الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

"المشورة الكنسية" في عيون الآباء والخبراء

القمص موسى إبراهيم
القمص موسى إبراهيم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لجأت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، مؤخرًا لما يعرف بدورات المشورة، التي تستهدف إعداد الإنسان المسيحي، وتقويم شخصه معرفيًا وسلوكيًا، وبالتحديد استهداف المقبلين على الزواج، في محاولة لتفادي الوتيرة المتزايدة والمتسارعة من الخلافات الزوجية، والمشكلات الأسرية العويصة التي تواجه الكنيسة بشدة خلال الفترات الراهنة من تاريخها، مما جعلها تفرض هذه الدورات كشرط أساسي لتتميم سر الزيجة داخلها.

ولعلّ المشورة كمصطلح جاء لما بين المشير والمستشير من علاقة خاصة، يكشف فيها المشير للآخر المستشير عن مكمن الخلل لديه، مع تقديم الحلول العملية للمساعدة على الاستقرار؛ والمشورة الكنسية تختلف عن الوعظ الكنسي، فبينما تُوَجَّه الوعظات الكنسية لكافة الجماهير، تُوجّه المشورة للفرد خاصة، وفي حين يكون اهتمام الوعظ بالسمو الروحي، ومحاولة التغلب على الحاجات الجسدية، والمادية العالمية، تهتم المشورة بإشباع الاحتياجات البشرية للشخص تحت مظلة الإرشاد الروحي، ليتحقق في النهاية التوازن الوجداني للإنسان في صراعه بين الروح والعالم.

وتغوص "البوابة نيوز" عميقًا في محيط هذا التوجّه لمعرفة حقيقة أسبابه، ومدى فاعلية تأثيره، ورصد آلياته في التدخل العلاجي، لاقتناص أجوبة لأهم ما يدور في الأذهان من تساؤلات عن هذا الأمر، ولهذا تحاورنا مع القمص موسى إبراهيم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية.

وفي هذا الشأن؛ قال القمص موسى إبراهيم، إن المجمع المقدس ومع بدايات عهد قداسة البابا تواضروس الثاني بدأ في جعل دورات المشورة إلزامية للمقبلين على الزواج بدعوى كشف وتوضيح طبيعة الحياة الجديدة التي سينتقل إليها الطرفان، موضحًا أنه قبل قرار الإلزام كانت معاهد المشورة في المعادي، ووسط القاهرة، وغيرها من الأبراشيات تحث شعبها على أهمية هذه “الكورسات”. 

وأكد الأب موسى لـ"البوابة نيوز"، أن قرار الإلزام ليس فيه أي ديكتاتورية كنسية، ولذلك يرفض مصطلح الإجبار مفضلا عنه الإلزام، لأن في الإلزام ما يشير إلي أهمية هذا الإجراء لما يحمله من قيمة ومعنى، وأهمية في ضمان حياة زوجية صالحة وناجحة، تمامًا كما ألزمت الدولة المقبلين على الزواج بالكشوفات، والفحوصات الطبية، لتفادي أي مخاطر صحية من شأنها أن تهدد استقرار الأسرة. 

وأوضح المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية، أن هذه الدورات لا تستهدف حسن اختيار الشريك بقدر ما تستهدف بشكل أساسي حياة الطرفين بعد الزواج في عُمقِها؛ وعن مدى التأثير الإيجابي لإلزامية المشورة في التقليل من حالات المشاكل، والانفصال، وانعكاس فوائدها على الأسر المسيحية، قال: "نحن في طريقنا إلي هذا، ولكن للكشف عن مدى النتائج الإيجابية يتطلب الأمر إحصائيات، وقياسات رأي، ورصد ومتابعة بشكل دوري". 

كما كشف لنا عن أكثر أسباب المشكلات الزوجية التي تواجهها دورات المشورة وهي مدى قدرة الطرفان على الوصول إلي التفاهم المتبادل، والاتفاق فيما بينهما، وتأتي في المرتبة الثانية مشكلات متعلقة بطبيعة العلاقة من العاطفة، والتقدير، والاحترام، والمشاركة، وأيضًا علاقة الطرفان بوالدي الآخر.

وفي تساؤل لـ"البوابة نيوز"، عن وجود أي صِلَة بين المشكلات الزوجية، وعدد الأبناء المُنجَبة؛ أشار الأب موسى، إلي وجود توعية متخصصة لأجل التدبير الإنجابي، قائلا: "نحن لا نشجع كثرة الإنجاب، ونحث المتزوجين على هذا من خلال التعليم المستمر بهذا المعنى". 

وفي سياق حوارنا المتواصل مع الأب موسى، المتحدث باسم الأرثوذكسية، طرحت "البوابة"، عليه فكرة جديدة، تساهم في الحد من الخلافات الزوجية، وتساءلت عن إمكانية تحقيقها، وهي إلزام والديّ كل من الطرفين، من الآباء والأمهات، بدورات توعية أيضًا، لما لهم من دور كبير، وواضح في افتعال، واختلاق المشاكل بين الزوج وزوجته، أو تهدئة هذه الخلافات.

وقال القمص موسى إبراهيم: "إنها فكرة جديدة، وجميلة، وجديرة بالدراسة لمحاولة تطبيقها، ولكن حتى الآن لم أسمع عن دورات تستهدف آباء وأمهات المتزوجين"، مضيفًا أن هذه الشريحة يتم استهدافها تلقائيا في عظات القداسات حيث نسبة حضورهم للقداسات كبيرة جدا ومن خلالها يتم توعيتهم في هذا الشأن.

واختتم الحوار، ببيان مدى تأثير المتغيرات المجتمعية على السلوك، والوعي الإنساني، وهذا ما دفع الكنيسة وفرض عليها تطبيق دورات مشورة، تستهدف تحقيق التوازن الشخصي، في ظل هذه المتغيرات، التي لم تكن لها وجود نشط في حياة أجدادنا فلم يحتاجوا لمثل هذه "الكورسات"، قبل زيجاتهم، حيث كانت حياتهم بسيطة، والقيم العُرفية كانت بمثابة مشورة لهم.

وفي السياق ذاته؛ يكمل معنا الإخصائي النفسي، إميل لبيب، المتخصص في المشورة الأسرية، فيشيد بخُطوة الكنيسة الأرثوذكسية، في اعتمادها المسائل المشورية، كشرط حتمي لتتميم سر الزيجة، وعدم اعتمادها في هذا الشأن على سر الاعتراف، الذي كان سابقًا مخصصا دون غيره، في مسألة الخلافات الأسرية والزوجية، مُبديًا إعجابه الشديد بهذا التحرك الأرثوذكسي الإيجابي الفارق في طريق الكنيسة نحو مواكبة تطور الحياة.

ويقول "لبيب": "المشكلة تكمن في اعتقاد الكثيرين بأن المؤمن لا يتعرض للخلل النفسي، ولعل هذا ارتبط بطبيعة مجتمعنا الشرقي، مما جعل دورات المشورة تتخذ شقين، الأول إيجابي يدفع البعض للتثقيف في الأمور النفسية، والثاني سلبي دفع الأغلبية للتعامل معها كإجراء بيروقراطي للحصول على موافقة بالزواج داخل الكنيسة". 

ويتابع بقوله: "الاستفادة لا تكمن في المشورة ذاتها، بل في استعداد الأشخاص لقبولها، ورغبتهم في تحسين نمط حياتهم، من خلال تطبيق ما تلقوه خلالها"، مؤكدًا أن الطرفين يتلقيان نفس المادة، إحداهما يهتم بكل تفاصيلها فيستفيد، والآخر يبرهن فقط نسبة حضور تتيح له الحصول على الشهادة، مقرًّا أنه في بعض الحالات يتمكن الطرفان من الحصول على الشهادة دون حضور الدورة، من باب المجاملة.

وينتقد الخبير المتخصص في المشورة الأسرية، فكرة إجراء دورة لمدة أسبوع قبل الزواج مباشرة، مؤكدًا عدم كفايتها في تأسيس زواج مقدس ناجح، قائلا: "الارتباط مسيرة حياة تبدأ من الطفولة، وحتى سن الزواج، بحيث كل أزمة يمر بها الإنسان، وكل مشورة يختبرها خلال مراحل حياته، تصب في النهاية في مجرى حياته الزوجية". 

ويكمل "لبيب" حديثه: "فَعلى سبيل المثال هناك من يعاني من أزمة ثقة، أو أزمة أمان، أو أزمة حرمان عاطفي، أو أزمة رفض، وهي جميعها أزمات تؤثر تأثيرًا مستديمًا يرافقه طوال العمر". 

ويشير الخبير المتخصص في المشورة الأسرية، إلي ما يعني أن دورة المشورة قبل الارتباط مباشرة ليست عصا سحرية، بل الحل الجذري متمثل في التأهيل النفسي للشخص من طفولته، وحتى موعد زواجه.

وتأكيدًا لعدم نضج الوعي المجتمعي لتقبل المشورة؛ يقول "لبيب"، إن نسب الحضور الحالية مرتبطة بالحصول على الموافقة بالزواج، بحيث لو كانت هذه الدورات اختيارية لكانت نسب الحضور تكاد تكون منعدمة، كاشفًا أن المشكلة الأكبر تكون في التعامل مع الرجل، والتي تكون نسب حضوره ضعيفة جدًا جدًا بالمقارنة مع المرأة، وربط موقف الرجال هذا بطبيعة المجتمع الذكوري الذي تربو فيه على أن الرجل يعرف كل شيء، وليس فيه عيب.

وعن أهم المبادئ الكتابية التي تسعى المشورة لترسيخها، أشار "لبيب"، إلي مبدأ الترك، مستشهدًا بنص سفر التكوين ''يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته''، وهو القانون الكتابي الأول الذي يحكم علاقة الرجل بزوجته في المسيحية، لتفادي الطرفان أي تدخلات قد تؤثر على استقرار بيتهما، وحياتهما الخاصة. 

وأوضح أن غياب الثقافة، والوعي الجنسي في العلاقة الحميمية أكبر مسببات المشاكل الزوجية، قائلا: "أكاد أجزم أن أكثر من ٩٠٪ من المشاكل سببها جنسي، ولعل أبرزها عدم القدرة على طلب الإشباع من الآخر، لئلا يُرسَم بصورة سيئة في نظر شريكه"، ويحذر متابعًا: "مواد "البورنو جرافي" شوهت العلاقة الجنسية المقدسة، ورسخت مفاهيم مغلوطة حول طبيعة هذه الحميمية، فهي تخدع الأزواج بقدرات وهمية لا واقع لها، مما يجعل كل منهما غير راضٍ عن الآخر". 

وفي سياق متصل؛ يعرض "لبيب" لمسببات عِدّة للمشاكل بين الأزواج، ومنها الفروقات الجنسية من حيث طبيعة التحليل، فبينما تميل المرأة إلي التفصيل، والشمولية، يفضل الرجل الإجمال، والعمومية، فيرى الرجل المرأة مبالغة، وترى المرأة زوجها متجاهلاً، ومقصرًا في حقها، وفي الواقع الأمر كله يرجع للفروقات بين الجنسين، وليس في الأمر أي مبالغة أو تجاهل.

وفي ختام حوارنا معه؛ شدد "لبيب"، على أمور هامة، وضرورية ومنها الأمراض الوراثية أو المزمنة، محذرا الأطراف المقبلة على الزواج بعدم فبركة الفحوصات الطبية، ومصارحة الآخر بحقيقة مرضه من باب الأمانة، منوهًا أن إخفاء مثل هذه العيوب يعد بمثابة خيانة، حيث قال: "يوجد أزواج كان أفضل ألا يتزوجوا، ويوجد آباء كان أفضل لهم ألا ينجبوا، فالأمراض الوراثية لا يتحمل نتائجها الزوج أو الزوجة فقط، بل تنتقل إلي الأطفال المولودة، وكل هذا يكون عبئًا، وضغطًا شديدًا على الأسرة، وخيانة لأبنائنا قبل خيانة أنفسنا".

ويشدد "لبيب"، بقوله: "ألوم على بعض الأزواج استمرارهم في إنجاب الطفل الثاني والثالث رغم تفاقم حدة الخلافات بينهما"، مشيرا إلى ضرورة البعد عن كثرة الإنجاب في حالة وجود مشاكل ظاهرة من البداية، ناصحًا بأن الطفل يحتاج لاستعدادات خاصة، وبيئة مستقرة ينمو فيها، مستشهدًا بجملة إعلانية مُشيرة إلى حق المولود، قائلا: "قبل ما نزيد مولود نضمن حقه يكون موجود".

وتستمر “البوابة نيوز” في التنقل بين مصادرها الكنسية المتعددة، للوقوف على أهم ما يرضي ذهن القارئ، في هذا الشأن، فناقشنا الأب الدكتور كميل وليم سمعان، أستاذ العهد القديم، والباحث في الكتاب المقدس، والذي أشار إلي أن تطور الحياة، هو الذي فرض علينا حتمية دورات المشورة، وأردف قائلا: “لا أوافق على عبارة المشورة الكنسية، لأن المشورة هي مشورة لكل راغبيها، دون داعٍ لإلصاقها بكلمة ”الكنسية"، ورغم تعدد اتجاهاتها إلا أن آلياتها واحدة".

وشدد "الأب كميل"، على عدم كفاية المشورة كَحل نهائي لأزمات المشاكل والخلافات الزوجية؛ مشيرًا إلي أنها عامل مساعد وقوي في مواجهة التحديات التي تعرقل استقرار الأسرة، قائلا: "هنا يمكن تصنيفها بالمشورة الأسرية، وليس الكنسية، إلا إذا كانت الكنيسة تبرز مفاهيم، وقيم معينة في الإطار الروحي لها".

وعن تاريخ الكنيسة الكاثوليكية مع دورات المشورة كشف لنا عن دورات تدريبية منتظمة كانت تُعقَد داخل معهد القديس يوسف للمشورة من حوالي ٢٠ عامًا وأكثر، بهدف إعداد المخطوبين في جوانب عِدَّة منها التربوي، والنفسي، والروحي، واللاهوتي، وأيضًا القانوني؛ مؤكدًا أن هذا التوجه ساهم بشكل كبير في تحسين اختيار شريك الحياة، وتحقيق استقرار أسري واضح، وحتى في ظل وجود خلافات ومشكلات نجد أن طريقة معالجتها إيجابية تأثرًا بتلك الدورات الإرشادية.

أما عن طبيعة المشكلات المستهدفة؛ فيقول "كميل": "لكل علاقة مشاكلها الخاصة، ولكن التشبث بالرأي، وشعور كل طرف أنه رأس فكري مستقل هو من أصعب مسببات المشاكل الزوجية"، ويكمل الأب كميل: "قديمًا لم يحتاجوا لمشورة لسيادة مبادئ التنازل، وأحيانًا التجاهل لأن الخوف على رباط الأسرة، وسلامة الأبناء كان الهدف الأول والأهم في المجتمع"، ويتابع: "وهذا عكس ما يحدث الآن، لدرجة عدم استعداد أي طرف لقبول الحوار مع الآخر للوصول لنقطة تلاقي، واتفاق فكري".

كما أشار إلي مسبب آخر يزيد من ضغط المشكلات وهو عدم الاستعداد للمواليد، والتخطيط الجيد في مسألة عدد الأطفال بناء على وضع الإمكانيات المتوفرة، قائلا: "الكنيسة الكاثوليكية لا تحدد عدد الأطفال، إنما تطالب الزوجين بالتخطيط للإنجاب زمناً، وعدد يكفل للأطفال كافة احتياجاتهم المادية والمعنوية". 

وفي نهاية حديثنا؛ أشار إلي تحدٍ كبير، وهو توعية الأبناء بعد الزواج بأهمية الاستقلال عن أسرهم، وعدم الخضوع لهم، قائلا: "نوعي الأزواج بالتحرر التام من أهاليهم في المسائل المتعلقة بقرارات حياتهم الخاصة، وأن يكون التصرف مبني على القناعة فيما بينهما، دون تأثر أو ضغط من جانب الحموات والأحماء".

9C971BA5-9CBB-4205-9E1B-10A7AEE849E2
9C971BA5-9CBB-4205-9E1B-10A7AEE849E2
ED7A6892-050F-4B3C-BB2C-6CF10F023B31
ED7A6892-050F-4B3C-BB2C-6CF10F023B31