السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

البابا والزعيم.. مسيرة في محبة الوطن.. مواقف خالدة جمعت بين القداسة والوطنية لعبد الناصر وكيرلس السادس

الرئيس جمال عبد الناصر
الرئيس جمال عبد الناصر والبابا كيرلس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 تحل علينا هذه الأيام الذكرى السبعون لثورة يوليو المجيدة، ولا تمر هذه المناسبة الجليلة إلا ونتذكر البابا كيرلس السادس، الذي كان أول البطاركة الجمهوريين، جلس علي الكرسي الباباوي في الوقت الذي جلس فيه عبد الناصر لحكم مصر، ورحلا سويا في أيام متقاربة. 
يكتب كثيرون عن هذا القديس المعاصر ومعجزاته التي توجت الإنسان ولكن قليلون من يكتبون عن علاقته بثورة يوليو وعبد الناصر، ودوره الوطني في تحرير الأرض المصرية المحتلة منذ 1967.
في يوليو 1927 دخل البابا كيرلس الدير، وفي يوليو 1937 التحق ناصر بالكلية الحربية، وكأن كلاهما قرر أن يترك العالم، ويرغب ناصر في تحرير الوطن، ويرغب كيرلس في تحرير الإنسان.
يوم الأحد 18 يوليو سنة 1931 رسم قساً باسم القس مينا البراموسي، وفي نفس الحقبة والشهر تخرج ناصر فى الكلية العسكرية في شهر يوليو 1937، رقي عبد الناصر إلى رتبة ملازم ثان في سلاح المشاة..
الطريق إلي الكرسي البابوي
كانت ثورة يوليو 1952 أحدثت تغييرات عميقة ألقت بظلالها على الصراع التقليدي بين الكنيسة والمجلس الملي، وتم إلغاء لائحة الانتخاب القديمة والتي كانت لا تشترط أن يكون المرشح راهبا، وأصدرت لائحة جديدة (لائحة 1957م)، تقرر فيها: المرشح للكرسي الباباوي يجب ألا يقل عمره عن أربعين سنة ساعة خلو الكرسي! وكان الخلاف بين محمد نجيب وناصر انتهي بدستور جديد، ووصل ناصر إلي رئاسة الجمهورية بالاستفتاء، في نفس توقيت صدور لائحة جديدة لانتخاب البطريرك، وكان عبد الناصر ورفاقه من الشباب وأقل من الأربعين، كما أن اللائحة ألغت الانتخاب لأنه كان من غير المعقول أن يأتي رئيس الدولة بالاستفتاء ويأتي البابا وشيخ الأزهر بالانتخاب. 
وهذه أول مرة يسمع فيها بتحديد السن في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتقول أيريس حبيب المصري: لم يحددوا السن فقط بل أضافوا أيضا  “ساعة خلو الكرسي”، والغرابة في هذا التحديد أن أنبا أثناسيوس الرسولي كان في السابعة والعشرين. 
ومن ذلك التاريخ عرفت الكنيسة شباب رهبان متعلمين جدد، فقد رشح ثلاثة من الشباب للكرسي البطريركي، وهم: متى المسكين، ومكاري السرياني، وأنطونيوس السرياني، ومن هؤلاء بدأت الحداثة بالكنيسة، وتهدئة لخواطر شيوخ الكنيسة وكبارها في السن أدرج الأنبا أثناسيوس (مطران بنى سويف) وقائمقام البطريرك اسم الراهب مينا المتوحد بوصفه المعلم والقائد الروحي لهؤلاء الشباب المرغوب فيهم. وتم اختيار الراهب مينا المتوحد بالقرعة الهيكلية ليصير بابا الإسكندرية فرسم في 10 مايو 1959.

إعادة تشكيل المجلس الملي
أدت متغيرات يوليو إلي أنه لم يبق للمجلس الملي من دور في ظل ثورة يوليو 1952، وبعد كل هذه المتغيرات، وبعد ما يقرب 84 عاما من الصراع على اللائحة الخاصة باختيار البطريرك بين المجمع المقدس والمجلس الملي، وفي هذه الفترة أعيد تشكيل المجلس الملي بعد إلغاء الأحكام العرفية في صيف 1956.
وبعد اعتلاء الأنبا كيرلس السادس كرسي مارمرقس، لم يجد المجلس الملي بعد سحب جميع اختصاصاته من يمارس معه الصراع سوى الأنبا كيرلس ذاته. وكانت الصلاة هي أكثر ما يشغل البابا كيرلس السادس، فكان كثير الذهاب إلى الصلاة وكان يقيمها بنفسه، بعكس أسلافه الذين انشغلوا عن الصلاة بأمور الكنيسة الأخرى، وقد هاجمت صحيفة "مصر" البابا كيرلس هجوما شديدا، وكتبت تقول "لقد أمل الأقباط في البابا خيرا عظيما، ولكن مرت الأيام وقداسته في شغل شاغل بما يقام له من أقواس النصر وهو في طريقه إلى الكنائس، أما شئون الشعب فلم يتسع لها وقته ولم تحظ بأي اهتمام أو يعيرها أي التفات، وسخرت الصحيفة من صلواته ومعجزاته وهكذا فقد ناصب المجلس الملى العداء السافر للبابا كيرلس السادس خاصة بعد ادعاء المجلس الملي على عدم القدرة على الانفاق على البطريركية والكنيسة، واضطر إزاء ذلك الى الاستدانة من "جمعية التوفيق القبطية" ألفي جنيه ليدفع مرتبات الكهنة والموظفين، ثم توقف بعد ذلك عن دفع الأجور الزهيدة لهم في ذلك الوقت، وإزاء ذلك توجه البابا كيرلس السادس إلى الرئيس جمال عبد الناصر وعرض عليه الأمر، فأمر عبد الناصر بصرف تبرع من الدولة للكنيسة بمبلغ عشرة آلاف جنيه مصري مع حل المجلس الملي الذي ثبت فشله مع تشكيل لجنة برئاسة البابا كيرلس عام 1967 لإدارة أوقاف الكنيسة، وكانت نتيجة ذلك أن عبرت البطريركية ديونها بل وارتفع رصيدها إلى 150 ألف جنيه خلال عامين، واستمر المجلس محلولا إلى أن أعاده البابا شنودة الثالث بعد تنصيبه بطريركا في 1971
الزعيم والبابا في محبة الوطن.
كان للبابا كيرلس السادس دور عظيم من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة عام 1967، حيث طاف الكنائس الأرثوذكسية ومجلس الكنائس العالمي من أجل مساندة مصر، ورسم لذلك نيافة الأنبا صموائيل الذي كان بمثابة وزير خارجية الكنيسة، وتم الحوار مع الكنيسة الإثيوبية والإمبراطور هيلاسلاسي حتي اقتنع بإلغاء العلاقات مع إسرائيل، الأمر الذي أدي إلي قطع أكثر من أربعين دولة أفريقية العلاقات مع إسرائيل حينذاك، وكان للبابا كيرلس علاقات وطيدة بإثيوبيا شعب وحاكم وكنيسة.
في 28 يونيو 1959 قام برسامة بطريرك جاثليق لإثيوبيا، وعقدت اتفاقية بين كنيستي مصر وإثيوبيا لتأكيد أواصر المحبة بينهما، وفي نوفمبر سنة 1959 أرسي حجر الأساس لدير الشهيد مارمينا العجايبي بصحراء مريوط، وأعاد له جزءا من جسده، وبني كنائس وكاتدرائية تشابه في مجدها الكاتدرائية القديمة في المدينة الأثرية.
وفي يناير 1965 رأس مؤتمر الكنائس الأرثوذكسية المشرقية في أديس أبابا عاصمة إثيوبيا، وهو يعتبر أول مجمع مسكوني للكنائس الأرثوذكسية غير الخلقدونية في العصور الحديثة، وناقش المؤتمر أمورا هامة تتعلق بالخدمة والكرازة في العالم المعاصر وعلاقة الكنائس المجتمعة بالكنائس الأخرى. وكان ذلك آخر مجمع أرثوذكسي مسكوني للكنائس الأرثوذكسية، وأيضا كان آخر بطريرك جاثليق لإثيوبيا هو الذي رسمه البابا كيرلس، آخر بطريرك إثيوبي يرسم من قبل الكنيسة المصرية وانفصلت بعدها الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية وبدايات الخلافات بعدها. 

ناصر يفتتح الكاتدرائية الجديدة بالأنبا رويس
وفي 25 يونيو 1968، استقبل البابا كيرلس السادس جسد مارمرقس بعد غيبته عن أرض مصر زهاء إحد عشر قرناً من الزمان، وأودعه في مزار خاص بني خصيصاً تحت مذابح كاتدرائية القديس مرقس القبطية الأرثوذكسية، التي أنشأها البابا كيرلس السادس وافتتحها في احتفال عظيم حضره رئيس جمهورية مصر جمال عبد الناصر وهيلاسلاسي الأول إمبراطور إثيوبيا ووفود من كنائس العالم كله، وجموع كثيرة من الشعب.
وفي صباح الأربعاء 26 يونيه 1968، احتفل بإقامة الصلاة على مذبح الكاتدرائية المرقسية، وفي نهاية القداس حمل البابا كيرلس السادس رفات مارمرقس إلى حيث أودع في مزاره الحالى تحت الهيكل الكبير في شرقية الكاتدرائية.
ظهور العذراء وبدايات انتصارات الجيش المصري
كأن العذراء تؤاز الوطن والبابا إبان استرداد الجيش المصري لقوته، وبداية حرب الاستنزاف، ففى 2 أبريل من عام 1968 أعلنت الكنيسة أن السيدة العذراء تجلت فوق قباب كنيستها في حي الزيتون، مما جذب أنظار العام كله إلى مصر وإلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وذهب وزير الداخلية شعراوي جمعة وشاهد ظهور العذراء، وكتبت الصحف المصرية عن ذلك وكيف ارتبط ظهور العذراء بمعركة الكرامة وحرب الاستنزاف.
وأخيرا دخل قلايته واستودع روحه بيد الله الذي خدمه في 9 مارس 1971، ودفن تحت مذبح الكاتدرائية التي أنشأها، وفي25 نوفمبر 1972 م نقل جسده في احتفال مهيب إلي دير الشهيد مارمينا بمريوط حسب وصيته ليكون بجوار شفيعه مارمينا، و في يوم الخميس الموافق 20 يونيو2013، اجتمع المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة البابا الأنبا تواضروس الثاني، وتم الاعتراف بقدسية البابا كيرلس السادس، وهكذا توجت القداسة  بالوطنية  في عمل روحاني ووطني.

4DD3E005-ECC2-4071-B5C3-702686F4C99B
4DD3E005-ECC2-4071-B5C3-702686F4C99B