أصدرت محكمة جنايات الدقهلية - الدائرة الرابعة - حيثيات الحكم في قضية مقتل الطاللبة نيرة أشرف على يد زميلها ذبحًا أمام باب جامعة المنصورة.
وقالت المحكمة في حيثيات الحكم ردا على طلب الدفاع عرض المتهم على الطب الشرعي لبيان سلامة حالته العقلية، إن النص في المادة 62 من قانون العقوبات المُستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، قد نص على أنه: "لا يُسأل جنائيًا الشخص الذي يُعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي لفقده الإدراك أو الاختيار أو الذي يُعاني من غَيبوبة ناشئة عن عقاقير مُخدرة أيًا كان نوعها إذا أخذها قَهرًا عنه أو عن غير علم منه".
وتابعت المحكمة في الحيثيات:"ويَظل مَسئولاً جنائيًا الشخص الذي يُعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدى العقوبة".
وأضافت المحكمة انه نَص مُستحدث تَمَثل في إضافة الاضطراب النفسي للمتهم، إذا ما أفـقده الإدراك أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة، واعتبره سببًا للإعفاء من المسئولية الجنائية، أما إذا اقتصر أثره على الإنقاص من إدراك المتهم أو اختياره فيظل المتهم مسئولا عن ارتكاب الجريمة، وإن جاز اعتبار هذا الإنقاص ظرفًا مُخففًا يَصح للمحكمة الاعتداد به عند تقدير العقوبة التي تُوقَع عليه.
وورد بحيثيات الحكم انه لما كان ذلك ولأن كان من المُقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه لسلامة الحكم يتعين إذا ما أثاره المتهم أن تُجري تحقيقًا من شأنه بلوغ كفاية الأمر فيه، ويجب عليها تَعيين خبير للبَت في هذه الحالة إثباتًا ونفيًا، فإن لم تَفعل كان عليها أن تُورد في القليل أسبابًا سائغة تَبني عليها قضاءها برفض هذا الطلب، إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم مَسئوليته عن الجُـرم الذي وقع لما كان ذلك فإنَّ المحكمة بمُطالعتها للتحقيقات، واستجوابها للمتهم بمُوافقة مُحاميه الأصيل؛ وقد استبان لها سلامة حالته العقلية والنفسية وسلامة إدراكه واختياره، قبل ووقت ارتكابه جريمة قتل المجني عليها وفي أعقابها، وذلك من إدراكه لِمَا خَطَط له، واختياره الاختيار الأمثل - من وجهة نظره - بين البدائل التي قد تَتعارَض أمامه فـي تنفيذه لمُخططه، وما يَحتاجه ذلك الاختيار بين البدائل من قَدر من التفكير والتقييم والخبرة والكفاءة لاختيار البديل الأمثل؛ حتى وصل لتنفيذ مُخططه الإجرامي على النحو الحاصل يُستدَل على ذلك، مما اعترفَ به المتهم في الصحيفتين السابعة عشرة والثامنة عشرة من التحقيقات من أنه خَططَ لجريمته منذ رمضان الماضي، ومن هذا التخطيط، أنْ كان اختياره لأداة الجريمة سكينًا جديدًا حادًا وليس سلاحًا آخر، ومن تفكيره في هذا السلاح بالذات وتَرجيحه على ما عَداه أدوات القتل.
وتستخلص المحكمة من ذلك أنَّ المتهم اختار هُنا بين البدائل بصَدد أداة ارتكاب الجريمة عن وعي وإدراك لأسُس هذا الاختيار) يُؤخذ ذلك من تعليله لهذا الاختيار بالذات، بكونه يَعمل طباخًا ويُتقن استخدام السكاكين، ومن اختياره مكان وزمان التنفيذ، وهو أيام امتحانات الفصل الدراسي الثاني من العام الجامعي الجاري بجامعة المنصورة.
وتابعت الحيثيات "تَـستخلص المحكمة من ذلك أنه هُنا اختار بين بدائل مكان وزمان ارتكابه للجريمة عن وعي وإدراك لأسُس الاختيار) ومن تبريره لهذا الاختيار من أنه كان على يقين أنَّ المجني عليها ستحضر لأداء هذه الامتحانات، وعلمه السابق بأنها لم تكن تحضر في أيام الدراسة نظرًا لسفرها إلى القاهرة وشرم الشيخ، كما أنه اختار عدم تنفيذ جريمته في الحافلة التي وَجَد فيها المجني عليها في اليوم الذي حَسَم فيه أمره وقرَّر قتلها، بعد أن رَاودته هذه الفكرة، (تَستخلص المحكمة من ذلك، أنه اختار هنا بين البدائل لمكان ارتكابه الجريمة، وإنه وقد فكَّرَ في تَغيير المكان من الحافلة إلى الجامعة - على هذا النحو - فإنه يكون عاقلاً واعيًا سليم النفس مُدركًا لأسُس الاختيار) فاطمأنت المحكمة - إذن - إلى أنه كان مُدركًا أنَّ الحافلة ليست المكان المناسب؛ لا سيما وأنه قد علَّل ذلك، باحتمال عدم تحقق هدفه وهو قتل المجني عليها، إذا ما تَدخل الركاب وحالوا دون ذلك، فاختار المكان الأنسَب وهو خارج الحافلة، عندما نزلت منها المجني عليها وتَرجلت تجاه باب الجامعة، مما يقطع بإدراكه للبدائل المَطروحة أمامه، واختياره الأفضل منها، يُضاف إلى ذلك، ما اعترفَ به بالصحيفة الثالثة عشرة من أنه عندما حاول البعض إقصائه عن المجني عليها وهو يُسدد لها الطعنات في جسمها، هَددهم بالسكين حتى لا يُخلِّصوها منه ثم عاد إليها بعد تَهويشهم وذبَحها من عُنقها (تَستخلصُ المحكمة من ذلك، أنه هُنا قد اختار التهديد والتلويح فقط، دون إيذاء الآخرين، لِعِلمِه بمَقصده ومُبتغاه منه سَلفًا وهو إزهاق روح المجني عليها فقط) مما يَدُل على سلامة حالته العقلية والنفسية، وأنه اختار ألاَّ يُورد نفسه مَهالك أكثر بتعديه على غير المجني عليها المقصودة، فهو مُدرك أنه ليس لديه الدافع للتعدي على هؤلاء، فلو كان مُعتلاً عقليًا أو نَفسيًا لاعتـدَى على أي منهم ولـو بأقـل قـدر من الاعتـداء، وذلك يَدل في يقين المحكمة على وعيه وإدراكه لأسُس الاختيار وسلامة حالته العقلية والنفسية وكذلك ما اعـترفَ به المتهـم من قيامـه بإرجاء تنفيـذ جريمته إلى ما بعـد الامتحان الأول والثاني؛ لكي تَظُن المجني عليها انصراف نيته عن النَيل منها - أو تَتوهَم ذلك - ليتمكن من تدبير أمره على نحو أفضل يُحقق هدفه وهو قتلها، يُستفاد ذلك من إجابته في الصحيفة التاسعة عشرة على سؤال وجَّهتهُ إليه النيابة العامة: "لماذا استقرَّ اختيارك على ثالث أيام الامتحانات إذَن دون اليَومَين الأولَين؟" فقال: "لأنْ أنا كُنت خايف إنْ يكون مِعاها حَد من أصحابها أو أهليتها، ولأنْ هي كانت عارفة إني مِش هَسكت، فقلت لازم أطمِنها لحَد ما أتمكن من تنفيذ اللي أنا عايزه" (تَستخلص المحكمة من ذلك أنَّ المتهم قد اختار هُنا بين بدائل تَواردت على ذهنه بصَدد الوقت الأكثر مُناسبة لارتكاب جَريمته، وماهية الظرف المناسب ليُؤتي سلوكه المادي ثماره وهو إزهاق روحها، حتى لا يكون ثمة مانع يحول بينه وبين إتمامه، مما يَدلُ في يقين المحكمة على وعي المتهم وإدراكه لأسُس الاختيار بين بدائل مُتعددة كانت مَطروحة أمامه فاختار أنسبَها من وجهة نظره، وهو ما يقطع بسلامة حالته العقلية والنفسية.
كما يُضاف إلى ذلك ويُعضِّده، ما ثَبَت في الدعوى مُـنذ فَجر التحقيقات وحتى انتهائها، أنَّ المتهم كان يُجيب على أسئلة النيابة العامة بدقةٍ بالغة وعبارات واضحة، وبكلام مُتناسق مُترابط لا هَذَيانَ فيه ولا تَهاتُر، وجاء اعترافه مُطابقًا تمامًا لِمَا قام به من تمثيلٍ لكيفية ارتكابه الوقعة، ولم يَترك في اعترافه ولا في المُعاينة التصويرية أدق الأمُور، فذكَرَ صغيرها قبل عظيمها، مثل تبريره لاختياره السكين كأداة للقتل، بكَونه يعمل طباخًا ويُـتقن استخدام السكاكين، وبأنه يَعرف كيف يَضرب بها وأين يَضرب، وتعليله لاختياره مَكان الطعنات من جسم المجني عليها، بقوله إنه يعلم المَقاتل من جسد الإنسان، وحَددها - هو - بأنها الصدر من جهة اليسار والفَخذ والعُنُق، كما حدَّدَ (في اعترافه بجلسة المحاكمة) المسافةَ بين المحلة الكبرى والمنصورة بالحافلة وهي نصف الساعة.
وتهديده للمجني عليها برسائل تَقطع بأنَّ كاتبها يَتمتع بحالة عقلية ونَـفسية سليمة، وبعبارة تدل على ما عَقد العزم عليه وقام بتنفيذه بالفعل وهو "القتل ذَبحًا" بدافع الانتقام، ومن روايته تَفاصيلَ علاقته بالمجني عليها خلال ثلاثة أعوام مَضَت، ومن خُطته الإجرامية التي بدأ التفكير فيها - منذ عام ونصف - والتي اختمرت تمامًا في رمضان الماضي.
ومن إرجائه التنفيذ في بداية الامتحانات، حين فكَّـرَ وخَشِي أن يكون معها مرافقًـا من أهلها، وإدراكه أن هذا الإرجاء من شأنه أن تَشعُرَ معه المجني عليها بالأمان مُؤقتًا من تهديداته، ومن روايتـه الدقيقـة الواعيـة لجِماع ما تَقـدم في تحقيقات النيابة العامة وتمثيله الجريمة حُرًا مُختارًا في مُعاينة تصويرية حضرها محاميه.
ومن اعترافه بالتفكير في اختياره حِيلة تطمئن معها ضحيته إلى الأمان ليتمكن منها جيدا، وهي حُضوره جلسة عُرفية قضَت بمَنعه من مُلاحقتها ومُضايقتها عَبر وسائل التراسل الاجتماعي، ثم تَظاهُره بالاستجابة إلى ما ألزمته به هذه الجلسة العرفية.
في الوقت الذي كان يُضمِرُ فيه قتلها، وهي أحداثٌ لا يُخَطط لها، ويَختار بين البَدائل منها، ويُنفذها، وبَعد ذلك يَتذكرها ويَرويها بدقة، إلاَّ عاقل مُدرك غير مُعتَل العقل ولا مُضطرب النفس، الأمر الذي يكون معه قد وقَرَ في يقين المحكمة أنَّ المتهم مَسئولٌ عن جُرمه، وقد اقترفهُ وهو حافظٌ لشُعُوره واختياره، وفي حالة عقلية ونفسية مُنزَهة عن أي مَرض أو اضطراب ، مما لازمه رَفض المَحكمة طلب الدفاع في هذا الصدد.