رأس التين» الذى شهد رحيل آخر ملوك مصر
بناه محمد علي على الطراز الفرنسي وشهد وفاته وعزل إسماعيل ووداع فاروق.. ولم يتبق من القصر القديم سوى البوابة التي تحمل اسمه وبعض الأعمدة الجرانيتية
يعتبر قصر رأس التين التاريخي من أقدم القصور الموجودة في مصر والإسكندرية في يومنا هذا، وقصر رأس التين أحد المعالم التاريخية والأثرية الموجودة بمحافظة الإسكندرية.
وتعود الأهمية التاريخية لهذا القصر إلى أنه القصر الوحيد الذي شهد وعاصر قيام أسرة محمد على في مصر والتي استمرت نحو 150 عاما، وهو نفس القصر الذي شهد غروب حكم الأسرة العلوية عن مصر، عندما شهد خلع الملك السابق فاروق وشهد رحيله منه على ظهر اليخت الملكي المحروسة من ميناء رأس التين.
بدأ محمد علي في بناء قصر رأس التين عام 1834م ليضمه إلى قصوره علاوة على القصور الأخرى التي كان يملكها في الإسكندرية مثل قصر المحمودية وقصر إبراهيم باشا.
وتم الاستعانة في بنائه وإصلاحه فيما بعد بمهندسين أجانب منهم المهندس الفرنسي "سيريزي بك، والذي استقدمه محمد علي عام 1928م لإنشاء دار الصناعة والإشراف عليها، وقد عهد إليه بتصميم جناح الحرم في هذا القصر، كما شارك في بنائه مهندسان آخران هما روميو والمسيو ليفرويج، وتم بناء هذا القصر عام 1845م، وقد استغرق بناؤه أحد عشر عاما، ولكن أعمالا تكميلية وإنشاء أجنحة إضافية ظلت قائمة به إلى عام 1847م حيث تم افتتاحه رسميا.
وتم بناء القصر على الطراز الأوروبي الفرنسي الذي كان شائعا في الإسكندرية في ذلك الوقت، نظرا لكثرة الجاليات الأجنبية الموجودة في الإسكندرية في تلك الفترة، واستخدم في بناء هذا القصر عمال أجانب ومصريين.
وبني القصر في أول الأمر على شكل حصن، وكان في مكانه أشجار التين التي كانت موجودة بوفرة في تلك المنطقة، ولذلك سمي قصر رأس التين.
وظل قصر رأس التين من أهم القصور الملكية، حيث كان مقرا صيفيا للحكام على مر العصور ينتقلون إليه كل عام خلال فصل الصيف.
قصر التين والأسرة العلوية:
- أمر محمد علي أن يُشيَّد قصر رأس التين على هيئة حصن ليكون كمقر حكمه في قلعة صلاح الدين بالقاهرة، ووضع تصميم القصر المهندس الفرنسي "سير يزي بيك" عام ١٨٣٤ – ١٨٤٧ أي واستغرق البناء ١٣ عامًا – ولم يتبقّ من قصر محمد علي القديم سوى البوابة التي تحمل اسم "محمد علي" وبعض الأعمدة الجرانيتية وشهد وفاة محمد على حيث صعدت روحه بداخل القصر.
- وفي عهد الخديوي "إسماعيل" صار قصر رأس التين المقر الصيفي لحكام أسرة "محمد علي"، وأنشأ “إسماعيل” محطة للسكة الحديد داخل القصر لينتقل وأسرته من قصر رأس التين بالإسكندرية إلى القاهرة، وقد قام الملك "فؤاد" بتجديدها عام ١٩٢٠.
- وفي عهد الملك "فؤاد" قام بإعادة بناء قصر رأس التين، فجعله مكونًا من ثلاثة طوابق؛ فصار بناؤه وأثاثه أكثر جمالًا وعصرية، وعلى جزء من مساحة القصر بُني مسجد ذو طابع معماري متميز.
- وفي عهد الملك “فاروق” أضيف للقصر مبنى للأميرات، وكانت الملكة والأميرات في أثناء الصيف يلحقن بالملك في قصر رأس التين بالإسكندرية.
بقايا القصر القديم:
لا يوجد من القصر القديم حاليا سوى الباب الشرقي الذي أدمج في بناء القصر الجديد، ويتكون من 6 أعمدة جرانيتية تعلوها تيجانا مصرية تحمل عتبا به سبع دوائر على هيئة كرون من النحاس كتب بداخلها بحروف نحاسية آية قرآنية وكلمات مأثورة عن العدل مثل «العدل ميزان الأمن» «حسن العدل أمن الملوك» «العدل باب كل خير» «اعدلوا هو أقرب للتقوى»، ويكتنف هذا العتب من طرفيه تمثالا أسدين، وتتوسطهما كتلة رخامية بها طيور ودروع ونسران متقابلان، وكتب بوسطها اسم «محمد علي» وتاريخ 1261.
حمام السباحة:
وكان لهذا القصر حمام سباحة له بهو مغطى بالزجاج، وقد أنشأ فاروق حماما بحريا بدلا منه على حاجز الأمواج بعد الحرب العالمية الثانية في مكان كان معدا ليكون موقعا للدفاع الجوي عن ميناء الإسكندرية، وأوصل هذا العام برصيف طويل بقصر رأس التين، وكان يصل إليه برا بعربة جيب.
وكان به استراحة بها غرفة للنوم وأوفيس كامل لإعداد الطعام وحجرات مملوءة بأدوات الصيد البحري وتسلمتها في السنوات الأخيرة القوات البحرية بعد أن تم سحب جميع متعلقات الملك فاروق والأميرات شقيقاته حيث كان هذا المكان المصيف الرئيسي لهن في الإسكندرية.
قصر رأس التين الحديث:
أعيد بناء قصر رأس التين في عصر الملك فؤاد على طراز يتماشى مع روح العصر الحديث، وتكلف وقتها أربعمائة ألف جنيه وأصبح مشابها لقصر عابدين ولكنه أصغر منه وتكون من:
الدور الأول العلوي:
وأهم ما يوجد في الدور الأول العلوي بعد الصعود من سلم التشريفات "الصالونان الملحقان" بقاعة العرش، ثم قاعة العرش الفسيحة الفخمة، وكانت تسمى سابقا قاعة الفرمانات، وهي أصغر من مثيلتها بقصر عابدين، والمكتب الخاص، ثم طرقة موصلة إلى قاعة الولائم الرئيسية، ثم حجرة المائدة والقاعة المستديرة المقفلة الأبواب، وهي تضاء صناعيا ومملؤة بنقوش وحليات موزعة بين أرجائها الفسيحة، وفي جناح الملك فاروق يوجد الحمام الخاص به وهو صورة طبق الأصل من حمام عابدين، وحجرة النوم وحجرة المكتب ثم صالون النظارة ثم الباب السري الموصل لجناح الملكة السابقة، حيث نجد صالون الزينة والمخدع والحمام الخاص وهو يشبه مثيلة في عابدين، ثم بعد ذلك نجد الصالون الكبير الفخم وبه “شرفة كبيرة” تطل على ميناء المحروسة، ثم قاعة الطعام الصغرى.
الدور الأرضى:
أما الدور الأرضي فيوجد به صالون الحرملك ذو الأبهة والعظمة وأجنحة الخدم والحاشية، ثم القاعة المستديرة حيث وقع الملك السابق فاروق وثيقة تنازله عن العرش.
البدروم:
أما البدروم ففيه أيضا الصالة المستديرة الثالثة التي توصل إلى السلم الموصل الى مرسى الباخرة المحروسة التي غادر عليها الملك فاروق مصر متجها إلى إيطاليا.
القطار:
وإلى جوار القصر من هذه الناحية محطة السكك الحديدية الخاصة التي تصل إلى داخل القصر والتي كانت مخصصة لانتقالات الملك السابق فاروق.