نحاول فى سلسلة «هواها شعبى» التى تقدمها جريدة «البوابة نيوز» الإجابة عن سؤال الهوية المصرية، أو بالبلدى كدا «إحنا مين؟»، وهل نحن حقًا نحمل سمات الحضارة المصرية القديمة، بكل ما تحمله من موروث ثقافى امتد عبر الأزمنة فالمتعاقبة، وما زال ينبض حيًّا جسده المصرى القديم عبر جدران المعابد والمقابر.
فالهوية المصرية تتميز بتنوعها الثقافى والحضارى، وكل منطقة بها تتميز بطبائعها الخاصة والمتفردة أيضًا، والتى تميزت بما يمكن أن نطلق عليه «تراث الحضور» نعم ما زال المصرى يمارس نفس الطقوس والعادات والتقاليد التىورثها عن آبائه وأجداده حتى وإن شابها بعض التغير بفعل التطور الزمنى وفترات الركود والحروب، فما زال المصرى يحتفل بأعياد دورةالحياة من ميلاد وزواج ووفاة، حتى احتفالات الحصاد وغيرها من الاحتفالات التى تعبر عن الهوية المصرية، وفى هذه السلسلة سنعبر خلالالأزمنة والأمكنة لنلقى الضوء على هويتنا المصرية والمجسدة فى تراثنا الشعبى «الفولكلور».
«دا أنا كنت بذاكر على لمبة الجاز» ربما نسمع تلك الجملة فى بعض الأفلام القديمة، وربما نسمعها أيضًا من أجدادنا وآبائنا، «لمبة الجاز» وهى إحدى وسائل الإنارة فى الفترات الزمنية السابقة ربما امتدت لفترة الثمانينيات من القرن العشرين، فما هى لمبة الجاز؟ وأيناختفت؟ ولماذا؟ هذه التساؤلات سنجيب عنها خلال تلك الحلقة من حلقات «هواها شعبى».
فتُعد «لمبة الجاز» من وسائل الإنارة التى كانت تستخدم فى المنازل والبيوت الريفية منها والحضرية أيضًا حيث لم تكن شبكة الكهرباء فىمصر تواكب التطورات الحالية سواء فى مظهر أو طرق امتدادها بل كانت هناك العديد من القرى البعيدة لا تتمتع بخدمات توصيل الكهرباءإليها وتعيش على وسائل للإنارة بدائية.
ومن بين تلك الوسائل التى كانت تعتمد عليها الأسر فى تلك الفترة هى لمبة الجاز، والفنيار، والكلوب وكانت تصنع بوسائل بدائية الصنعمستخدمين فيها الصفيح والصاج وشرائط مصنوعة من القطن وكان يستخدم الجاز أو الكيروسين فى إشعال ذلك الفتيل، ففى الفنيار والذىكان على شكل علبة من الصفيح أو الصاج الرقيق الذى تخرج منه ماسورة رفيعة تسمى بـ «السمبلة».
ويوضع فى السمبلة شريطا مصنوعا يديويًّا من القطن أوله فى فم السمبلة وآخره فى قاع العلبة الصفيح التى كان يتم ملئها بالجاز وكانيسمى هذا الشريط القطنى بـ «العويل» والذى كان يحدث إضاءة بمجرد إشعاله بالكبريت، وكان «الفينيار» يستخدم فى المنازل الأكثرفقرًا، ويعود ذلك لسهولة تصنيعه من علب الصفيح التى كانت توضع بها المأكولات مثل علب السالمون والتونة والأطعمة المعلبة التى كان يسهلالحصول عليها من أكوام القمامة، وكان أيضًا يتم صنعها فى بعض الورش البدائية وتباع بأسعار زهيدة.
أما عن لمبة الجاز وهى أكثر تطورًا فى الشكل وأكثر أمانًا حيث تم عملها من الزجاج بالنسبة لجسم اللمبة من الجهة السفلية، وفى الأعلىكان يتم وضع لمبة مصنوعة من الزجاج الرقيق الذى كان يحافظ على إنارتها ويحميها من الإنطفاء بسبب الهواء، كما كان بها زر للتحكم فىدرجة الإضاءة.
وتتكون لمبة الجاز من ثلاثة أجزاء الأول عبارة عن وعاء يشكل قاعدة اللمبة وهو الجزء الذى يتم ملئه بالجاز، ويعلوها جهاز بسيط مصنوع منالصفيح ومزود بذر دائرى يساعد فى التحكم فى درجة الإضاءة عن طريق خفض وعلو الشريط القماش العريض الموضوع بإحكام بالمنتصفالجهاز الصغير ويمتد الشريط القماش أو «الفتيل» إلى الأسفل بداخل جسد اللمبة.
ويعلو هذا الجهاز لمبة على شكل شبه بيضاوى حيث تكون على شكل دائرى من الأسفل ويمتد عنق الزجاجة أى الجزء العلوى من اللمبةوكانت اللمبة تتم صناعتها بمقاسين مقاس خمسة ومقاس عشرة، وكانت تخضع لعملية صيانة دورية لتنظيف الجزء العلوى من اللمبة الزجاجلإزالة تراكمات الغبار أثر الدخان الصادر من الفتيل، وكانت دائمًا ما تستخدم لمبة الجاز مساءً ليذاكر عليها الأبناء.