قبل ساعات من انطلاق جولة الاستفتاء على مشروع الدستور التونسي الجديد، داخل البلاد، المقرر لها صباح غد الاثنين، هاجم راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإخوانية الدستور زاعما أنه ينتقص من حرية المواطن، وأنه لا يحقق الديمقراطية.
وقبل أيام، خضع الغنوشي للاستجواب في قضية جمعية نماء الخيرية، وقد أصدر مكتب التحقيقات بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب وثيقة تتضمن طلبًا من مصلحة الهوية العدلية، بضرورة استخراج "بطاقة عدد2" الخاصة بالغنوشي وتوجيهها لقاضي التحقيق.
وتُعد هذه البطاقة بمثابة صحيفة السوابق للغنوشي، فهي تشمل جميع الأحكام الحضورية أو الغيابية غير المعترض عليها الصادرة عن أية محكمة في جنايات أو جنح، إلى جانب بيان الأحكام التأديبية الصادرة عن السلطة العدلية أو السلطة الإدارية إذا تسببت فـي الحرمـان من ممارسة حقوقـه المدنية، كما من شأنها بيان قرارات الإقامة الجبرية أو المراقبة، وهي بطاقة لا تصدر إلا بطلب من السلطة القضائية.
الانضمام إلى تنظيم إرهابي
وكشف طلب قاضي التحقيق عن التهم الخطيرة التي تلاحق راشد الغنوشي ومنها الانضمام عمدا، بأي عنوان كان، داخل تراب الجمهورية وخارجه إلى تنظيم ووفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية، وتكوين تنظيم ووفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية، واستعمال تراب الجمهورية وتراب دولة أجنبية لانتداب وتدريب شخص ومجموعة من الأشخاص بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية داخل تراب الجمهورية وخارجه".
وتطرقت الوثيقة إلى دوره في "وضع كفاءات وخبرات على ذمة تنظيم ووفاق إرهابي وعلى ذمة أشخاص لهم علاقة بالجرائم الإرهابية، وإفشاء وتوفير ونشر معلومات مباشرة وبواسطة، بأي وسيلة كانت، لفائدة تنظيم ووفاق إرهابي ولفائدة أشخاص لهم علاقة بالجرائم الإرهابية بقصد المساعدة على ارتكابها والتستر عليها والاستفادة منها وعدم عقاب مرتكبيها".
ضخ أموال لأغراض إرهابية
وأوضح طلب قاضي التحقيق أن الغنوشي تلاحقه أيضا تهم: "التبرع بأموال بصفة مباشرة وغير مباشرة أو جمعها أو تقديمها مع العلم بأن الغرض منها تمويل ارتكاب جرائم إرهابية، أو استخدامها من قبل أشخاص أو تنظيمات أو وفاقات أو أنشطة لها علاقة بالجرائم الإرهابية".
شرحت الوثيقة أن تقديم الأموال كان يصاحبه معرفة مسبقة بأنها سوف تستخدم في جرائم متعلقة بالإرهاب، حيث جاء بها أن "التبرع بأموال أو جمعها أو تقديمها أو توفيرها مع العلم بأن الغرض منها تمويل سفر أشخاص خارج تراب الجمهورية بقصد الانضمام إلى تنظيم إرهابي أو وفاق أو ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية أو بقصد تلقي أو توفير تدريبات لارتكابها"، مع إخفاء أو تسهيل إخفاء المصدر الحقيقي لأموال منقولة أو عقارية أو مداخيل أو مرابيح راجعة لأشخاص طبيعيين أو لذوات معنوية مهما كان شكلها أو قبول إيداعها تحت اسم مستعار أو إدماجها مع العلم بأن الغرض منها تمويل أشخاص أو تنظيمات أو أنشطة لها علاقة بالجرائم الإرهابية...
غسيل أموال وامتناع عن إبلاغ السلطات
جاء في الوثيقة أن الغنوشي امتنع عن التواصل مع السلطات بشأن معرفته بجرائم، إضافة إلى كونه عمل على تسهيل حركة أفراد يشتركون في هذه الجرائم، وأخيرا تورطه في غسيل أموال يرتبط بتنظيمات إرهابية.
ووفقا للوثيقة، فإن الغنوشي يواجه الامتناع عن إشعار السلط ذات النظر حالا بما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال و ما بلغ إليه من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية، وإرشاد أو تدبير أو تسهيل أو مساعدة أو التوسط أو التنظيم بأي وسيلة كانت ولو دون مقابل دخول شخص إلى التراب التونسي أو مغادرته بطريقة قانونية أو خلسة سواء تم ذلك من نقاط العبور أو غيرها بغاية ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية، وغسل الأموال من قبل وفاق باستغلال تسهيلات، التي خولها خصائص النشاط المهني والاجتماعي، مرتبطة بالجرائم الإرهابية".
استجواب الغنوشي وسط تجمع لأنصاره
وكان الغنوشي قد خضع، الثلاثاء الماضي للاستجواب أمام القطب القضائي لمكافحة الإرهاب متهما في القضية المعروفة بـ"قضية جمعية نماء الخيرية"، المتهم فيها حمادي الجبالي، رئيس الوزراء التونسي الأسبق والأمين العام السابق للحركة، وعدد آخرين.
وكانت السلطات التونسية جمدت الحسابات البنكية لرئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي، على خلفية التحقيقات الجارية بشأن تهم الفساد وغسيل الأموال في هذه القضية.
قال الكاتب والمحلل السياسي التونسي نزار الجليدي، إن مثول راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإخوانية أمام القضاء لاستجوابه في تهم غسيل أموال وإرهاب، يُعد يومًا تاريخيا بامتياز لأننا نرى فيه صخرة جماعة الإخوان تتكسر في تونس.
وأضاف "الجليدي" في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، إن اليوم الثلاثاء الذي يوافق 19 يوليو/جويلية يوم سيكون للتاريخ لأنه مرتبط بنهاية الإخوان التي كنا نراها قريبة ويرونها مستحيلة وبعيدة.
وتابع الكاتب التونسي، من كان يظن أو يحلم أن يتحرر القضاء من سلطة نور الدين البحيري ورهبة راشد الغنوشي؟ بل من القاضي الذي كان يجرؤ حتى على إدراجه في لائحة اتهام، إننا اليوم نرى الغنوشي يمثل أمام القضاء متهما في قضية ثقيلة لاستنطاقه باعتباره مشمولا بالأبحاث في إطار ما يعرف بقضية "جمعية نماء تونس" التي وجهت لها اتهامات بتبييض الأموال.
وأصدرت حركة النهضة نص كلمة، قالت إن الغنوشي أدلى بها لوسائل إعلام أمام مكتب التحقيق، جاء فيها أنه يتهم الحكومة والرئاسة بالعمل على تشويهه وتلفيق التهم له.
وقال الغنوشي الذي رفض التهم المنسوبة له، أنه "من أكثر من نظّر للوسطية والاعتدال الفكري والسياسي، ونظر للديمقراطية الإسلامية وللإسلام الديمقراطي مقابل أطروحات التخلف والغلو والعنف أو الإرهاب أو الإقصاء أو انتهاك الحريات".
وتعقيبا على كلمة الغنوشي، أوضح الكاتب التونسي نزار الجليدي، أن يكون الغنوشي منظرا للوسطية والاعتدال هذا يعني أننا في زمن الكذب والبهتان، لأنه يعرف جيدا ماذا زرع في تونس من حمى وسرطان الإخوان، ويعرف أنه اليوم يحاسب على ما اقترفه، وحديثه لا يعدو كونه رقصة ديك مذبوح لأنه يدرك أن الأيام المقبلة ستكون عثيرة بالنسبة له.
الغنوشي يهاجم منتقدي "عشرية الخراب"
وخلال الكلمة التي أدلى بها الغنوشي تعقيبا على استجوابه، نفى رئيس الحركة النهضة الإخوانية التهم الموجهة إليها معتبرا إياها ملفقة من قبل الرئاسة والحكومة التونسية، زاعما أنه مثال للوسطية والاعتدال، كما أنه اعترف بأخطاء الفترة الماضية قائلا إن "أهم الأخطاء هي ضعف المنجز الاقتصادي. لكن ذلك لا يلغي ما تحقق في العشرية ولا يبرر وصفها بعشرية الخراب".
وأضاف الغنوشي: "تستمر المحاولات وتتنوع الأساليب لاستهداف حركة النهضة ورموزها في محاولات دؤوبة لا تفتر لربطها بالإرهاب والتآمر على البلاد، ولتحولها من حالة سياسية يتعاطى معها بالديمقراطية إلى ملف أمني وقضائي. وهذه اليوم إحداها".
حمادي الجبالي.. أول المتهمين
كانت السلطات الأمنية أوقفت "الجبالي"، يونيو الماضي، على خلفية التحقيق معه بشأن قرائن تفيد ضلوعه في قضايا تبييض أموال، إلا أنها عادت وأطلقت سراحه لمروره بأسباب صحية، لتنطلق أبواق تنظيم الإخوان لإعلان أن الإفراج عن "الجبالي" لعدم وجود أدلة تدينه، واعتبروه انتصارا في محاولة لتأكيد أن توقيف قيادات الحركة ما هو إلا محاولات كيدية من السلطة السياسية.
وكانت الناطقة الرسمية باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، حنان قدّاس، أكدت وجود شبهة قوية متعلقة بتبييض الأموال، وفي تصريحات لـ"إذاعة شمس إف إم" قالت إن إطلاق سراح الجبالي متعلق بحالته الصحية، خاصة بعدما قدم ملفا طبيا يفيد بأنه سيجري عملية جراحية، وأن قاضي التحقيق لم ينظر في التهمة وأطلق سراحه نظرا لظروفه الصحية.